انطلقت الشرطة منذ نحو أسبوعين في تنفيذ حملة ميدانية للنظافة استعدادا لاحتضان تونس الدورة 30 للقمة العربية خلال الشهر الحالي وذلك للحفاظ على نظافة العاصمة والمسالك المحيطة بها والولايات التي تعتزم الوفود الرسمية زيارتها. المشهد أثار غضب التونسيين لأن حملات تنظيف العاصمة والمدن مازالت موسمية ترتبط بمناسبات وزيارات رسمية وليست من المهام اليومية التي تدخل في مجال اهتمام بلدياتنا المنتخبة. والغريب ان بلدية العاصمة شهدت تعزيزات واسعة من البلديات المجاورة فكيف يكون الحال لو ان القمة انعقدت في بلدية اقل اشعاعا من العاصمة؟ مازالت عقلية الاهتمام بنظافة المدن موسمية رغم ان انتخاب بلديات جديدة من أهم اهدافه رعاية مصالح المواطن وتحسين الخدمات التي تبقى النظافة على رأسها وذلك رغم وعي المسؤولين بهذا الجانب وهو ما صرح به وزير الشؤون المحليّة والبيئة مختار الهمامي خلال إشرافه على انطلاق حملة النظافة الاستثنائية بمناسبة القمة اذ ذكر «أن هذه العملية تهدف إلى استرجاع الصورة اللامعة لتونس مؤكدا ضرورة الحفاظ على نظافة المدن والشوارع طيلة السنة وعدم الاقتصار على مثل هذه المناسبات. وأضاف أن هذه الحملة ستتضمن «تنوير الطرقات وبسطها والقيام بأشغال الدهن وغراسة النباتات...» وهي عمليات فولكلورية عاشتها تونس قبل وبعد الثورة هدفها التسويق للخارج وليس القيام بالواجب تجاه المواطن الذي بيده قرار نتائج صناديق الانتخابات المحلية المقبلة. هذه الممارسات المترسخة في عقلية المسؤولين في تونس منذ السبعينات انتقدها بشدة وصورها بتهكم فيلم منصف ذويب «التلفزة جايا» فمتى يتم تطوير هذه العقلية وتكون حملات النظافة متواصلة طيلة السنة وليست موسمية مرتبطة بزيارات مسؤولين محليين او دوليين تقوم على عمليات تجميل «ليفتيق» محدودة وظرفية لا تخرج عن مسلك الزائر والحدث في حين تغمر النفايات باقي الجهات بطريقة مضاعفة باعتبار تجنيد كل الطاقات لتجميل المنطقة المعنية. ويشار انه تم تسخير لهذه الحملة 200 عون من الشرطة البيئية للقيام بدوريات مراقبة قارة ومنتظمة لمراقبة عمل شركات المقاولة والبلديات في بعض النقاط المحددة قصد التصدي لإلقاء الفضلات والأتربة وخاصة منها فواضل البناء في محولات الطرقات. كما ا علنت مصادر من الشرطة البلدية عن اعتزامها تركيز 40 مكتبا للشرطة البيئية في بلديات جديدة وللإشارة، تضم الشرطة البيئية حاليا نحو 291 عونا مباشرا موزعين في 74 بلدية. لكن حملات التنظيف والتزويق لم تمر دون تسجيل انتقادات واسعة خاصة على مستوى الاضرار ببعض المناطق وفي هذا الاطار عبرت يوم الجمعة 15 مارس 2019 الرابطة التونسية للفنون التشكيلية عن استهجانها الشديد وتنديدها لعملية الطلاء التي طالت رسوما فنية على أعمدة قنطرة القرش الأكبر، معتبرة ذلك اعتداء صارخا على الفنانين التشكيليين. وقالت الرابطة في بلاغ لها، إن وزارة التجهيز لا تقوم بأي دور لتثمين العمل الفني في المدن ولا تساهم بأي شكل من الأشكال في تجميل المدن بل تساهم في إفساد الذوق العام بمشاريع لا يكون للفنانين فيها دور يذكر وجاء في البلاغ ان هناك قانون يدعو الوزارة المذكورة لاستعمال كفاءات فنية لهذا الغرض. من جهة اخرى عبر العديد من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بدورهم عن استيائهم من طلاء بعض الرسوم الفنية على أعمدة قنطرة القرش الأكبر بالعاصمة باللون الرمادي. وفي بلاغ توضيحي لها أكدت وزارة التجهيز والإسكان أن عملية الدهن لم تطل إلا بعض الأعمال التي وقع تشويهها بالإعلانات وبكتابات تحمل عبارات بذيئة ومخلة بالحياء مما يعتبر شكلا من أشكال الاعتداء على الملك العمومي للطرقات. وعبّرت الوزارة عن انفتاحها وتشجيعها للرسامين وكل الفنانين، مبينة أنها لا ترى مانعا في إعادة تزيين الجسور بلوحات تشكيلية تعطي صورة أجمل للطرقات. واضافت أن تدخل مصالحها في الطرقات المحاذية لقصر المؤتمرات يندرج في إطار تجميل وتحسين المشهد العام استعدادا للقمة العربية التي تحتضنها تونس.