زادت لجنة «لم الشمل» الندائية جرعة في قراراتها، فمع توزيعها صكوك العفو على المطرودين والمجمدين، التفتت صوب حافظ ومعاونيه لتعتبر هيئتهم السياسية منتهية الصلاحية فهل تنجح بهذه القرارات في إنقاذ النداء أم تبقى كمن يحرث في البحر؟. تونس الشروق «إلغاء كلّ قرارات التجميد والإقصاء التي طالت عناصر القيادة الأصلية للحزب وأغلب مسؤوليه ومناضليه وطنيّا وجهويّا ومحليّا، باعتبار أن الهيئة السياسية للحزب منتهية الصلاحيّة...»، هذا بعض ما قرره أصحاب مبادرة «لم الشمل» في اجتماعهم الرابع الذي عقدوه أول أمس قبل أن يؤكدوا في بيانهم ضرورة «عودة كلّ الغاضبين والمغادرين لرحاب الحركة في سابق وضعيّاتهم». هذه القرارات الصادرة عن مبادرة «لم الشمل» في صيغتها الرابعة تبدو من الناحية النظرية مهمة جدا فهي كمن يضع الدواء فوق موطن الجرح مباشرة عبر دعوة كل المطرودين والمجمدين والغاضبين والمغضوب عليهم إلى العودة دون شرط ومباشرة آخر مهام لهم في حزب النداء. الأهم من عودة «المفروزين» والهاربين هو الطعن في شرعية الهيئة السياسية التي تسير نداء تونس حاليا برئاسة حافظ قايد السبسي وتتخذ قرارات الطرد والرفت والعقوبات الداخلية بما يخدم مصالحها لا ما يخدم مصلحة الحزب، ولكن هناك فرق شاسع بين النظري والتطبيقي: محكمة بلا صفة ننطلق من طبيعة الجهة التي اتخذت مجمل القرارات فهي الموصوفة باسم «لجنة لم الشمل»، والحال أن لم الشمل يتطلب بالضرورة عدم الإقصاء وعدم فرض القرارات على جهة أخرى أو هيكل آخر داخل الحزب عبر الحكم على الهيئة السياسية بانتهاء الصلوحية. بهذه الطريقة تتحول لجنة لم الشمل من هيئة توفيقية أو إصلاحية أو تصحيحية أو حتى خيرية (لما فيه خير الحزب) إلى محكمة تنصب نفسها بنفسها وتقضي ببطلان الإجراءات السابقة وتحكم بجملة من الأحكام الجديدة دون أن تستمع إلى أقوال المحكوم لهم ولا المحكوم عليهم. الأدهى أن هذه المحكمة ليست أقوى من الهيئة السياسية حتى تحكم عليها بل إنها أضعف منها بكثير وعليه فإن الطرف الأقوى سوف يسخر ضرورة بالحكم ولن يلتزم بتنفيذه حتى إذا تم إبلاغه بالطريقة القانونية ولكن كيف سيكون رد المعنيين بالعودة؟. حرث في البحر قد يجد القيادي المجمّد حديثا رضا بلحاج ما يشفي غليله في قرارات لجنة لم الشمل الأخيرة، ولكن كيف سيكون تأثيرها على من خير الهروب إلى فضاءات حزبية أرحب مثل الشاهد ومن بعده العزابي ومن قبله جحافل من القيادات الندائية كمرزوق وبن حسين والعايدي وجلاد وبن أحمد وغيرهم؟ هل يلقون بما في أيديهم ويهرولون نحو مقر النداء للجلوس في مقاعدهم السابقة؟. ثم كيف سيتقبل البعض الآخر قرارات العفو عنهم أو دعوات عودتهم وهم يعلمون أن هناك هيئة تسييرية تفرض على الجميع قراراتها وتسخر من أي قرارات أخرى فهل يقدرون على محاججتها بحكم الطرف الضعيف والذي لا يملك سلطة إصدار الأحكام. بهذا يكون عمل لجنة لم الشمل وقراراتها كمن يحرث في البحر أو يمسك بالرماد ليذره على العيون وإن حفظنا لها بعض العذر في طريقة عملها: شكر الله سعيهم مركب النداء يغرق وعلى من تهمه مصلحة النداء ألا يكتفي بالفرجة بل عليه بالتحرك والسعي إلى محاولة الإنقاذ ولو بأضعف الإيمان. لا نجد لأصحاب «لم الشمل» الندائيين غير هذا العذر بما أن الهيئة التأسيسية سواء انتهت صلاحيتها أم لم تنته مازالت متشبثة بتشتيت الندائيين ومعاقبة كل من يغرد خارج سرب حافظ كتشبثها المحير بحلم الفوز في التشريعية القادمة. بهذا يكون تصرف جماعة لم الشمل كمن يرضي ضميره لا غير أو من يسعى وينتظر شكر سعيه مع التسليم مسبقا بعدم القدرة على التغيير. على أن هذه اللجنة قادرة على ما أكثر من محاولة بائسة ويائسة في علاج الداء بالداء فعوض إصدار أحكام لا يمكن تنفيذها على جهة أقوى منها، كان أجدر بها أن تركز على بدائل أخرى مثل مؤازرة الهيئة المختصة بالتحضير للمؤتمر وتذليل صعوباتها وإزالة العراقيل من طريقها علها تنجح في الإعداد لمؤتمر ديمقراطي تفرض فيه القرارات عبر الانتخابات. البديل الثاني الممكن هو مواصلة «إحراج» مؤسس الحزب الباجي قايد السبسي بمحاولة إخراجه من سلبيته فالرجل بما يملك من شرعية تأسيسية واعتبارية وحتى «تأديبية» قادر على إصدار الأحكام الجادة القابلة للتطبيق على الجميع. الحل عند الباجي لو تدخل الباجي لتحجيم دور ابنه حافظ لكان لحزب النداء واقع أفضل، هذا ما يؤمن به أغلب متابعي الشأن الندائي. قايد السبسي الأب يملك شرعية اتخاذ القرار بما أنه مؤسس الحزب وجامع الندائيين من حوله وأبو حافظ الذي لا يلقى إجماعا داخل النداء، لكنه يرفض التدخل بدعوى أن ابنه راشد سياسيا ويملك حقا دستوريا في ممارسة النشاط السياسي ولا يحق له أن يمنعه والحال أن منفعة الحزب كانت تقتضي تجاوز هذا الحق الدستوري تقديما للمصلحة الجماعية على مصلحة الفرد. قد لا يتفق الجميع حول سلبية الباجي ومدى تدخله، ولكن ما لا يختلف فيه اثنان أنه قادر على التدخل حاليا لإنقاذ ما تبقى في النداء، فمن أضعف الإيمان أن يقبل برأي لجنة لم الشمل في تعيين شخصية محايدة على رأس هيئة تسييرية تقود الحزب إلى المؤتمر الانتخابي القادم، ومن أضعف الإيمان أيضا أن يمارس قوته الاعتبارية في تذليل الصعوبات التي تعترض لجنة الإعداد للمؤتمر إلا إذا كان يرضى بدور المساهم في تدمير الحزب، فهذا شأن آخر.