عاجل/ صراع جديد بين المنظمة الشغيلة ومنظمة الأعراف    عاجل/ العاصمة: ضبط اكثر من 18 الف قرص "ليريكا" في نزل شعبي وايقاف اجنبي    نواب المجلسين يشددون على ضرورة مسح شامل لأملاك الدولة واسترجاع الأراضي المستولى عليها    عاجل/ توتر وجدال بالبرلمان بسبب الحليب!    القصرين: تسجيل 331 مخالفة اقتصادية وحجز أكثر من 45 طنا من الخضر والغلال خلال شهر أكتوبر المنقضي    الإيطالي مانشيني مدربا للسد القطري    عاجل/ تأجيل القضية الاستعجالية ضد المجمع الكيميائي بقابس الى هذا الموعد    القيروان: إيواء تلميذتين بقسم الإنعاش بعد تناولهما داخل المعهد مبيدا للفئران    حمدي حشّاد: تونس تحت موجة حر متأخرة    عاجل: للتوانسة... ديوان الافتاء يحدد مقدار زكاة الزيتون والتمر لسنة 1447 ه    عاجل/ تحديد قيمة زكاة الزيتون والتمر    ارتفاع حصيلة شهداء العدوان الصهيوني على غزة..#خبر_عاجل    مفتي الجمهورية يعلن عن مقدار زكاة الزيتون والتمر وسائر الثمار    زغوان: تخصيص اعتماد بقيمة 17 مليون دينار لتهذيب 3 محطات لمعالجة المياه المستعملة وتجديد تجهيزاتها    اتّحاد الفلاحة يطالب بتخفيض أسعار الأجبان لحماية صحة المواطن    المنتخب الوطني للأصاغر والأواسط للتايكواندو يتحوّل الى الدوحة    تونس تشارك في بطولة العالم للشبان لكرة الطاولة برومانيا    قبلي: المجمع المهني المشترك للتمور يضع مخازن تبريده على ذمة الراغبين في تخزين محاصيلهم    9% من التوانسة مصابين بأمراض الكلى    أزمة صحية عالمية.. انفجار في معدلات ارتفاع ضغط الدم بين الأطفال    منهم إيوان والأخرس وهالة صدقي.. ألمع النجوم المرشحين لنيل جائزة نجوم تونس    عاجل/ السجن لموظف بقباضة استولى على 20 ألف دينار..وهذه التفاصيل..    وزارة السياحة تحذر المعتمرين من التعامل مع مكاتب أو أفراد غير مرخصين لتنظيم العمرة    غوغل تحذر مستخدمي أندرويد من تطبيقات VPN مزيفة تهدد بياناتهم المالية والشخصية    انطلاق مناقشة مشروع ميزانية مهمّة أملاك الدولة والشؤون العقارية لسنة 2026    الأطباء الشبان يعلنون إضرابًا وطنيًا بيوم واحد في كليات الطب والمؤسسات الصحية يوم 19 نوفمبر    جريمة مروعة: مقتل عروس على يد زوجها بعد 25 يوما فقط من زفافها..!    تونس: قافلة في المدارس باش تعلّم صغارنا كيفاش يستهلكوا بعقل    كأس أوروبا 2028: الافتتاح في كارديف والنهائي في ويمبلي    تونس تتألّق في الكراتي: إسراء بالطيب ذهبية ووفاء محجوب فضية    عاجل/ انقلاب قارب "حرقة".. وهذه حصيلة الضحايا..    التاكسي الطائر يبدأ التجارب في سماء الإمارات!    العجز التجاري لتونس يبلغ 18,4 مليار دينار مع موفى أكتوبر 2025    الإتحاد المنستيري: المدير الفني للشبان ينسحب من مهامه    وزير الفلاحة يؤكّد الالتزام بمزيد دعم قطاع الغابات وإرساء منظومة حماية متكاملة    بعد أكثر من 200 عام..أمريكا تتوقف عن إصدار العملة المعدنية من فئة السنت    اغتيال مهندس نووي مصري ب13 طلقة وسط الشارع في الإسكندرية    عاجل : مستجدات و تفاصيل الاعتداء الشديد على تلميذة في سيدي حسين!    هام/ ترويج وتمويل صادرات زيت الزيتون والتمور محور اجتماع تحت إشراف وزير التجارة..    انتقال رئاسة النجم الساحلي الى فؤاد قاسم بعد استقالة زبير بية    طقس اليوم: ضباب محلي والحرارة بين 21 و27 درجة    لافروف: أوروبا تتأهب لحرب كبرى ضد روسيا    سوسة: طفل العاشرة يحيل شيخ إلى غرفة الإنعاش    ترامب يوقّع قانونا ينهي أطول إغلاق حكومي في تاريخ أمريكا    عاجل: ألعاب التضامن الإسلامي بالرياض: وفاء محجوب تهدي تونس ميدالية فضية في الكاراتي    توقيع برنامج تعاون ثنائي بين وزارة الشؤون الثقافية ووزارة الثقافة الرومانية    في ذكرى وفاة عبد القادر بن الحاج عامر الخبو    في بيت الرواية بمدينة الثقافة .. .