بحضور عدد من الخبراء والجامعيين والطلبة نظم مجلس نواب الشعب مساء أول أمس بقصر باردو يوما دراسيا حول أخلاقيات العمل السياسي نظمته الاكاديمية البرلمانية بمشاركة المعهد التونسي للمنتخبين والصندوق الوطني للديمقراطية وقسم التعاون الثقافي بسفارة فرنسا بتونس ومركز الدراسات والبحوث في القانون الاداري والدستوري والمالي والجبائي بكلية الحقوق والعلوم السياسية بنيس. وبالمناسبة تم الكشف عن ملامح مشروع قانون جديد ينكب عدد من النواب على اعداده ويتعلق بأخلاقيات العمل السياسي، وهو يختلف في مضمونه عن المبادرة التشريعية المتعلقة بمدونة السلوك البرلماني فالقانون سيكون أشمل وسينسحب على كل الناشطين في الحياة السياسية ولن يقتصر على النواب وستكون فيه عقوبات زجرية. محمد الناصر رئيس مجلس نواب الشعب بين أن جوهر العمل السياسي يكمن في تأثيره على حياة الناس عبر تمثيلهم والتعبير عن مشاغلهم وتأطيرهم وقيادة أنشطتهم مما يؤكد أن الأهمية التاريخية في كل عمل سياسي تتجلى في نتائجه. وأفاد أن تحقيق الاهداف المرجوة من العمل السياسي لا يتنزل خارج أطر القيم الاخلاقية وحراك الضمائر الشخصية والجماعية خاصة وان نبل الاهداف لا يكون الا عبر نبل الوسائل المتوخاة من اجل تحقيقها انطلاقا من العلاقة الجدلية بين الوسيلة والهدف في المجال السياسي، وبالتالي فان الرذيلة لا يمكن ان تصنع سعادة البشر وكرامتهم كما ان الفضيلة والنوايا الطيبة تجتاح الى آليات تضمن انخراط الناس الواعي وبذلك تحقق الفضيلة اهدافها التي تنفع الناس وتصنع الخير العام والدائم. واضاف رئيس المجلس انه لو ازيحت الاخلاق عن السياسية فسيفتح باب خدمة الاغراض الشخصية والفئوية الضيقة ولجعل الشأن العام في خدمة الشؤون الخاصة لأقلية من الناس التي تعرف كيف تنتهز الفرص، وتضيع المصلحة العامة ويتفكك العقد الاجتماعي الذي لا يمكن للمجتمعات ان تتطور في غيابه. ويرى رئيس مجلس نواب الشعب ان الاخلاقيات ضرورة في العمل السياسي وهي ليست مقتصرة على القدرات الذاتية بل هي مقترنة بالقبول المطلق بمبدإ سيادة القانون وقيم التشاركية واحترام الرأي المخالف والابتعاد عن توظيف الشأن العام لفائدة المصلحة الشخصية أو الفئوية أو الحزبية الضيقة. واضاف ان الانخراط في العمل السياسي يتطلب نكران الذات من اجل المصلحة العامة مثلما يتطلب التفكير في الارتقاء بالقواعد السلوكية من اجل تأسيس «إيطيقيا» للعمل السياسي في خدمة الشأن العام. وبين ان طرح موضوع أخلاقيات العمل السياسي لا يحيل الى مسألة العلاقة بين الوسائل والاهداف في مجال السياسية او مسألة التوظيف الشخصي من قبل السياسي للعمل في الشأن العام فحسب بل يجب ان يشمل ممارسات كل الفاعلين في الحياة العامة وكل المنتخبين على المستوى الوطني والمحلي والمسؤولين الجهويين والوطنين في السلطة التنفيذية وباقي الناشطين في الحقل الحزبي والجمعياتي ولا بد لكل هؤلاء على حد قول الناصر من ضوابط اخلاقية في عملهم الميداني وفي علاقاتهم بالشعب وفي تفاعلاتهم فيما بينهم لان وجودهم في الفضاء العام هو نتيجة انتخاب شعبي فوض لهم مهمة في شكل امانة مصدرها الاصلي هو الشعب. وذكر ان السياسي لا يقتحم عالم السياسة لينتفع شخصيا بل لكي ينفع الناس.. وأضاف ان عمل نواب الشعب يرتكز على قواعد ذات بعد اخلاقي، وبين انه لا رقيب على سلوك النواب واعمالهم الا ضمائرهم والشعب الذي منحهم ثقته. وأضاف ان الحاجة الى منظومة متكاملة من القواعد المستندة الى روح القانون والمعايير