تتكرر حالات العنف داخل أسوار المدارس والمعاهد وفي كل مرة تثير استنكارا واسعا، وتساؤلات حول اقدام التلاميذ على تعنيف المربين,أو تعنيف المربي للتلميذ أو تعنيف التلميذ للتلميذ. فما هي أسباب هذه الظاهرة ؟ تونس – الشروق: أشارت السيدة مندوبة التربية بتونس 1، فاطمة وداد هلال، إلى أن حالات العنف قد تراجعت خلال السنة الدراسية الحالية، ولم يقع تسجيل حالات عنف إلا في 74 مدرسة إعدادية وثانوية تابعة للمندوبية تونس1، اذ تم تسجيل 434 حالة عنف خلال الثلاثي الأول من السنة الدراسية الحالية مقابل حوالي 542 حالة خلال السنة الدراسية الفارطة. وشهدت تونس 1 تسجيل 330 حالة خلال الثلاثي الأول بين عنف مادي وعنف لفظي. وفي مسألة ممارسة العنف حسب الجنس نجد أن 32 بالمائة من الإناث مقابل 48 بالمائة من الذكور قد مارسن العنف اللفظي والمادي في مستوى الجنسين . كما سجلت أعلى نسب العنف في صفوف تلاميذ السنوات 7 و8 و9 أساسي . وبداية من سنة 2016 بدأت حالات العنف في التراجع. وشددت هلال في تصريح إعلامي على هامش الندوة حول "العنف في الوسط المدرسي" ، أن تسجيل هذا التراجع لا يعني بأي حال من الأحوال تقلص خطورة هذه الظاهرة، داعية الى ضرورة العمل على التصدي لها عبر تحليلها ورصدها والكشف عن أسبابها. وأشارت الى أن حالات العنف المسجلة متمركزة أساسا في منطقة الكرم الغربي خاصة بالمدرسة الإعدادية أسد ابن الفرات وبمنطقة الكبارية جبل الجلود مشيرة الى أنه تمت معاقبة جل التلاميذ المتورطين بعد إحالتهم على مجلس التربية. ودعا أستاذ علم الاجتماع بجامعة تونس المنصف وناس إلى دراسة أسباب انتشار العنف المتبادل بالمدارس بين التلاميذ فيما بينهم و بين الإدارة والتلاميذ وبين الأساتذة والتلاميذ وتحليل العوامل التي جعلت المدرسة التونسية تفقد قداستها وتشهد موجة من التوتر. وطالب بضرورة انجاز حوار مجتمعي شامل ينظر في كيفية إعادة بناء المدرسة التونسية المنشودة والعمل على الاستثمار في المدرسة ومراجعة أساليبها ومناهجها والاشتغال على إعادة هيبتها وتعظيم رمزيتها. ومن جانبه اقترح الخبير والباحث التربوي، خالد الشابي، أن تتولى كل الجهات التونسية ضبط خطة جهوية للتصدي لظاهرة العنف في الوسط المدرسي خاصة بها وتتماشى مع طبيعة المشاكل المرصودة بمؤسساتها التربوية. وأكد أن هذه الخطة الجهوية من شأنها أن تكشف عن مواطن الداء بكل مؤسسة مما يسهل عملية ضبط الحلول الملائمة من قبل جميع الأطراف المتدخلة والعمل على تطبيقها ومتابعة مدى نجاعتها. واعتبر الخبير في الحياة المدرسية، مصطفى الشيخ الزوالي، أن سبب انتشار العنف في المدارس مرده التصادم بين التلميذ الذي يعيش عصرا رقميا من جهة، والمدرسة المحافظة على ببيداغوجياتها التقليدية من ناحية أخرى، داعيا إلى ضرورة إدماج التربية الرقمية في البرامج التربوية التونسية مثل ما هو معمول به على المستوى العالمي. وأوضح أن التلميذ التونسي الذي يقضي