عمّان(الاردن)حذر المفكر التونسي عبد السلام المسدي من انقراض اللغة العربية الفصحى. وقال "نحن أمة بلا مشروع لغوي وقريبا سنصبح بلا هوية وإذا لم تحدث ثورة جذرية فستلحق لغتنا باللغات الميتة وتؤول بعد ثلاثة أجيال لمراسمية تعبدية طقوسية". وأكد المسدي -في أمسية ثقافية بعنوان "اللغة العربية وتحديات العصر" نظمها منتدى شومان الثقافي بالعاصمة الأردنية عمان الاثنين- أن الحقيقة المحجوبة أن القرار اللغوي قرار سياسي بامتياز فخطابنا ملتزم باللغة كرمز للهوية ولكن الفعل هو التخلي عن مناصرتها، واصفا ما يحدث بالشيزوفرينيا وهو "وضع لم تعرفه أية ثقافة". وقال "إن ساستنا لم يدركوا أن المسألة اللغوية أمن قومي ولم يدرجوا الأمن اللغوي ضمن أولوياتهم كما أدرجوا الأمن العسكري والغذائي والمائي وإذا لم يضعوا إستراتيجية ملزمة فتنبثق مشاهد تعبيرية تتمازج فيها الفصحى وشظايا اللغات الأجنبية وتتشكل لهجة عامية تتأرجح بين الخصوصية المحلية وتقاطع اللهجات العربية. وأشار لوجود خمسة آلاف لغة بالعالم يموت منها 25 سنويا وأن 600 أخذت طريقها نحو الانقراض. واعتبر رئيس اتحاد الكتاب في تونس سابقا أن وضع لغتنا حاليا حرج جدا فهناك حملة واسعة تتقصد الثقافات الإنسانية في مقدمتها الثقافة العربية بهدف أن تلقى مصير اللغة اللاتينية وتتحلل للهجات. وأضاف أن "العربية تلقى تحديا كبيرا أمام العلم الإنساني فاللغة هي الحامل للمنتج الثقافي وأنصار العولمة يعلمون أن اللغة أم المرجعيات في تشييد المعمار الحضاري وبناء صرحه الثقافي وما من عاقل يسلم باكتساء النظام العالمي ثوب الحرب الاقتصادية والثقافية إلا ويسلم بأنه حامل لبذور الصراع اللغوي لخلخلة النفوس وامتلاك الأذهان". انتحار جماعي ويرى المسدي أن تكريس اللهجة كحامل للرسالة الثقافية وبديل عن اللغة القومية "انتحار جماعي على عتبات قلعة التاريخ". ودعا إلى جبهة ثقافية عربية للانخراط باقتدار في المنظومة الإنسانية فلا ثقافة بدون هوية حضارية أو إنتاج فكري ولا تأثير دون لغة قومية تشارف بشموخ لغة العصر وضرورات المستقبل. واتهم المسدي النخب السياسية والاقتصادية والفكرية بالتواطؤ ضد العربية، وقال "لو أنصف التاريخ وأهلها العربية لأصبحت أداة التداول بمجالات الفكر والثقافة والمعارف وحقول الإبداع والفنون". ويلفت المفكر التونسي إلى أن اللغات الأجنبية لم تعد العدو الأول بل اللهجات العامية "حين تكتسح المجال الحيوي للفصحى حيث غزت منابرنا السمعية والبصرية وحواراتنا ومجالسنا الفكرية وفصول التدريس ونحن نصمت متبرمين متخاذلين". وشدد على أنه "لم تزدهر حضارة إنسانية إلا وكانت لغتها رمزا لازدهارها، فاللغة حامل لكل إنجاز تنموي وليست مجرد وعاء للفكر"، مؤكدا أن الرابطة اللغوية أقوى من السياسية. وانتقد المسدي تقصير مؤسسات العمل العربي المشترك في هذا الصدد. واعتبر أن التراث تعامل مع اللغة على أنها ظاهرة طبيعية عرفية اجتماعية وليس بوصفها ظاهرة قدسية روحانية غيبية، لافتا إلى أن الإنسان يستطيع التدخل في الظاهرة اللغوية كما الطبيعية فيتحكم بمسيرتها لحد إبادتها أو إحيائها. وكان الدكتور خالد الجبر الذي أدار الندوة قد وصف المسدي شعرا بأنه من أعلام العربية أدبا ولغة ومحاولة للتأصيل. جرس انذار من جهته وصف الشاعر حيدر محمود طروحات المسدي بأنها جرس إنذار ضروري حتى لا تموت لغتنا الفصحى، رغم وجود قناعة بوجود ضمانة إلهية بالحفاظ عليها وقال إن اللغة تحتاج قرارا سياسيا للنهوض بها مستذكرا نجاح التعريب في الجزائر. وقال حيدر في حديث للجزيرة نت "نحتاج الآن لقرار تعريب العروبة واللغة معا بإعادة المناهج التعليمية كما كانت في الخمسينيات وتدريس عروض الشعر وعلم البلاغة فكثير من شبابنا لا يفرق بين الشعر والنثر". بدوره رأى عميد البحث العلمي والدراسات العليا بجامعة اليرموك شمالي الأردن سابقا الدكتور فواز عبد الحق أن لغتنا الفصحى ليست عرضة للانقراض ودليلنا الآية الكريمة "إنا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون" ووصف الفصحى بأنها ولود ودود. وقال عبد الحق للجزيرة نت "هناك جهود شعبية ونخبوية لصونها لأن العربية ليست ملكا لأحد والكل نحات ومحافظ ومنتج للغتنا المتدفقة تدفقا انسيابيا طبيعيا" لافتا إلى أن الهوية العربية هي لغوية أيضا. بدوره قال الأكاديمي والناقد الدكتور نضال الشمالي إن دور مجامع اللغة العربية في تراجع كبير ونعتها بمؤسسة فخرية منعزلة ومترهلة لا نلمس لها دورا في حياتنا اللغوية على الإطلاق. وقال للجزيرة نت إن المجامع لا تمتلك سلطة التدخل في القرار السياسي اللغوي في البلدان العربية ونشاطاتها نخبوية محدودة التأثير فضلا عن غياب تنسيقها مع الجامعات والإعلام. المصدر:الجزيرة