لبنان.. الكشف عن أسباب جديدة وراء إرجاء محاكمة الفنان فضل شاكر    على هذه الأرض سيد اسمه الشعب التونسي    فلاحتنا    لشبهات جرائم إرهابية .. تأجيل محاكمة المترشّح سابقا للرئاسية سمير العبدلي    بينها بلدان عربيان: ترامب يفرض قيودا كاملة على دخول رعايا 5 دول جديدة للولايات المتحدة..    المهدية .. لفائدة 371 حاجّا .. شبّاك موحّد لتيسير إجراءات السفر إلى البقاع المقدّسة    نابل: عروض مسرحية من تونس ومن الخارجفي الدورة 38 لمهرجان نيابوليس الدولي لمسرح الطفل    ندوة علمية    بتكلفة 250 مليون دينار: انطلاق المحطة الفولطاضوئية بالقيروان..    عاجل: الألعاب الإفريقية بأنغولا: تونس تفرض سيطرتها في مسبح لواندا ب 6 ميداليات    جامعة البنوك.. الموظفون يطالبون بإضراب مفتوح    لاعب عربي وحيد في التشكيلة المثالية ل«فيفا» لأفضل 11 لاعبا في العالم 2025    المنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسط تُحذر من الضغوط النفسية على التلاميذ..    تنبيه لمستعملي الطريق: ضباب كثيف يحجب الرؤية الليلة وصباح الغد..#خبر_عاجل    مؤسسة فداء تحيي الذكرى 15 للثورة.. وتعلن عن مشروع "سجل وطني لشهداء الثورة"    انطلاق تظاهرة «المواهب الخفية» بالمركب الشبابي بالمرسى    طرق مدهشة لتخزين الرمان لأسابيع وشهور..تعرف عليها..    تنبيه للمواطنين..تحويل وقتي لخطوط بعض الحافلات..#خبر_عاجل    توزر: قريبا الشروع في إنجاز مسرح للهواء الطلق بمدينة توزر بتمويل مشترك يصل إلى 3,5 ملايين دينار    بطولة النخبة لكرة اليد- النادي الافريقي يتعادل مع النجم الساحلي 27-27    فريال يوسف تُقاضي نادية الجُندي    عندك فكرة على اضطراب الشخصية الحديّة؟    الكاف: تقدّم موسم البذر بأكثر من 75 بالمائة وتوقعات باستكمال المساحات المتبقية قبل موفى الشهر الجاري    صفاقس: صدور قرار مشترك بين 8 بلديات ينظّم جولان الشاحنات الثقيلة    beIN SPORTS تكشف عن خطط البث لكأس أمم إفريقيا كاف توتال إنيرجيز المغرب 2025 بتغطية يومية لمدة 15 ساعة عبر أربع قنوات مخصصة    يومٌ دراسي بعنوان "نحو إرساء مقاربة تشاركية لحماية المباني الأثرية والتاريخية المهدّدة بالسقوط"    كأس أمم إفريقيا: أوغندا تطمح لترك بصمتها في دورة تلوح استثنائية    "رحلة غامضة" قبل هجوم سيدني تثير علامات استفهام..ما القصة..؟!    وزير التجارة يؤكد ان المنافسة الدولية قوية وتستوجب العمل المشترك لتحقيق الأهداف المرجوة    الملعب التونسي: اتفاق مبدئي مع عمار السويح لتدريب الفريق    عاجل/ قروض بشروط ميسرة لفائدة هؤلاء..    