جلسة أدبية حول «تعالق الشعر بالسرد»    المهدية: مواد خطيرة وحملة وطنية لمنع استعمالها: طلاء الأظافر الاصطناعية و«الكيراتين» مسرطنة    الليلة: سحب قليلة والحرارة بين 10 درجات و15 درجة    سليانة: انطلاق مهرجان "نظرة ما" في دورتها الثانية    تعاون ثقافي جديد بين المملكة المتحدة وتونس في شنني    "ضعي روحك على يدك وامشي" فيلم وثائقي للمخرجة زبيدة فارسي يفتتح الدورة العاشرة للمهرجان الدولي لأفلام حقوق الإنسان بتونس    ليوما الفجر.. قمر التربيع الأخير ضوي السما!...شوفوا حكايتوا    معهد باستور بتونس العاصمة ينظم يوما علميا تحسيسيا حول مرض السكري يوم الجمعة 14 نوفمبر 2025    اسباب ''الشرقة'' المتكررة..حاجات ماكش باش تتوقعها    تقديرا لإسهاماته في تطوير البحث العلمي العربي : تكريم المؤرخ التونسي عبد الجليل التميمي في الإمارات بحضور كوكبة من أهل الفكر والثقافة    تصريحات صادمة لمؤثرة عربية حول زواجها بداعية مصري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقدمات للمطر:الرّيادة التونسية في التأسيس لحقوق الإنسان
نشر في الشروق يوم 15 - 01 - 2019

يعتبر القرن التاسع عشر-وبامتياز-قرن التأسيس لحقوق الإنسان في تونس: فقد شهد منذ أربعيناته مسارا امتد على ست سنوات، انتهى بإلغاء العبودية من البلاد التونسية بموجب أمر أحمد باي(1837 1855) الصادر يوم 26 جانفي 1846. مكرّسا بذلك أول حق طبيعي من حقوق الإنسان، ألا وهو حق الإنسان في التصرف في ذاته.
وقد علّق المؤرّخ أحمد ابن أبي الضياف على هذا القرار بالقول «...ولهذا الباي في ظاهر حاله شيء من الميل بطبعه إلى الحضارة التي أساسها وملاك أمرها الحرية.» وفي رسالة حول منع الرّق يقول «محمد بيرم الخامس»: «إن الأصل في الإنسان الحرية.»
وفي الحقيقة، فإنّ الباي لم يكن يدرك وأنّه بمبادرته الإنسانية تلك، سوف يفتتح عهد تكريس حقوق الإنسان في تونس على الأقل على المستوى التشريعي.
إذ لم تمرّ سنتان على وفاته، حتى أصدر خلفه محمد باي(1855 1859) قانون عهد الأمان في 9 سبتمبر 1857. والذي مثّل إعلان حقوق أقرت بموجبه جملة من المبادئ الأساسية التي تهم حقوق الإنسان، منها الحق في الأمن وحرية المعتقد والحرية الإقتصادية والمساواة أمام القانون وغيرها. وقد حرص الباي على إصدار شرح لقواعد هذا العهد، قسّم الأمان إلى أربعة أصناف: أمان على النفس وأمان على الدّين وأمان على المال وأمان على العرض. وقد جاء في الفصل الثالث من هذا القانون أن «...التسوية بين سكان الإيالة في استحقاق الإنصاف لأن (ذلك)..بوصف الإنسانية لا بغيرها.»
عموما، مثّل هذا القانون فاتحة عهد جديد من التشريع في مجال حقوق الإنسان، سوف يتدعّم لاحقا، خاصّة مع صدور دستور1861 الذي فصّل وأثرى المبادئ العامّة التي جاء بها قانون عهد الأمان في هذا المجال.وهي نفس المبادئ التي حرص محمد الصادق باي (1859 1882)على الإلتزام بها علنا عند قبوله البيعة سنة 1859. حيث يقول «...قبلت البيعة من الأعيان الحاضرين على مقتضى ما وقع الإلتزام به... وهو عهد الأمان لسائر السكان على الأعراض والأموال والأديان..»والملاحظ هنا الصفة المدنية والممثلة في«الأعيان الحاضرين» التي قبل منها الصادق باي البيعة دون غيرها.
