أنس جابر تودّع بطولة روما للماسترز    مغني الراب "كافون" في ذمة الله    كاس العرب للمنتخبات لكرة اليد (الدور الترتيبي من5-9): المنتخب التونسي يتعادل مع نظيره العراقي 28-28    زازا : ''كافون الإنسان الطيب الى يحب الناس لكل ربي يرحمك خويا ''    وفاة مغني الراب التونسي "كافون" بعد صراع مع المرض    مغني الراب احمد العبيدي المعروف ب"كافون" في ذمة الله    عاجل : أحمد العبيدي '' كافون'' في ذمة الله    القصرين: أكثر من 1400 تلميذ ينتفعون بخدمات قوافل طبية حول صحة الفم والأسنان    عاجل: الدخول مجاني لمباراة اتحاد تطاوين ضد الملعب التونسي!    المهدية: فتح بحث تحقيقي في شبهة سرقة تجهيزات بمستشفى الطاهر صفر    الطيور المهاجرة: صندوق الطبيعة لشمال إفريقيا يدعو إلى حماية الأصناف المهددة بالإنقراض    توقعات بتراجع أسعار أضاحي العيد..    نداء من الممرضين في تونس لتعزيز حقوقهم وتوسيع آفاقهم المهنية    اختصاصي أمراض القلب: قلة الحركة تمثل خطراً صحياً يعادل التدخين    الكاف: اجراءات مرورية بمناسبة إجراء مقابلة الأولمبي الباجي والترجي الرياضي    غدا: اختتام الملتقى الوطني للقصة القصيرة جدا    ترامب: الهند وباكستان وافقتا على وقف إطلاق النار بالكامل وبشكل فوري    الكاف: زيارة منتظرة لوزيري السياحة والتجهيز والإسكان    إصلاحات ثورية لتحسين خدمات تصفية الدم: نصوص قانونية و هذه التفاصيل    لهذه الأسباب اتحاد المرأة يرفض ''طلاق عدل الإشهاد''    جنيف: بكين وواشنطن على طاولة الحوار    المهدية: إيقاف 3 أعوان بمستشفى الطاهر صفر بشبهة السرقة    إصابة ضابطين و7 جنود إسرائيليين بانفجار لغم شمال غزة    حج 2025: وزير الشؤون الدينية يُشرف على يوم تدريبي لحجيج صفاقس وسيدي بوزيد    سليانة: الأمطار التى شهدتها الولاية مفيدة للأشجار المثمرة والزراعات الكبرى (المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية)    الشكندالي: سياسة التعويل على الذات في تونس فكرة جيدة ولكن...    جريمة مروعة تكشف بعد 8 سنوات: قتلت زوجها ودفنته في المنزل بمساعدة أبنائها..!    وزارة التربية: فتح باب التسجيل بالسنة الأولى من التعليم الاساسي للسنة الدراسية 2026/2025    المهدية: إيقاف 3 أعوان وتاجر بشبهة سرقة 45 سريراً طبياً من مستشفى الطاهر صفر    القيروان تتصدر المرتبة الأولى وطنيا في إنتاج الحبوب المروية    إنتاج الحبوب يرتفع بأكثر من 58% بفضل الظروف المناخية الملائمة    نائب سابق بالبرلمان: وفاة مهاجر تونسي آخر في سجن إيطالي    الرابطة المحترفة الاولى - الرابطة تسلط عقوبة "الويكلو" بمباراتين على اتحاد بن قردان    الرابطة المحترفة الثانية: الملعب القابسي يُهزم جزائيًا ويُعاقب بمقابلتين دون جمهور وخطية مالية    نهائي كأس تونس للكرة الطائرة: التوقيت والقناة الناقلة    الترجي الرياضي التونسي بطل الماسترز الدولية للسباحة للمرة الثانية على التوالي    رضا قويعة: شركة فسفاط قفصة أصبحت عبء على الدولة مثل بعض المؤسسات العمومية    قريبا إصدار نصوص قانونية لتحسين الخدمات المسداة في مراكز تصفية الدم    عاجل/ سماع دوي انفجارين في سريناجار بالشطر الهندي من كشمير..    زلزال بقوة 5.1 درجات يضرب هذه المنطقة..#خبر_عاجل    زيت النعناع... حيلة ذكية لكل ''تونسية'' تحب النظافة الطبيعية وتكره الحشرات    سيدي بوزيد: اليوم وغدا انقطاع التيار الكهربائي بهذه المناطق    محرز الغنوشي: حرارة صيفية ظهرا مع أمطار آخر النهار    افاق الشراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي، أبرز محاور كلمة وزير الخارجية في الاحتفال بيوم أوروبا    القيروان: ارتفاع صابة المشمش إلى 18.2 ألف طن ...