المرصد الوطني للطاقة والمناجم: شبه استقرار في الميزان التجاري الطاقي لتونس مع موفى أكتوبر 2025    النقابة التونسية لأصحاب الصيدليات الخاصة تجدد تمسكها بمنظومة الطرف الدافع فور توفّر ضمانات قانونية ومالية حقيقية    بطولة كرة اليد: كلاسيكو منتظر اليوم بين النادي الإفريقي والنجم الساحلي    ديوان الطيران المدني يقوم بعملية بيضاء بمطار صفاقس طينة وإمكانية ظهور سحابة من الدخان    بعد تألقه عالميا: عرض خاص لفيلم الروندة 13 في أيام قرطاج السينمائية    تُباع علنا على صفحات الفيسبوك: القهوة المهرّبة تسيطر على السوق التونسي    اخفته داخل علب مأكولات: السجن 20 سنة لفتاة تورطت في تهريب الهيروين..#خبر_عاجل    طبيب بيطري للتوانسة: هاو كيفاش تربّي العصفور    أول تعليق لأحمد الأحمد بطل عملية سيدني    اصطدام وشيك بين "ستارلينك" وقمر صيني.. الازدحام الفضائي يصل إلى مرحلة خطيرة!..    أيام قرطاج السينمائية 2025 "كولونيا" فيلم عن الرفق بالآباء حين يأتي متأخرا    حي هلال: السجن المؤبد لقاتل عطّار    عاجل: تحذير من أمطار قوية يومي الخميس والجمعة    انتخاب القائد وحيد العبيدي رئيسا للاتحاد الإسلامي العالمي للكشافة والشباب    هام/ تعاونية أعوان الديوانة تنتدب..    ترامب يدافع عن الشرع بعد هجوم أودى بحياة 3 أمريكيين في تدمر    طقس اليوم: أمطار متفرقة ومؤقتا رعدية بهذه المناطق    ترامب يعلن تصنيف الفنتانيل المخدر 'سلاح دمار شامل': فما هي هذه المادة؟    تونس أمام تحدّي التغيّرات المناخية: دروس من فيضانات المغرب وتحذيرات علمية من المخاطر المقبلة    يعرض اليوم على التصويت.....تفاصيل "قانون" انتداب خريجي الجامعات ممن طالت بطالتهم    هل يمكن أن يؤدي الحرمان من النوم إلى الوفاة..؟    رئيس الجمهورية يوصي بضرورة تذليل كافة الصعوبات امام صغار الفلاحين    الدكتور محسن حمزة/طبيب ... شباب القرن الحادي والعشرين يريد خطابًا يُحاوره لا يُلقّنه    ندوة «الشروق الفكرية» .. الشّباب والدّين    د. الصحبي بن منصور أستاذ الحضارة الإسلامية/جامعة الزيتونة.. السّؤال خارج الخطاب التقليدي خطوة لفهم الدّين لا ابتعادا عنه    8 أبراج تحصل على فرصة العمر في عام 2026    شنوّا حكاية ''البلّوطة'' للرجال؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بورتري .. أحمد نجيب الشابي .. أنصفهُ «الاستبداد» وظلمتهُ «الديمقراطيّة»
نشر في الشروق يوم 14 - 02 - 2019


تونس «الشروق»:
رجل استثنائي دونما شك، من بين أسماء قليلة طبعت مسيرة الممارسة السياسيّة في تونس لأكثر من خمسة عقود، لم يهنأ فيها الرجل الى الراحة والاستقرار، من السجن في سبعينات القرن الماضي إلى المهجر في الجزائر ثمّ فرنسا، الى العودة من جديد الى تونس ونحت تجربة معارضة أخذته من حركة آفاق العامل التونسي إلى تأسيس «التجمع الاشتراكي التقدمي» (1983) والذي غيّر اسمه سنة 2001 ليصبح الحزب الديمقراطي التقدمي، وصولا الى حزب الجمهوري بعد الثورة ليتركه لاحقا ليؤسس حزب الحركة الديمقراطية.
وبرغم تنقّله بين هذا الكم من الهياكل والتنظيمات فقد ظلّ مصرّا على البقاء برغم الخيبات والهزائم والخسائر وسوء الحظ، وربّما أيضا سوء التقدير والعجز عن اقتناص الفرص التي أُتيحت له أو تلك التي كانت تضعهُ في الريادة والقيادة.
