صراخ، شتم، ثلب ،تبادل للتهم .. أركان أساسية أصبحت تؤثّث صورة النقاشات في البرلمان ممّا أحدث «تطبيعا» مع ظاهرة العنف اللفظي والمادي داخل أسوار البرلمان وخارجها. تونس الشروق: تحوّل البرلمان من مؤسسة يُفترض أن تكون إطارا للنقاش الفكري ،إلى مساحة للصراعات والتوتّرات آخرها ما صدر عن النائبة سامية عبو إزاء وزير التربية عندما استعملت كلمات نابية ومفردات سوقية يفترض ألا تظهر تحت قبة البرلمان. هذه السلوكات أثّرت بشكل واضح على صورة مجلس نواب الشعب وضربت شعبية هذه المؤسسة في مقتل ،كما امتدت استتباعات ما يحدث تحت قبة البرلمان الى الشارع التونسي الذي تحوّل الى فضاء لتكرار عدد من الممارسات والسلوكات التي أثثت العمل البرلماني وأضفى عليها النواب مسحة شرعية بعد أن تعمّدوا تكرارها. العنف اللفظي والمادي علاقة الصراع بين النواب وتعمّد إهانة بعضهم البعض ونقل ما يحدث بينهم على المباشر ،يؤسّس لثقافة عدم احترام الغير ويساهم في ظاهرة العنف اللفظي والمعنوي ،فالبرلمان الذي من المفترض أنه سلطة عليا يؤثّثها نواب ،هم قدوة في مستوى السلوك والممارسة ،أصبحوا يساهمون في إضفاء الشرعية على كل السلوكات العنيفة بتبنيها وتطبيقها. أما في ما يتعلّق بممارسة الوظيفة الرقابية للبرلمان على الحكومة سواء عبر جلسات الحوار أو عبر الأسئلة الشفاهية ،فان الامر تحوّل الى صراع بين النواب وأعضاء الحكومة ،صراع يخرج في أحيان كثيرة عن حدود التعاطي بين السلطتين ليصبح مساحة للسب والشتم والقذف .. وهو ما يمس هيبة المؤسستين ويجعل من التطاول على السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية أمرا رائجا ومعتادا. حرية التعبير دون المس بالأشخاص رئيس لجنة الصحة ونائب البرلمان عن كتلة الائتلاف سهيل العلويني ،أكّد أن ما يحدث في البرلمان من توترات امر مسيء للسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية على حد السواء ،وأشار العلويني إلى ان النائب يمكنه ان يعبّر عن رايه وموقفه بكل حرية لكن دون توتر ومساس بالاشخاص ،مشددا على ان طريقة التهكّم على النواب وعلى الوزراء غير لائقة. العلويني اعتبر ان النائب يجب ان يحترم الوزير ،وعلى الوزير ان لا يتهجم على النائب ،مشيرا الى ان هذا الأسلوب غير لائق ،ويمتد بشكل مباشر الى الشارع التونسي. الأحزاب تتحمل مسؤولية سوء الاختيار أما نائب المجلس الوطني التأسيسي رابح الخرايفي ،الذي اقترح منذ بداية عمل البرلمان الحالي صياغة مدونة سلوك تضبط تصرفات النواب داخل وخارج مجلس نواب الشعب، فقد شدّد على ان المسؤولية تقع على الأحزاب لانها تسيء اختيار نوابها ، مشيرا الى انه من المفترض ان ترشح الأحزاب افضل ما عندها ليمثلها في البرلمان. رابح الخرايفي أكّد ان الأحزاب ليست لها منهجية واضحة في اختيار من يمثلها في البرلمان ومعظم الاختيارات تكون مدفوعة اما بالمحاباة او بتقديم من يموّل الحزب ، إضافة الى أن تونس تفتقر الى سياسيين متمرسين باعتبار ضعف التكوين السياسي في تونس ،حتى ان عددا هاما من النواب لا يعرفون المعجم النيابي الذي يجب ان يتخاطبوا به مع الاعلام ،حتى ان الأحزاب لم تقم بعمليات بيضاء لتدريبهم على آليات التخاطب والتواصل. الخرايفي شدد على ان النخبة السياسية هي نخبة ضعيفة ذهنيا وفكريا وسياسيا حتى وان كانت نخبها تنتمي الى الجامعات ،مشيرا الى ان الأخطر من هذا هو ان جزء من الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي قاموا بالترويج الى الخطاب الشعبوي. اما عن آليات الإصلاح قال الخرايفي انها يجب ان تسير في سياقين ،الأول آني ويتعلق بحسن اختيار النواب وتكوينهم والثاني استراتيجي ،مشيرا الى ان الأحزاب مطروح عليها وضع منهجية لاختيار النواب وتقوم بتكوينهم في احترام المجلس ومخاطبة الحكومة والناس واذا لم يحصل هذا ستعاد التجربة ستتسبب في خسارة كبرى للخزينة وللساحة السياسية وللدولة التنموية. تطبيق النظام الداخلي أما نائب حركة النهضة بشير الخليفي فاعتبر انه من غير المعقول ان يحدث كل هذا التوتر في البرلمان ، مشيرا الى ان هذا الامر يمكن قبوله في السنوات الأولى من الثورة لكن الآن أصبح غير مقبولا. كما شدّد الخليفي على ان البرلمان يخضع لنواميس لا يجب تجاوزها. بشير الخليفي أشار الى ان النواب بإمكانهم التعبير عن آرائهم بطريقة محترمة ،دون القيام بأي تجاوز في حق زملائهم النواب او الوزراء او في حق الشعب الذي يتابع الجلسات العامة في البرلمان. الخليفي شدد على ان التوتر الحاصل في البرلمان يخلق نوعا من التوتر في الشارع التونسي ويبث الفتنة والفوضى والاعتداء على الناس. وطالب الخليفي بتطبيق النظام الداخلي على كل من يتجاوز. مدونة سلوك قدم نائب البرلمان عن حركة نداء التونسيين بالخراج رياض جعيدان ،مبادرة تشريعية تتضمن مدونة لضبط سلوك النواب داخل وخارج البرلمان ،وأشار الى انه يجب اعتماد سلوكيات غير معيبة ينتهجها النواب لاسترجاع ثقة الشعب. وتتضمن المدونة ثلاثة أسس، وهي احترام القانون وتفادي تضارب المصالح وسلوكيات النواب، وشدد جعيدان على أهمية اللجوء في بعض الأحيان إلى العقوبات التأديبية للحد من بعض الظواهر والسلوكيات التي تشوه صورة العمل البرلماني وتطمس ما يقوم به البرلمان من جهود.