أكثر من 8 ساعات على الأنترنات يبحث في الحقيقة عن الحرية والانعتاق اللذين لا يجدهما بالمدرسة التي تفرض عليه الانضباط وتسلط الآخر. الأسباب عديدة والحل في الرقابة الأبوية "الشروق" طرحت سؤالا حول أسباب تفشي ظاهرة العنف في الوسط المدرسي على الأستاذ طارق بالحاج محمد الباحث في علم الاجتماع فكانت الايضاحات التالية: يقول الأستاذ طارق: " في تقديرنا – و حسب من سبقونا بالبحث في مثل هذه المواضيع – لا تقتصر هذه السلوكيات على فضاء المدرسة فقط و لا تقتصر عن الممارسات العنيفة بل يمكن أن تمتد أيضا إلى فضاءات اجتماعية أخرى و تتخذ أشكالا و صورا متعددة, إذ يمكن ملاحظتها في الملاعب الرياضية و المقاهي ووسائل النقل العمومية و هي في تقديرنا ليست مسألة سلوكية فقط بل هي ظاهرة شديدة الصلة بتغير بعض القيم التربوية والاجتماعية والثقافية لدى الشباب. وبالتالي تنعكس على علاقة التلميذ بالمربي تغير القيم التربوية و يظهر ذلك من خلال عزوف الشباب عن الدراسة و قلة انضباطهم للتشريعات و تقاليد المؤسسات التربوية و ربما يعود ذلك إلى أن الدراسة لديهم لم تعد مسألة مغرية ربما لأنها لا تستجيب إلى طموحاتهم و تطلعاتهم ذات السقف المرتفع. و في أحسن الحالات أصبحت علاقتهم بالمعرفة و بالمواد الدراسية علاقة منفعية تقتصر على اعتماد المعلومات المقدمة للنجاح في الامتحان فقط دون استغلالها في الجانب التثقيفي و تكوين الشخصية. وما نراه من ممارسات عند نهاية الامتحانات في كل ثلاثية وخاصة في نهاية السنة الدراسية يمثل خير دليل على ذلك, فبمجرد الانتهاء من الامتحان في مادة معينة يقع اتلاف كل ما يتعلق بها من كراسات و كتب و كأن الشاب يريد أن يتخلص من «كابوس» يؤرقه و كأنه أيضا يقر بانتهاء صلوحية هذه الدروس بمجرد اجتياز الامتحان. تغير القيم الثقافية ويظهر ذلك من خلال تعبير الشاب عن نفسه سواء في عائلة أو مع إقرانه أو حتى مع المربين . يتجلى ذلك سواء في التعبير عن فرحته أو استيائه, فنلاحظ أن الصراخ و التهريج و الإيماءات أخذت محل اللغة العادية و الحوار الرصين و الخطاب الواضح وهو ما يعبر عنه في العلوم الإنسانية ب « Normalisation des phénomènes pathologiques« حيث تسود قيم من يصرخ أكثر؟ وحيث يكون الذوق الرديء – الكلام المستهجن و الحركات البهلوانية … كلها أمور عادية. تغير القيم الاجتماعية يظهر ذلك في بعض القيم التي تتبناها شريحة كبرى من الشباب و يشاطرهم فيها بعض الأولياء أحيانا. إذ يعتقدون أن المدرسة لم تعد السبيل لتحقيق الحراك الاجتماعي و ضمان مستقبل آمن. كما يظهر ذلك في تغير المثل الأعلى بالنسبة للشباب, فلم يعد الموظف و المربي و الطبيب مثلهم الأعلى في تصورهم للمستقبل بل أصبح الفنان و عارضة الأزياء و الرياضي المشهور و الشاب الوسيم و الثري هي النماذج التي تغريهم أكثر ,و يعود دلك لتأثير وسائل الإعلام. متغيرات جديدة وفي هذا السياق نريد أن نوضح 03 متغيرات يمكن