مسيرة طويلة من النضال
عاش الأستاذ أحمد نجيب الشابي زمن الاستبداد وعاصرهُ زمن بورقيبة وبن علي، فأبدع وابتكر وجابه الصعاب ونجح في أن يكون أحد أبرز زعماء المعارضة، فكرا ومبادرة، وأيضا قدرة عجيبة على تجميع الخصوم واحتضانهم في معركة الحريّة والديمقراطية التي عرفت محطّات مهمّة منها في مقر الحزب الديمقراطي التقدمي وعلى صفحات جريدة الموقف.
لم يستسلم يوما، والى اليوم لم يرم مناديله، وانتهج مختلف مناهج الاحتجاج السلمي، ومن أبرزها إضراب الجوع الذي خاضه مع ثلّة من مكافحي الاستبداد (2005) ولاحقا مع رفيقة دربه الطويل الفقيدة مي الجريبي طلبا للحريّة..ولا شيء غير الحريّة.
قصّته في النضال من أجل الحريّة مكثّفة وغزيرة، من اعتقالات في ستينيات القرن الماضي وهو لا يزال طالبا، الى اروقة محكمة أمن الدولة وصولا إلى الإقامة الجبرية فالتهجير والمضايقات الأمنية والتعقّب والتضييق لعقود طويلة لاحقة، الى اروقة المحاكم بالبدلة السوداء مدافعا شرسا على قيم الحريّة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ورفضا للظلم.
أكبر لغز سيظلّ يُرافق أحمد نجيب الشابي: كيف نجح زمن الاستبداد في أن يكون زعيما مُعارضا مقارعاً للسلطة بشدّة منذ بداية تسعينيات القرن الماضي إلى حدث الثورة، وفي المقابل كيف عجز عن أن يكون رقما مهما زمن الحريّة والديمقراطية؟
هذه هي المفارقة التي تميّز مسيرة أحمد نجيب الشابي وتجربته السياسيّة،
كثيرون يقولون أنّ أحمد نجيب الشابي قبل الثورة لم يعد هو نفسه بعدها، ما الذي تغيّر؟ هل هي العجلة في الأمر لملء فراغ تركه سقوط نظام بن علي؟ هل هو سوء تقدير لوضع جديد مفتوح على كلّ الاحتمالات؟ أم هو انشداد لمفهوم النضاليّة، بما فيها من جُهد وتعب ومُعاناة، فرغم هذه التجربة الطويلة فإنّ الشابي لم يُمارس السلطة الا لأسابيع قليلة حينما شارك في الحكومة المؤقتة الأولى بعد سقوط نظام بن علي وزيرا للتنمية الجهوية والمحلية، لكنه سرعان ما قدّم استقالته منها، ليعود من جديد وسريعا الى موقع المعارض.
معارض اصلاحي مناكف
لماذا سارع الشابي مباشرة إثر الثورة إلى الانفكاك عن رفاق النضال ضدّ التسلّط والاستبداد، حتّى أنّه ظهر لدى البعض منه وكأنّه يمنح نظاما منهارا أنفاسا جديدة لكي يعيد النهوض؟
لم يكن الشابي يوما ثوريا، وهذا مؤكَّد، هو أقرب الى المعارض الإصلاحي الذي يعوّل على فعل المراكمة لإحداث التغيير المنشود، ولكنّه لم ينسجم برغم ذلك مع ثورة رفضت الانتقام والأحقاد وتصفية الحسابات بالاحتراب؟ ماذا دهاه؟ لماذا يدفع بنفسه إلى الخسارة بعد الخسارة برغم وضوح الطريق الذي أوشك حتّى خصومه إلى دفعه إليه دفعا؟
ولكنّه يأبى أن يعدّل بوصلة السير…هل هو يتعمّد ذلك…أم هو عناد ومُكابرة؟
دافع عن الإسلاميين بشدّة وعناد زمن الاستبداد وهو يُناكفهم اليوم بعزم وإصرار، بشكل أظهره مرات عديدة الخصم اللدود لهم، من صديق ودود الى عدو لدود، أمر لا يزال الى حدّ الآن يُثير الدهشة والاستغراب، هل أخطأ هو معهم أم هم المخطئون؟ أم شيء من هذا وشيء من الآخر…
ولكنّ الرجل لم يبدو يوما قادرًا على تجميع خصوم النهضة الآخرين وقيادتهم والسير بهم نحو «البديل عن نمط غريب تسعى النهضة لفرضه على التونسيّين»، بل إنّه انتهى به المطاف الى الانقطاع عن أقرب المقربين إليه، شقيقه عصام ورفيقة دربه لسنوات طويلة الفقيدة العزيزة مي الجريبي.
