الحياة بين الضفتين الشرق والغرب يمنح للكاتب أجنحة ويتركه خارج المكان والزمان ذلك ما تؤكده الكاتبة حياة الرايس التي ألهمتها الحياة في فرنسا كتابة مذكراتها في العراق ! تونس (الشروق) برز صوت حياة الرايس كقاصة ومترجمة وروائية وكاتبة مسرحية منذ بداية الثمانينات عندما كان عدد الكاتبات التونسيات لا يتعدى أصابع اليد وليس اليدين، حافظت حياة الرايس على الأنتظام في الكتابة والنشر وأحتفظت بنبرة خاصة تميزها عن جيلها . تعيش تجربة جديدة في السنوات الأخيرة معلّقة بين الضفتين تونسوفرنسا ماذا أضافت لها هذه التجربة؟ «الشروق» التقتها في هذا الحوار. كيف ترين حصيلة الثورة على المستوى الثقافي خاصة؟ لقد شهدت الساحة الثقافية بعد الثورة تراكما معرفيا ملحوظا واصدارات غزيرة في مجال الفكر والابداع خاصة الرواية وكذلك بقية الفنون مثل السينما والفن التشكيلي مثل فن الغرافيتي وفي الموسيقى فن الراب وتمتع الاعلام بمناخ حريات لم تشهده البلاد من قبل وعموما تمتع المثقف بمناخ حريات لأوٌل مرة في التاريخ المعاصر. الا ان المثقف في تونس شانه شان المثقف العربي لم يطرح سؤال كينونته بعد بالمفهوم الذي ذهب اليه مطاع الصفدي ....ورغم ان الفكر العربي عموما لم يصطدم مع المؤسسة الدينية ولا القبلية ولا مع المؤسسة العسكرية ولم يوجه المثقف العربي جهده لنقد النظام الاقتصادي المتخلف في العالم العربي ولم يتخذ المواقف الواضحة تجاه الايديولوجيات السائدة.....وطالما ان المؤسسة الدينية والقبلية مازالت تتحكم في النتاج الثقافي وتفرض مشروعها بقوة السلطة امام المثقف الذي فشل في طرح البديل . والآن بعد ان دحرت هذه المؤسسات القامعة بفعل الثورات هنا وهناك وجب على المثقف ان يلتقط انفاسه ويعدّ مشروعه الذي يبتدئ بطرح سؤال الكينونة، ليس ذلك الطرح التقليدي «من نحن»؟ ومن هو» الآخر لان اشكاليات الانا والاخر وشرق وغرب وشمال جنوب قد بليت وانما سؤال الكينونة المتمثل في:»من يحكمنا؟ وكيف؟ وان يسائل المؤسسة الدينية والسياسية: كيف نتعامل مع النص في علاقته بالمقدس والمحرم؟ وعلاقات الانتاج في تداخلها مع الطبقة الحاكمة وبقية الطبقات... وفي علاقتها بمستويات الدخل والاستقرار والتنمية... أسئلة يجب ان تتمحور حول «السلطة» بتشعباتها وميكانيزماتها. هذا المشروع يستوجب كما وتراكما معرفيا وحضاريا لا يجب ان نستدعيه من عند الاخر دائما كما يفعل المثقف العربي.... وانما المثقف الاصيل هوالذي ينطلق من هويته ليراكم عليها ما شاء من المعارف والعلوم وهذا ما يؤدي الى خلق حراك وجدل ثقافي متواصل لا ينضب ابدا ذلك ان المثقف وحسب «علي حرب» هوالذي يجب ان ينتج «الفاعل الثقافي» وليس «الانتاج الثقافي» فما يهمّ المثقف هوالجدل والنقد... فليس المطلوب من المثقف فعل الولادة لان الولادة تعني في بعض وجوهها انتهاء الفكر واكتمال عمليّة الخلق وانما المطلوب هوجعل الفكر في حالة مخاض متواصل.... وفي اسئلة لا تنتهي تشعلها الحيرة والدهشة الفلسفية التي لا تركن للأجوبة وانما حياتها في اسئلتها الدائمة ابدا . وان يخلّص المثقف العربي نفسه من ادّعاء الوصول الى الحقيقة اوامتلاكها، الحقيقة التي يمكن ان تصبح اداة سيطرة وتسلط ايضا . المثقف لا يجب ان يحلّ محلّ اي سلطة ولوسلطة المعرفة وانما ان يبقى سلطة مضادّة ابدا... بالمرصاد لكل سلطة، يقوّمها ويوجّهها ان اعوجت ويتناولها بالنقد ويكون عينها الساهرة التي لا تنام ابدا . تعيشين في السنوات الأخيرة بين الضفتين تونسوفرنسا تحديدا ماذا أضافت لك هذه التجربة ؟ هل تعتقدين أن المسافة بمعنى البعد ضرورية للكتابة؟ طوال عمري اعيش بقلبي وروحي في باريس منذ ان اكتشفتها مبكرا حتى لوكنت بعيدة عنها جميلة الجميلات واجمل مدن الدنيا . وفي السنوات الاخيرة صرت اعيش فيها مع ابني اوس الذي درس بها واصبح يُدرّس في اعرق جامعاتها بغرونوبل وقبلها تنقلنا في بعض مدن فرنسا وعشنا 4 سنوات بمدينة « لافال « عاصمة اقليم لامايان بالشمال الغربي الفرنسي على مشارف النورموندي وبلاد لالوار .وهي مدينة هادئة جدا نظيفة جدا قليلة الجاليات العربية والافريقية موطن الارستقراطية الفرنسية ومنتجع ملوك فرنسا سابقا ولازالت قصورهم باقية الى الان كما القلعة الكبيرة والجسور والكنائس القديمة التي تعود الى القرون الوسطى .