وصف مقال الزميل «معن البياري» الصادر بالعربي الجديد يوم 17 جانفي 2019 بعنوان «قبل قانون حماية اللغة العربية في قطر...وبعده» « أوضاع اللغة العربية في أوطانها ب «الكارثية» .. ونحن نتفق معه فيما ذهب إليه فهو»زعم لا مبالغة فيه، ليس فقط من حيث النفوذ المهول الذي عليه اللغة الإنقليزية في غير بلد عربي، والفرنسية في بلاد المغرب العربي...» ناهيك عما تعانيه اللغة الأم في الفضاء العربي العام رسميا وقطاعا خاصا وشارعا، وألواحا إشهارية ووسائل إعلام مرئية ومسموعة وغيرها. فلا يكاد - والحال هذه- صوت «حافظ إبراهيم» يغادرنا وهو يتحسر على مآل اللغة العربية في زمن كان الحرف له قيمة وما بالنا لثورته على المتقاعسين بحقها من حكومات ومؤسسات قومية وأبنائها غير المبالين بحالها وهي تستغيث: فلا تكلوني للزمان فإنني أخاف عليكم أن تحين وفاتي أرى لرجال الغرب عزا ومنعة وكم عز أقوام بعز لغات لقد أشار المقال لهول الانتهاكات التي تتعرض لها اللغة العربية على ألسنة أبنائها.ورسم الهجمة التي قد تأتي على كل مشتقاتها وألفاظها وقواعدها. وهي اللغة التي قال عنها العالم الفرنسي «ارنست رنيان» «اللغة العربية بدأت فجأة على غاية الكمال، وهذا أغرب ما وقع في تاريخ البشرية، فليس لها طفولة ولا شيخوخة» أما العالم الألماني «فريتاغ» فيؤكد أن «اللغة العربية أغنى لغات العالم» وهذا ما يتفق مع قول العالم «وليم ورك» من: «أن للعربية لينا ومرونة يمكنانها من التكيف وفقا لمقتضيات العصر». فهل ندرك نحن أبناء هذه الأمة كيف ينظر الآخر إلى لغتنا، وكيف زاد إقبال أبنائه على تعلمها إلى خمسة أضعاف في العقد الأخير في حين تواجه اللغة العربية في أوطانها أزمة حقيقية، جعلتها مهددة - إذا استمرت الأمور على ما هي عليه - بهزات عنيفة تصل أحيانا إلى حد الدونية للذين يتحدثون العربية السليمة. اللغة العربية تجابه محنة كبرى في أوطانها فما هي جهود الدول والحكومات العربية للحد مما تتعرض إليه العربية؟ في الدوحة-وكما ماهو معلوم أعلن يوم 14 جانفي الحالي عن «قانون بشأن حماية اللغة العربية « أصدره أمير قطر، الشيخ «تميم بن حمد آل ثاني» لتكون قطر الدولة الخليجية الأولى التي سن فيها قانون له قوته العقابية والإجرائية، ويعمل على إنقاذ اللغة العربية وحمايتها وصونها مما هي فيه.. لقد جاء في مقال الزميل «معن البياري» أن «الأردن» قد أصدرت في العام 2016 قانونا مماثلا.. وهناك مطالبات في مصر كما أن قانونا مماثلا مازال مطروحا أمام البرلمان المغربي تقدمت به الكتلة النيابية لحزب العدالة والتنمية في ديسمبر/كانون الأول 2017 ولم يجد حسم أمره بعد...هنالك كذلك جهود في السعودية وسوريا ولكنها لم تصل إلى قوانين إجرائية ملزمة. تلك بعض الجهود والإجراءات القطرية (خمس دول عربية) في مجال حماية اللغة العربية والحفاظ عليها من مجمل التحديات التي تجابهها. فهل من جهود وإجراءات قومية في هذا المجال على مستوى مؤسسات العمل العربي المشترك ( الجامعة العربية ومنظماتها المتخصصة) ويفترض تبعا لمواثيقها ودساتيرها التأسيسية أن تكون حارسة للهوية وتعد اللغة المقوم الأساس لهذه الهوية ومرتكزها المعرفي الحافظة لملامح الإنسان العربي وفكره وشخصيته ومصالحه؟ ! في بحثنا عن ملامح السياق المؤسساتي لمشروع وضع سياسة لغوية عربية جاء في قرار لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة بدمشق (رقم 435 بتاريخ 30-3-2008) إنه من الضروري «وضع الخطط والسياسات اللغوية لتمكين اللغة العربية والحفاظ عليها من التحديات التي تواجهها في ظل العولمة». تنفيذا لهذا القرار أطلقت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (إحدى المنظمات العربية المتخصصة) «مشروع النهوض باللغة العربية للتوجه نحو مجتمع المعرفة» حددت له أهدافا مرجوة تتمحور حول وضع «سياسة لغوية قومية» متناسقة مع «سياسات وطنية، فضلا عن إقرار «خطط» لتنفيذها من خلال برامج قومية ووطنية». واستنادا إلى هذه الوثيقة يتضح أن وضع سياسة قومية للغة العربية يتنزل في سياق رسمي. إذ تدعمه في منطلقه مقررات سياسية من أعلى مستوى كان آخرها قرارات مؤتمر قمة دمشق (2008) وتعضده سلسلة من التوصيات والتنقيحات التي تم اعتمادها ضمن البرامج الرسمية العربية وقممها ومؤتمرات وزراء الثقافة والتربية والتعليم العرب. وقد أكدت كل البيانات العربية أن المسألة اللغوية تقع في رأس أولويات السياسات الوطنية، كما دعت إلى دعم لغتنا وإصدار التشريعات المناسبة للارتقاء باستعمالاتها... المهم في هذه القرارات والإجراءات القومية أنها تؤكد على أن اللغة العربية كائن حيوي وجسر ممدود للتواصل ومعبر لا غنى عنه في اتجاه التنمية الشاملة المستدامة لا يمكن أن تكون إلا واقعة في مسترسل البناء والإصلاح والتأصيل والاستشراف كما تجمع هذه القرارات القومية على أن اللغة العربية تواجه تحديات حضارية حادة كما تعاني من مشاكل أبرزها الضعف اللغوي وهي تحتاج إلى اهتمام جميع الأطراف المعنية لإيجاد الحلول لقضاياها. وينبغي في هذا السياق ترقية استخدامها وتطوير استعمالاتها وتوطين المعرفة بها ونشرها عبر المناهج التربوية والتعريب والترجمة مع ما يستوجب من توفير موارد بشرية ومالية لتنفيذ برامج إصلاحها. عمليا لقد حددت وثيقة مشروع النهوض باللغة العربية «للألكسو» ووسائل النهوض لهذه اللغة ومن هذه الوسائل: إنشاء مراصد للغة العربية في كل بلد عربي ووكالة للتنسيق بينها وبعث خلايا اليقظة اللغوية لاستعمال العربية في الإدارة وأجهزة الدولة والمؤسسات المالية والاقتصادية ووسائل الإعلام وإنشاء مركز بحوث في كل بلد عربي يعنى بالمعالجة الإعلامية للغة العربية والأهم في رأينا التوصية الخاصة بسن قوانين ملزمة بأن تكون العربية لغة كل الوثائق الإدارية في كل المجالات وقوانين أخرى تلزم المؤسسات بأن يكون نسبة استعمال العربية فيها لا تقل عن 70% وذلك علاوة على إصدار قوانين ملزمة لاستعمال العربية لغة أولى في الملصقات وواجهات المحلات العمومية والخاصة. وفي المحصلة يمكن القول إن التشريعات القومية على أعلى مستوى قد سنت رسميا على مستوى القمة العربية وعبر مؤسسات العمل العربي المشترك. وهي قرارات لم تلتزم بتنفيذها كل الدول العربية الأعضاء مثلما هو الشأن بالنسبة ل»قطر» و «الأردن»، وتونس أخيرا من خلال قرار بلدية العاصمة بالزام استعمال اللغة العرية فقط في المعلقات الاشهارية والتجارية بالمحلات، وفي الدوائر الإدارية التابعة لها. يضاف إلى ذلك أن سنوات ما بعد ثورات الربيع العربي شهدت بعض الدول العربية انفجارات للهويات واللغات (دول المغرب العربي خاصة) التي اعتبرت فيها – في الجزائر مثلا - اللغة الامازيغية لغة ثانية. إن قضية اللغة العربية في أوطانها يجب أن تصبح قضية رأي عام تتظافر فيها جهود الحكومات والمجتمع المدني وكذلك جهود الغيورين من أبناء هذه اللغة والمنتصرين لهويتهم وانتمائهم العربي الإسلامي. والمأمول أن تنسج بقية الدول العربية على المنوال القطري، فتبادر بإصدار القوانين الملزمة والرادعة من أجل صيانة اللغة الأم وحمايتها.