مع كل تقدم على الأرض للجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي يدور لغط في أوساط سياسيين وعسكريين وزعماء قبائل في الشرق والغرب والجنوب، بالإضافة إلى الترقّب الدولي، حول مدى قدرة الجيش الليبي على دخول طرابلس، وهل سيتمكن من تحقيق ذلك فعلا، بالنظر إلى التعقيدات الجغرافية والسياسية والميدانية. من لا يريدون سيطرة الجيش لفرض الأمن في البلاد، يصرّون على وصفه بأنه «ميليشيات حفتر». وأغلب من يتبنون مثل هذا الوصف ينتمون لجماعة الإخوان المصنفة ك «تنظيم إرهابي» في دول عربية عديدة. أما من ملّوا حياة الفوضى والاقتتال الأهلي، في عموم البلاد، فيرون العكس. ويتمسكون بالاسم القديم للجيش، وهو «القوات المسلحة العربية الليبية»، بشعار النسر الشهير. وهو كذلك الاسم المعتمد لدى القيادة العامة. بغض النظر عن التركيبة القبلية في الجنوب، يوجد عداء واضح بين زعماء الحكم في طرابلس، من جانب، والمشير خليفة حفتر والجيش الذي يقوده، من جانب آخر، حيث ظل حكام طرابلس منذ انقسام السلطة بين غرب وشرق، يؤازرون جماعات مسلحة ومتطرفة في مدن بنغازي ودرنة، بدعم من دول إقليمية. لكن الجيش الوطني تمكن من تحقيق النصر في الشرق، ثم بدأ، منذ أيام، في تطهير الجنوب من جماعات مماثلة، ومن مسلحين أفارقة ومن عصابات وقطاع طرق دوليين. وتكمن المشكلة الرئيسية في استمرار وجود قيادات في الحكم بطرابلس، لا تتوقف عن تقديم العون للجماعات المتطرفة. فالمجلس الرئاسي نفسه بقيادة فايز السراج، يوجد فيه اثنان على الأقل، معروف أنهما ينتميان لجماعتين مصنفتين كتنظيمين إرهابيين، وهما جماعة الإخوان والجماعة الليبية المقاتلة. ومن بين هاتين الجماعتين يوجد قادة كذلك في حكومة الوفاق التابعة للمجلس نفسه، بالإضافة إلى قيادات أخرى في المجلس الأعلى للدولة في العاصمة أيضا. ويعتقد على نطاق واسع أن إخضاع الجنوب سيسهّل إلى حد بعيد، دخول الجيش في ما بعد إلى طرابلس لوضع حد للانفلات الحاصل هناك جراء تقاتل الميليشيات. لا يملك قادة الجماعات المتطرفة قوة مسلحة قادرة على مواجهة الجيش، لا في الجنوب ولا في طرابلس، لكنها تعتمد على مسلحين من مشارب مختلفة، بينهم أجانب يخشون من عودة الدولة وعودة النظام. وتسلل إلى صفوف مسلحي القبائل عناصر كثيرة، من متطرفين ولصوص وفارين من السجون، وانحرفت هذه المجاميع المسلحة عن الأهداف التي ظهرت من أجلها في البداية، وتحول معظمها إلى ميليشيات، حيث أصبح الكثير منها يستدر عطف القاعدة الشعبية، من خلال إطلاق صفة «كتيبة شهداء» المدينة الفلانية. ويقوم الجيش في الوقت الراهن بمحاولة لإعادة ترتيب الأوضاع في الجنوب بالتفاهم مع الرموز القبلية والقيادات الأمنية التي لم تنخرط في الخدمة منذ فترة. وهذا أمر لن يكون سهلا، بالنظر إلى المساحات الصحراوية الشاسعة في فزان، وانتشار الجماعات المتطرفة والمسلحين الأفارقة وقطاع الطرق في المنطقة، وتقديم كل هؤلاء للإغراءات من أجل الوقوف ضد وجود الجيش في الجنوب، ويغذي هذا الاتجاه بضعة مسؤولين في طرابلس معروفين بارتباطهم بجماعات إرهابية عابرة للحدود.