فكان من تبعات هذا الإلتزام، صدور مجموعة من النصوص القانونية المكرّسة لحقوق الإنسان في عهده. لعلّ أهمها الأمر العليّ المتعلّق بحقوق الرّاعي والرّعيّة الصّادر في 25 ديسمبر 1860، و»قانون الدولة» أو الدستور الذي صدر رسميّا يوم 29 جانفي 1861.
فالأمر المتعلّق بحقوق الرّاعي والرّعية أسّس بوضوح لحقوق الإنسان. حيث جعلها منذ توطئته أساس الحكم. ثمّ مرّ إلى تعدادها واستعراض آليات حمايتها لينتهي في خاتمته إلى التأكيد على ضرورة إطّلاع الخاصّ والعام على ما ورد فيه، لأنّه من «حقوق السكان» وأنّه ضروري للعمران وأساس أمان للنّاس.
من جهته حدد دستور 1861 هذه الحقوق في أكثر من ثلاثة وثلاثين فصلا (من مجموع 114 فصلا). جاءت مكرّسة لجوانب مختلفة من حقوق الإنسان، سواء الأساسية منها أو الإقتصادية والإجتماعية أو حتّى تلك التي لها صبغة سياسية مثل الحق في الإطّلاع على القوانين ومتابعة تطبيقها (الفصل 87)، أو الحق في محافظة التونسي على إنتمائه إلى البلاد مهما طال غيابه عنها (الفصل 92)، أو حتى إذا غيّر ديانته-إذا كان من غير المسلمين-(الفصل 94) وهو حق أسنده الدستور أيضا للأجانب المقيمين بالمملكة بموجب الفصل 106 الذي نصّ على أنّ «انتقال الأجنبي إلى غير ديانته لا يخرجه من جنسيته ولا يمنعه من رعايتها». وقد جاء الفصل 87 من دستور 1861مكرسا لهذه الحقوق حيث يقول هنا الفصل بالحرف «جميع رعايانا على اختلاف الأديان لهم الحق في الوقوف على دوام إجراء قانون المملكة وسائر القوانين والأحكام الصادرة من الملك على مقتضى القوانين ولهم معرفتها ولا حجر ولا منع والشكاية للمجلس الأكبر من عدم إجرائها ولو في حق غير الشاكي.»
ويؤكد الفصل 89 على «أن سائر سكان المملكة لهم حق التصرف في أنفسهم وأموالهم ولا يجبر أحد منهم على فعل شيء يغير إرادته إلا الخدمة العسكرية على قانونها ولا يوضع يد على كسب لأحد بأي وجه إلا لمصلحة عامة».
كما تبرز أهمية المكانة التي أولاها دستور 1861 لحقوق الإنسان في كونه خصّص لها البابين الثاني عشر والثالث عشر منه، فالأوّل حدّد فيه حقوق أهل المملكة والثاني أفرده لحقوق الأجانب المقيمين فيها. كما أنّه ولمزيد توضيح هذه الحقوق، صدر في 3 أكتوبر 1862 أمر عليّ يشرح فصول الدستور ويبيّن مقاصده تعميما للفائدة وتسهيلا لاستعماله.
وعموما، ورغم أنّ الهوّة ظلّت شاسعة بين ما جاءت به هذه النصوص وبين ما طبّق على أرض الواقع، فإنها نجحت على الأقل في غرس المفاهيم المرتبطة بحقوق الإنسان في بيئة ظلّت غريبة عنها إلى أربعينات القرن التاسع عشر. وسوف يساعد على ذلك اجتهاد النخبة المتأثرة آنذاك بالأفكار الإصلاحية، من أمثال أحمد ابن أبي الضياف وخير الدين باشا والجنرال حسين وبيرم الخامس في نشر وتأصيل القيم المؤسسة لحقوق الإنسان في البيئة المحلية من حرية وعدالة ومساواة وسيادة للقانون.
الملاحظ أن هذا التأسيس الحقوقي كان أرضية خصبة بنت عليها النخب التونسية الإصلاحية أُسس الدولة المدنية التي تُضاهي في عراقتها أقدم المدنيات وقد تكرّس ذلك في دستوري 1959 و 2014.
نشكر الدكتور الهادي جلاب المدير العام للأرشيف الوطني على مدنا بالمادة التوثيقية لهذه المقدمات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.