وأخيرا وجدت الحلّ بهداية ربّانيّة على أساس التوافق عدلا وإنصافا دون الحاجة إلى العدالة ودون انتظار قانون المساواة في الميراث. هي تركت لي بيت النوم شاسعة بفراش واسع كانت تحتلّ نصفه متمدّدة بالطول إلى جانبي الأيمن، فأنا، منذ الصائفة المنقضية متمتّع بالبيت بمفردي كالمستقلّ المعوّل على نفسه. وأنا تركت لها غرفة الاستقبال لتتمدّد على الأريكة الطويلة قبالة جهاز التلفزة، وتنازلت عن جميع القنوات بل زهدت في جميع البرامج الإخباريّة والمسلسلات من دون أسف على ما فات. وكيف آسف أوأتأسّف على عجائب السخافات ؟ وهكذا وجدت سعادتي في راحة بالي وانعزالي واستمتعت بحرّيتي في أوقاتي وتأمّلاتي دون منغّصات من الأفكار الدخيلة أومزعجات من الأخطاء السقيمة، فلا أسأل أحدا، ولا يسألني أويسائلني أحد. فهل ثمّة في الحياة متعة أكبر ممّا أنا فيه، وغبطة أشدّ من التي غمرتني في منتهى اللاّمبالاة بما حولي ؟ شيء واحد يجاورني هوالمذياع أشغّله متى شئت، لا لمستجدّات الأحداث ولا للحوارات السياسيّة أوالثقافيّة، بل للسماع. وماذا أسمع أوأستمع له ؟ صوت واحد، هوصوت المقرئ يرتّل الذكر الحكيم. وهل ثمّة في الدنيا صوت أجمل من صوت يطمئنّ له وبه قلبي العاشق للسكينة رحمة من ربّ حليم؟ فإذا شرّفتني، أخي القارئ، بزيارة بعد أن عرفتني من إشراقاتي وتعاطفت معي في تقلّبات أحوالي واختلافات أقوالي، فاعذرني إذا استقبلتك، وقد ضاقت بي الأمكنة، في المطبخ الدافئ بالخير والبركة. وعلى كلّ حال فأنت قد جئت إليّ، لا لقاعة الاستقبال. فهذه خارجة عن السيطرة، ومحتلّة بغيري. ولواسترقت النظر إلى داخلها من شقّ الباب أومن ثقب المفتاح لصدّقتني وبرّأتني. سترى على الأريكة الطويلة قبالة جهاز التلفزة سيّدتي ممدّدة، لا تراك ولا تبالي بك. فهل عرفت شريكتي في السكنى بالتناصف ما دامت بيننا ألفة وتقدير ؟ تلك مدلّلتي التي كانت تقاسمني الفراش على يميني من رأسي حتّى قدميّ، متوافقين أنا وهي في الطول. تلك روحي وعقلي وملهمتي ومعنى حياتي، بلا منازع ولا منافس. ولكنّي اليوم مضطرّ إلى التخلّي عنها متأسّفا عليها بعد طول المعاشرة. فإن شئت، يا ضيفي المبجّل، وهبتها لك لأنّ ربّة الدّار، الممسكة بزمام الأمور، المتصرّفة في جميع الشؤون، قد تحمّلت الضّيق وصبرت طويلا حتّى ضاقت ذرعا بالكتب الممدّدة على الأريكة الطويلة قبالة التلفزة المطلّقة.