وحركية اقتصادية كبيرة    "جيروساليم بوست": ترامب قد يعترف بدولة فلسطين خلال قمة السعودية المقبلة    باكستان تغلق مجالها الجوي لمدة 24 ساعة    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    عاجل/ الحوثيون يستهدفون مطار بن غوريون ويتوعّدون: "القادم أعظم"..    صفاقس: الدورة 7 لمهرجان المسرح المدرسي الناطق باللغة الفرنسية بدار الثقافة عقارب.    الاحتياطي من العملة الصعبة يبلغ 22,9 مليار دينار وتراجع بنسبة 3 بالمائة مقارنة بالسنة الماضية    معهد البحوث الفلكية في مصر.. لا نتدخل في تحديد توقيت عيد الأضحى والأمر متروك للسعودية    القصرين: اكتشاف موقع أثري جديد بمنطقة جبل السلوم يعود للفترة الرومانية    الأيام الفرنسية التونسية للأشعة تناقش أيام 8 و9 و10 ماي بتونس تطور التصوير الطبي وتحديات قطاع الأشعة    مجلس نواب الشعب ينعى الفقيد النائب نبيه ثابت    ملف الأسبوع: مهلكة عظيمة: لا تتتبعوا عوراتِ المسلمينَ... عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ    منبر الجمعة: واعرباه. وا إسلاماه. هل من مجيب؟!    وزارة الصحة: احمي سَمعِك قبل ما تندم... الصوت العالي ما يرحمش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقدمات للمطر:الرّيادة التونسية في التأسيس لحقوق الإنسان
نشر في الشروق يوم 15 - 01 - 2019

يعتبر القرن التاسع عشر-وبامتياز-قرن التأسيس لحقوق الإنسان في تونس: فقد شهد منذ أربعيناته مسارا امتد على ست سنوات، انتهى بإلغاء العبودية من البلاد التونسية بموجب أمر أحمد باي(1837 1855) الصادر يوم 26 جانفي 1846. مكرّسا بذلك أول حق طبيعي من حقوق الإنسان، ألا وهو حق الإنسان في التصرف في ذاته.
وقد علّق المؤرّخ أحمد ابن أبي الضياف على هذا القرار بالقول «...ولهذا الباي في ظاهر حاله شيء من الميل بطبعه إلى الحضارة التي أساسها وملاك أمرها الحرية.» وفي رسالة حول منع الرّق يقول «محمد بيرم الخامس»: «إن الأصل في الإنسان الحرية.»
وفي الحقيقة، فإنّ الباي لم يكن يدرك وأنّه بمبادرته الإنسانية تلك، سوف يفتتح عهد تكريس حقوق الإنسان في تونس على الأقل على المستوى التشريعي.
إذ لم تمرّ سنتان على وفاته، حتى أصدر خلفه محمد باي(1855 1859) قانون عهد الأمان في 9 سبتمبر 1857. والذي مثّل إعلان حقوق أقرت بموجبه جملة من المبادئ الأساسية التي تهم حقوق الإنسان، منها الحق في الأمن وحرية المعتقد والحرية الإقتصادية والمساواة أمام القانون وغيرها. وقد حرص الباي على إصدار شرح لقواعد هذا العهد، قسّم الأمان إلى أربعة أصناف: أمان على النفس وأمان على الدّين وأمان على المال وأمان على العرض. وقد جاء في الفصل الثالث من هذا القانون أن «...التسوية بين سكان الإيالة في استحقاق الإنصاف لأن (ذلك)..بوصف الإنسانية لا بغيرها.»
عموما، مثّل هذا القانون فاتحة عهد جديد من التشريع في مجال حقوق الإنسان، سوف يتدعّم لاحقا، خاصّة مع صدور دستور1861 الذي فصّل وأثرى المبادئ العامّة التي جاء بها قانون عهد الأمان في هذا المجال.وهي نفس المبادئ التي حرص محمد الصادق باي (1859 1882)على الإلتزام بها علنا عند قبوله البيعة سنة 1859. حيث يقول «...قبلت البيعة من الأعيان الحاضرين على مقتضى ما وقع الإلتزام به... وهو عهد الأمان لسائر السكان على الأعراض والأموال والأديان..»والملاحظ هنا الصفة المدنية والممثلة في«الأعيان الحاضرين» التي قبل منها الصادق باي البيعة دون غيرها.