منطقة خضراء كلها انهار وحدائق تتفرع من نهر « لامايان» الكبير الذي يفيض عليها خضرة وخصوبة. كمنتجع رائع للكتابة بعيدا عن ضوضاء باريس والعواصم المزدحمة الاخرى خاصة اني لا اعرف بها احدا ولا يعرفني احد .وهذا أروع ما تنشده الكتابة. خاصة كتابة الذاكرة ومن المفارقات انني كتبت روايتي عن بغداد والتي هي سيرة ذاتية لمذكراتي الجامعية في بغداد في مدينة «لافال « في مدة ثلاث سنوات. ولازلت اعتذر لها، حتى اكتب نصا خاصا بها في كتابي القادم ادب الرحلات. ولكني تعرفت الى الحياة الثقافية بها والناس هناك لازالت عندهم تقاليد الذهاب الى السنيما والمسرح بافواج غفيرة وفي المدينة هناك جامعات مفتوحة حرّة تعطي دروسا يومية في الفن التشكيلي والادب والمسرح والموسيقى على اعلى مستوى يوميا. واضبت عليها وصرت من روادها حتى صرت اساهم في حصص الادب بالتعريف بادبنا العربي وانطلقت من تونس واثريت مكتبتها ببعض الكتب التونسية المترجمة اوالمكتوبة باللغة الفرنسية مباشرة ... كما كنت اشارك في نشاط المعهد العربي بباريس وقد قمت مؤخرا بمداخلة حول الشاعر الاردني ابراهيم نصر الله بمناسبة احتفائية المعهد بفوزه بالبوكر العربي في نطاق كرسيّ المعهد الذي استحدث مؤخرا . وكنت اسعى دائما الى ربط نوع من التعاون الثقافي اوالشراكة مع بعض المؤسسات الثقافية العربية اوالفرنسية مثل دار تونسبالمدينة الجامعية ودار المغرب بباريس ... كتبت القصة القصيرة والرواية والمسرحية ما هو جنس الكتابة الأقرب لحياة الرايس؟ الجنس الاقرب الى نفسي هوالرواية طبعا. وقد اقدمت عليها بعدما كتبت القصة والشعر والمسرح والفلسفة وادب الرحلات وادب الذات وللاطفال... كانما كل هذه الاجناس الادبية المختلفة، المتنوعة والتي ميّزت مسيرتي الادبية كانت تهيّؤني الى الرواية التي يجب ان تجمع بين كل هذه الفنون برائي والرواية مساحة سرد يجب ان يكون فيها الموقف الفلسفي بمعني الرؤية والنظرة الى الحياة ومواقف الكاتب من قضايا عصره وغيرها كما احب ان تكون مناخاتها شعرية وذلك اسلوبي منذ بدات كتابة القصة \ القصيدة كما يسميها النقاد بالاضافة الى الاحداث ونحت الشخصيات الى غير ذلك من مقومات الرواية ... وعموما قد انتفت الحدود في الكتابة الحديثة بين كل هذه الاجناس بما يعرف بالنص المفتوح وحاليا اشتغل على نص لا يخضع لاي تصنيف تقليدي هويجمع بين كل هذا ويختلف عنه ...لعله يفتح مساحات جديدة للنقد غير تقليدية عندما بدأت النشر كان عدد الكاتبات على عدد أصابع اليد اليوم عدد كبير من الكاتبات كيف تفسرين هذه الظاهرة؟ فعلا عندما بدات النشر كنا قليلات والان صرنا كثيرات والكثرة ظاهرة صحيّة وايجابية والكثرة هي التي تفرز الجودة وقد ساعدت على ذلك وسائل الاتصال الحديثة وسهّلت النشر ولكن جعلت الكثيرات يستسهلن الكتابة وظهر ما يسمّى بشعراء وكتاب الفايس بوك وهي «كتابة « تنفخ فيها المجاملات وتطغى على تقييمها بمن ليس لهم علاقة بالادب ولا بالنقد الادبي ولكن مهاراتهم في قرع الطبول الجوفاء لحد ما يصيبون اصحابها بالغرور وعقدة التضخم من كثرة التطبيل والمديح ... وهنا يكمن الخطر على الادب والنص الادبي .وهذا ينطبق على النساء والرجال ايضا . شخصيا لم استعجل النشر منذ بدايتي فقد بقيت عشرية كاملة من الثمانينيات حتى التسعينات اكتب قصصا وانشرها في المجلات والجرائد دون ان اجمعها في كتاب . سنة 1991 اصدرت مجموعتي الاولى «ليت هندا...» عندما احسست اني حققت الاضافة والتفرد باسلوب خاص مختلف عن السائد وعندما احسست بنوع من النضج الابداعي ايضا . هذا الجيل يفتقد الصبر. والادب يحتاج كثيرا من المكابدة والصبر والقراءات اضافة الى ان هذا الجيل لا يقرا للاسف. حياة الرايس في سطور من مواليد مدينة تونس خريجة كلية الأداب ببغداد قسم الفلسفة من أهم أعمالها : «ليت هندا...» مجموعة قصصية (تونس 1991 ) «جسد المراة : من سلطة الانس الى سلطة الجن «( القاهره 1995 عن دار سينا ) «المراة، الحرية، الإبداع « (عن مركز الدراسات و البحوث والإعلام حول المراة تونس 1992 ) «سيدة الأسرار عشتار « ط أولى 2003 ط ثانية 2004