الجميع مخطئون إلا المرزوقي الذي لا يخطئ. هذا ما طمح إليه رئيس الجمهورية السابق محمد المنصف المرزوقي من خلال إطلالته الأخيرة عبر قناة حنبعل حيث عاد إلى الإعلام التونسي من جديد بلوكه القديم: تونس «الشروق»: 13: هو عدد المرات التي استعمل فيها المرزوقي اسم خلفه قايد السبسي دون يخالف فيها عادته، فالباجي حسب المرزوقي هو من دعا «لتنظيم مؤتمر أصدقاء سورية في تونس»، وهو «من أخرج الآلاف من السجون، من بينهم إرهابيون وتكفيريون...»، وهو من ارتكب الخطيئة ب»استقبال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في تونس» وهو في النهاية «ليس رجل دولة». في هذا كله سعى المرزوقي إلى خلع الجبة التي خاطها خصومه على مقاسه وحاول وضعها بالقوة على جسد الباجي إذ لا ننسى بأن خصوم المرزوقي يتهمونه إلى اليوم بتنظيم مؤتمر أصدقاء سورية وإخراج الآلاف من السجون من بينهم إرهابيون وتكفيريون وبأنه «رئيس طرطور» و»ليس رجل دولة». المرزوقي لم يقدم دليلا واحدا على اتهاماته حتى يقنعنا بصحة كلامه بل اكتفى بالإشارة إلى أن «هناك ماكينة كاملة تعمل على تشويهه واتهامه بمكائد لا علاقة له بها»، وأن هناك من يقوم ب»قلب الحقائق وتزييفها» وما علينا إلا «مراجعة التاريخ». شركاء في «الفشل» الباجي ليس خصم المرزوقي الوحيد بل إنه يشترك في هذه الخصومة مع حركة النهضة التي تبدو من وجهة نظر رئيس الحراك «خائفة وتعتبر أن ملاذها وبقاءها يتطلب منها الالتحام بالسلطة الحالية». بهذا الحكم يلقي رئيس الحراك بالنهضة في دائرة الفشل بما أن مردود منظومة الحكم الحالية «فاشل» حسب العبارة التي استعملها. الوحيد الذي نجا ظاهريا من نقد المرزوقي واتهاماته ضمن منظومة الحكم هو رئيس الحكومة يوسف الشاهد فهو «لا يعرفه». ولا يجوز له بالتالي أن يحكم له أو عليه. الثابت ألا أحد في تونس ينكر الشاهد، وعليه فإن المرزوقي يقصد أن الشاهد نكرة بالنظر إلى تاريخه السياسي ورصيده النضالي ما يعني أنه يلحقه منطقيا بالباجي والنهضة في منظومة الحكم «الفاشلة». على أن رئيس الحراك لم يكتف بانتقاد خصوم الداخل وكيل الاتهامات لبعضهم والتنقيص من بعضهم الآخر بل تجاوزهم إلى خصوم الخارج وخاصة منهم الإمارات العربية المتحدة التي لا يفوت الفرصة دون انتقادها ومدح خصيمتها قطر: «مؤامرة ضد الثورة» «نجدّد تأكيدنا على شعورنا بوجود مؤامرة على تونس لزعزعة استقرارها تقف وراءها غرفة عمليات إماراتية». هذا «الشعور بوجود مؤامرة» يتحول لدى رئيس جمهوريتنا السابق إلى حقيقة مثبتة بالأدلة بما أنه يضيف أن لديه أكثر من دليل على تورط الإماراتيين في عرقلة المسار الديمقراطي، من خلال تمويل الثورة المضادة ومنظومة الحكم السابقة. ف»الإمارات تمول وتسلح في ليبيا وفي اليمن، وفي عدد من الدول التي عاشت ثورات لوأدها». لكنه في النهاية لا يقدم لنا أي دليل ملموس غير تأكيده أنه «كاتب الأميركيين (أيام رئاسته الجمهورية) وسلم السفير الأميركي رسالة ليبلغها لحكومة بلده، طلب فيها أن يكفّوا أيادي الإماراتيين عن تونس». لم يتغير شيء لدى المرزوقي فهو كالعادة مثال الرئيس الملهم الذي لا يخطئ وإن لاح مخطئا فبسبب الإعلام الذي يشوه الحقائق ويدعم خصومه الذين لا يملكون عكسه حسنة واحدة. المرزوقي كان متحاملا على الإعلام التونسي بدعوى أنه يشوه الحقائق وينتمي إلى الثورة المضادة ولا يعطيه حقه الذي يستحق في الظهور الإعلامي فلماذا عاد إليه من جديد بأسلوبه القديم؟. لم يتعلم من ماضيه ثمانية أشهر تقريبا تفصلنا مبدئيا عن موعد الانتخابات ما يعني أن الوقت مناسب للظهور الإعلامي من جهة والشروع في التحركات الجهوية والنزول إلى الشارع من جهة أخرى لهذا يتزامن ظهور المرزوقي على فضائية حنبعل مع اجتماع شعبي يعقده يوم 27 جانفي الجاري في صفاقس إحياء لذكرى ختم الدستور. من حق المرزوقي أن يظهر في المنابر الاعلامية كما يظهر غيره من خصومه وحلفائه والمقربين منه، ومن حقه أن يتحرك في الجهات مادام منافسوه قد سبقوه إلى التحرك... لكن المشكلة أن الرئيس السابق لم يتعلم من أخطائه ولا من ماضيه بل إنه إلى اليوم يصر على جعل نفسه حارسا للثورة ضد «الثورة المضادة» ويستغل كل فرصة للتهجم على كل ذي صلة بالحكم واتهامه دون أن يقدم دليل إثبات واحد. الأكثر من هذا أن المرزوقي لا يعترف بخطئ واحد في مسيرته السياسية ويعتبر كل نقد لسياسته تشويها للحقائق وتحاملا عليه وانخراطا في الثورة المضادة وخيانة للوطن. لو راجع المرزوقي نفسه وغير سياسته وعول على النقد الذاتي قبل مهاجمة الخصوم لاختصر الطريق في إقناع أنصاره… ليته يركز على اقناعنا ببرنامج سياسي مختلف عن تجربته السابقة في الحكم.