فكان من تبعات هذا الإلتزام، صدور مجموعة من النصوص القانونية المكرّسة لحقوق الإنسان في عهده. لعلّ أهمها الأمر العليّ المتعلّق بحقوق الرّاعي والرّعيّة الصّادر في 25 ديسمبر 1860، و»قانون الدولة» أو الدستور الذي صدر رسميّا يوم 29 جانفي 1861.
فالأمر المتعلّق بحقوق الرّاعي والرّعية أسّس بوضوح لحقوق الإنسان. حيث جعلها منذ توطئته أساس الحكم. ثمّ مرّ إلى تعدادها واستعراض آليات حمايتها لينتهي في خاتمته إلى التأكيد على ضرورة إطّلاع الخاصّ والعام على ما ورد فيه، لأنّه من «حقوق السكان» وأنّه ضروري للعمران وأساس أمان للنّاس.
من جهته حدد دستور 1861 هذه الحقوق في أكثر من ثلاثة وثلاثين فصلا (من مجموع 114 فصلا). جاءت مكرّسة لجوانب مختلفة من حقوق الإنسان، سواء الأساسية منها أو الإقتصادية والإجتماعية أو حتّى تلك التي لها صبغة سياسية مثل الحق في الإطّلاع على القوانين ومتابعة تطبيقها (الفصل 87)، أو الحق في محافظة التونسي على إنتمائه إلى البلاد مهما طال غيابه عنها (الفصل 92)، أو حتى إذا غيّر ديانته-إذا كان من غير المسلمين-(الفصل 94) وهو حق أسنده الدستور أيضا للأجانب المقيمين بالمملكة بموجب الفصل 106 الذي نصّ على أنّ «انتقال الأجنبي إلى غير ديانته لا يخرجه من جنسيته ولا يمنعه من رعايتها». وقد جاء الفصل 87 من دستور 1861مكرسا لهذه الحقوق حيث يقول هنا الفصل بالحرف «جميع رعايانا على اختلاف الأديان لهم الحق في الوقوف على دوام إجراء قانون المملكة وسائر القوانين والأحكام الصادرة من الملك على مقتضى القوانين ولهم معرفتها ولا حجر ولا منع والشكاية للمجلس الأكبر من عدم إجرائها ولو في حق غير الشاكي.»
ويؤكد الفصل 89 على «أن سائر سكان المملكة لهم حق التصرف في أنفسهم وأموالهم ولا يجبر أحد منهم على فعل شيء يغير إرادته إلا الخدمة العسكرية على قانونها ولا يوضع يد على كسب لأحد بأي وجه إلا لمصلحة عامة».
كما تبرز أهمية المكانة التي أولاها دستور 1861 لحقوق الإنسان في كونه خصّص لها البابين الثاني عشر والثالث عشر منه، فالأوّل حدّد فيه حقوق أهل المملكة والثاني أفرده لحقوق الأجانب المقيمين فيها. كما أنّه ولمزيد توضيح هذه الحقوق، صدر في 3 أكتوبر 1862 أمر عليّ يشرح فصول الدستور ويبيّن مقاصده تعميما للفائدة وتسهيلا لاستعماله.
وعموما، ورغم أنّ الهوّة ظلّت شاسعة بين ما جاءت به هذه النصوص وبين ما طبّق على أرض الواقع، فإنها نجحت على الأقل في غرس المفاهيم المرتبطة بحقوق الإنسان في بيئة ظلّت غريبة عنها إلى أربعينات القرن التاسع عشر. وسوف يساعد على ذلك اجتهاد النخبة المتأثرة آنذاك بالأفكار الإصلاحية، من أمثال أحمد ابن أبي الضياف وخير الدين باشا والجنرال حسين وبيرم الخامس في نشر وتأصيل القيم المؤسسة لحقوق الإنسان في البيئة المحلية من حرية وعدالة ومساواة وسيادة للقانون.
الملاحظ أن هذا التأسيس الحقوقي كان أرضية خصبة بنت عليها النخب التونسية الإصلاحية أُسس الدولة المدنية التي تُضاهي في عراقتها أقدم المدنيات وقد تكرّس ذلك في دستوري 1959 و 2014.
نشكر الدكتور الهادي جلاب المدير العام للأرشيف الوطني على مدنا بالمادة التوثيقية لهذه المقدمات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.