أصول مقاومة ومنشأ سياسي عريق
يقول كثيرون أنّ الشابي المولود في تونس العاصمة يوم 30 جوان 1944
من الطبقة الميسورة اجتماعيا، ويتساءلون عن الأسرار التي دفعت الرجل إلى هذا الدفق الهائل من النضال والفعل السياسي الذي لا حدّ له، المرجع في الاشتغال بالسياسة الى درجة التماهي معها بالنسبة لأحمد نجيب الشابي، قد يكون الأسرة فوالده من مؤيدي صالح بن يوسف، وزوجته هي صفيّة المستيري ابنة السياسي المعروف أحمد المستيري، وعائلة الشابي، من العائلات العريقة في الفكر والأدب والثقافة، وتذكرُ بعض المصادر أنّ
السلف الأوّل لقرية الشابّية (نسبة الى الشابي)، والتي أصبحت اليوم حيّا سكنيا في مدينة توزر، هو أحمد بن مخلوف الشابي الذي عاصر الحفصيّين وأَسّسَ الطريقة الشابيّة الصوفيّة وقاوم الإسبان والعثمانيين.
يُحاول ولا ييأس وسيصل...
شرف الإنسان أن يُحاول ولا ييأس أبدا، أن يبقى دائما متطلعا لتحقيق أهدافه وتطلعاته، وربّما تلك خاصيّة تميّز الأستاذ أحمد نجيب الشابي عن غيره، القدرة على ارتداء أكثر من بدلة أنيقة وتغييرها في وقت قياسي.
منسوب طموحاته صوب قصر قرطاج لا يتوقّف ولا يُمكن لشيء أن يعطّله إطلاقا لذلك الهدف، فالرجل الذي سُنّت القوانين خصيصا لأجل منعه من الترشّح ضدّ بن علي سنة 2004 ما يزال به أمل كبير لبلوغ مبتغاه...ولا يمنعهُ عن ذلك الحلم شيء.
ولكنّه، في المحصلة، هو أشبه بمن يُمسك بيده سلّة مليئة بالنجاحات والنقاط المضيئة، ولكن سرعان ما تبدو هذه السلّة مثقوبة معطوبة فيسقط منها ما فيها من حسنات ومزايا، هل عجز الرجل عن الاحتفاظ بسلّته سليمة ولماذا عجز عن رتق شقوقها واعادة تجميع ما كان فيها؟ ذلك هو السؤال المحوري في مسيرة رجل استثنائي، متميّز معرفة وثقافة وأخلاقاً، يكسب الكثير من النقاط في معركة السلطة والجلوس على كرسي قصر قرطاج، لكن في لحظة يخسر جميع تلك النقاط، ليشرع في رهانٍ جديد...هل يصل، هو يقول دون تردّد «حتما سأصل».
أشعّ زمن الاستبداد وبلغ أعلى مراتب الريادة والزعامة، وكان قطبا لامعا، ولكنّه اليوم يكاد يكون منسيّا متروكا إلى ركن منزو، دون حيلة تصعدُ به الى حيث يشاء، فهل تُنصفهُ الديمقراطية يوما؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.