أن تجعل من هذه الأنواع من « السلطة المدرسية » قليلة الفائدة والتأثير 1 عزوف الشباب المتعلم عن الدراسة واعتبارها نشاطا غير مغر كثيرا إلا لدى شريحة معينة ما فتئت تتضاءل باستمرار 2 استخفاف الشباب بالعقوبات داخل المدرسة إلى حدود التباهي بالتعرض لها واعتبارها نوعا من « المغامرة » و « البطولة » 3 - تغير المثل الأعلى لدى الشباب وعدم اعتبار المربين بكل أصنافهم نماذج مغرية بالتقليد والتمثل وقد فصلنا هذه النقطة في سياق سابق عندما حللنا ظاهرة تراجع القيم التربوية والثقافية والاجتماعية. جوهر أولاد حمودة (مدير مساعد للحياة المدرسية) ضبط خطة وطنية للتّصدي لظاهرة العنف المدرسي أشار السيد جوهر أولاد حمودة المدير المساعد للحياة المدرسية إلى أن الاحصائيات لحالات العنف اللفظي والمادي داخل المدارس الاعدادية والمعاهد الثانوية شملت دائرة تونس 1 وتم رصد حالات العنف هذه عن طريق مرصد"عين" الذي يعنى بمراقبة ظاهرة العنف المدرسي داخل المؤسسات التعليمية, وأشار إلى أن الاحصائيات هي دقيقة ومحددة وصحيحة انطلاقا من المقاييس التي وقع ضبطها من قبل الوزارة والمرصد. وتتم عبر رصد الظاهرة بطريقة واضحة. حيث تتولى كل مؤسسة تربوية مد المرصد بحالات العنف التي تسجل داخل أسوارها وتحديد أطرافها سواء كان عنفا مسلطا من قبل المربي على التلميذ أو من قبل التلميذ على المربي أو من قبل الأولياء على المربين. وأضاف أن الندوة حول العنف المدرسي التي انتظمت تحت شعار " المدرسة فضاء العيش المشترك" الهدف منها تناول الاحصائيات بالدرس من قبل الخبراء والمختصين في علم الاجتماع لمعالجة هذه الظاهرة وهذه الصورة الحقيقية للمدرسة التونسية بعيدا عن التنظير ومحاولة ضبط ملامح خطة جهوية للحد من ظاهرة العنف داخل المؤسسات التربوية. وعن أسباب انتشار ظاهرة العنف المدرسي أكد السيد جوهر أن العوامل متعددة ومتداخلة فيما بينها, منها ظاهرة تفشي البطالة والتي جعلت من التلميذ اليوم يفقد الأمل في مستقبل دراسي زاهر كما كان قبل ذلك. كما أن المدرسة بدأت تفقد هيبتها. مشيرا إلى أن محاربة العنف المدرسي تقتضي حوارا مجتمعيا وستمثل وزارة التربية العنصر الأساسي لهذا الحوار المجتمعي وذلك بوضع آليات واستراتيجيات مثل آلية المصالحة داخل المؤسسات التربوية. وهي شكل من أشكال فض النزاعات بين مختلف الأطراف. إلى جانب مسألة التشبيك مع وزارة الشؤون الاجتماعية من خلال انتداب مختصين في علم النفس وعلم الاجتماع ونضعهم تحت تصرف المدارس والمعاهد للحد من هذه الظاهرة. إلى جانب ضبط خطة وطنية للتصدي لظاهرة العنف المدرسي. 443 حالة عنف في الوسط المدرسي خلال الثلاثي الأول 542 حالة خلال السنة الدراسية الفارطة 74 مدرسة اعدادية ومعهدا ثانويا سجلت حالات عنف 32 ٪ من الاناث يمارسن العنف ماديا ولفظيا 48 ٪ من الذكور هي نسبة ممارسة العنف اللفظي والمادي 7 و8 و9 أساسي هي الأقسام التي تسجل في مستواها أعلى نسبة عنف