الاخلاقية والسلوكية هي من المسائل التي يجب ان تحظى بعناية البرلمانيين وتستوجب الحوار المعمق بشأنها، وبين ان المجلس قام ببعض الخطوات منها المصادقة على قانون التصريح بالمكاسب والمصالح وقانون هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد وهو يرى في العمل السياسي جهدا نبيلا ويطمح الى ان يكون الساسة نبلاء. وبين رياض جعيدان رئيس كتلة الولاء للوطن صاحب المبادرة التشريعية المتعلقة بمدونة السلوك أنه لا يكفي ان تكون هناك مدونة سلوكيات واخلاقيات برلمانية لأن المدونة ليست فيها قواعد ملزمة، وأمام أزمة الثقة الموجودة حاليا في البلاد يجب سن قانون يتضمن قواعد ملزمة، لان الأزمة السياسية مردها ازمة ثقة بين الشعب التونسي والسياسيين ومنهم النواب. وذكر جعيدان أنه بالتعاون مع النائب نذير بن عمو تم الاشتغال على مشروع قانون حول اخلاقيات العمل السياسي ويتعرض هذا المشروع لظاهرة السياسة الحزبية وظاهرة تضارب المصالح، وبين أن هذا المقترح مستلهم من التجارب المقارنة خاصة التجربة الفرنسية. السياسة اخلاق او لا تكون قدم نذير بن عمو النائب عن كتلة الولاء للوطن بسطة عن مشروع قانون المتعلق بمجال أخلاقيات الحياة السياسية، وفسر ان الاخلاقيات تعني محددات السلوك السياسي، وذكر ان هناك من يتحدث عن أخلقة العمل السياسي لكنه يفضل عبارة الشفافية في الحياة السياسية عن الاخلاقيات السياسية، وأضاف أن السياسي يجب أن يضع نفسه على ذمة الوطن والغير وان يتحلى بالأمانة وبقواعد الحوكمة الرشيدة وأشار الى ان السلوكيات غير الاخلاقية تبرز في الخطابات السياسية المتسمة بالعنف اللفظي. واضاف بن عمو انه كان من المفروض في هذه المبادرة التشريعية تحديد نطاق التدخل التشريعي في ميدان اخلاقيات الحياة السياسية وآلياته، سواء تعلق الامر بالأفعال او الاشخاص. ففي ما يتعلق بالأفعال، هناك أربعة موجهات أولها الصدق في القول الاخلاص في العمل بمعنى تجنب الغيابات وعدم الاعتصام بالحصانات وتلافي السياحة الحزبية والبرلمانية والحكومية وتجنب الكذب في البرامج الانتخابية وتلافي الانتهازية وعدم استعمال اجهزة الدولة لتحقيق فوائد شخصية. اما الموجه الثاني فعنوانه على حد قول بن عو «أخطى الطمع يخطاك الفقر»، والمقصود بالطمع، الطمع في المال والسلطة وهو ما يستوجب شفافية المال السياسي وتمويل الاحزاب. وعنون بن عمو الموجه الثالث بالأقربين أولى بالمعروف، فعلى مستوى الانتدابات كل من يحظى بمسؤولية سياسية يفكر في انتداب حاشيته وبطانته، ويتمثل الموجه الرابع في «الأصل في الانسان الاستقامة وسلامة النية» وفيه حسب رأي بن عمو مواجهة لفكرة التكتلات واللوبيات خاصة الخفية لأنها اذا كانت خفية ستكون لها نتائج وخيمة. أما في ما يتعلق بالأشخاص، فيجب الاختيار بين تحديد قائمة في الاشخاص المعنيين بأخلاقيات الحياة السياسية وبين الاقتصار على تعريفات. وذكر بن عمو ان مشروع القانون يتطلب تضمينه قسما خاصا بالجزاء اي العقوبات من قبيل الاستقالة الطواعية او الاستقالة بفعل القانون او المنع من الترشح. وبين انه على سبيل المثال تبين ان تطبيق جزاء مالي على تغيب النواب لم يؤدي الى النتيجة المرجوة لذلك من الضروري تنقيح القانون الانتخابي في اتجاه حرمان النائب كثير التغيب لأسباب غير مبررة من الترشح مرة أخرى، أما من يتلقى رشوة فيقع حرمانه من الترشح مدى الحياة. وذكر بن عمو أنه من الضروري التنصيص على التصريح باللوبيات وعلى النشر الوجوبي لعلاقات النواب بالسفارات والدول الاجنبية ولكيفية تمويل الكتل. وتساءل هل يجب وضع عقوبات سالبة للحرية في صورة خرق اخلاقيات العمل السياسي؟ وبالإضافة الى استعراض بعض التفاصيل التي تضمنها مشروع القانون الجديد كان اليوم الدراسي مناسبة لتقديم التجربة الفرنسية في مجال اخلاقيات العمل السياسي وتحدث عنها كريستيان فلار الأستاذ الجامعي وعميد كلية الحقوق والعلوم السياسية بنيس ورئيس مركز الدراسات والبحوث في القانون الإداري والدستوري والمالي والجبائي، وبين أن البرلمان الفرنسي اصدر سنة 2017 قانونا حول شفافية الحياة العامة وقبل ذلك كان هناك قانون 2013 وقانون 2008، وقدم فلار تفاصيل عن اليات شفافية الحياة العامة في فرنسا، وأشار الى انه في كل الديمقراطيات يجب أن تكون هناك قواعد تحكم الحياة السياسية، واكد على اهمية الشفافية في تمويل الاحزاب وعلى اهمية التصريح بالمكاسب وتلافي تضارب المصالح وتطرق الى الثغرات القانونية في مجال تمويل الحياة السياسية وتحدث عن الاهمية التي يوليها الفرنسيون لهذه النقطة خاصة عندما يتعلق الامر بتمويل الحملة الانتخابية الرئاسية. وخلال النقاش بين النائب خميس قسيلة أنه في ظرف خاص يتسم بالثقة المتزعزعة في السياسيين وخاصة النواب لا بد من التفكير في سن قانون الشفافية من اجل اعادة الثقة في المسؤول السياسي. وذكر ان فقدان الثقة في السياسيين انطلقت يوم الجلسة الليلية المغلقة بالمجلس الوطني التأسيسي للترفيع في قيمة المنح المسندة الى النواب، وعارضته النائبة عن النهضة هالة الحامي بشدة وقالت إنه تم تعديل المنح بناء على ضرورة ملحة لان النواب كانوا يمرون بوضعية صعبة ولم يوفر لهم المجلس أبسط الضروريات لأداء مهامهم. وذكرت النائبة سماح بوحوال أن هناك معايير وضوابط وموجهات تحكم الحياة السياسية لا بد من وضعها. وبين النائب حمد الخصخوصي ان الرأي العام يحمل فكرة سلبية عن الساسة تتلخص في السفسطة والنفعية والخداع والانتهازية والوصولية وذكر ان الاعلام وما وراءه من سلطة المال ومراكز النفوذ والمجموعات الضاغطة يؤثر هو الآخر على الرأي العام لأنه يضع من يسير في المسلك الذي يريده تحت المجهر ويتجاهل البقية. وفسر أن السياسي الذي يستجيب الى شروط العمل السياسي النبيل ينظر اليه المجتمع نظرة شفقة. وذكر الجامعي العميد محمد رضا بن حماد ان كلمة الاخلاقيات تحيل الى مفاهيم فلسفية لكن كلمة الشفافية تحيل الى مفاهيم قانونية لذلك من الافضل استعمال كلمة الشفافية لأن الدستور نص في توطئته وفي فصله الخامس عشر على كلمة الشفافية، فالشفافية حسب الجامعي تعتبر احدى العناصر الهامة في الديمقراطية. وبين ان الشفافية تقتضي واجبات قانونية دقيقة. واضاف معقبا على مداخلة النائب نذير بن عمو أنه عند حديث عن نطاق التدخل التشريعي يمكن الاشارة الى مدونة سلوك ويجب ان تتضمن هذه المدونة مبادئ النزاهة والالتزام بالمشاركة التامة في الحياة البرلمانية والعمل لفائدة الصالح العام والمساءلة الى جانب منع تضارب المصالح والاعلان عن المكاسب. وذكر العميد أنه من الضروري احداث جهاز يهتم بشفافية الحياة السياسية على غرار ما هو موجود في فرنسا وبين انه يمكن احداث لجنة في البرلمان تنظر في مسألة الاخلاقيات. اما على المستوى الوطني فيجب أن يكون مشروع القانون متمما للقوانين الموجودة ولا يتضارب معها. اليوم البرلماني شارك فيه ايضا العميد ناجي بكوش الأستاذ الجامعي بكلية الحقوق بصفاقس والعميد محمد العربي فاضل موسى الأستاذ الجامعي المتميز وعضو المجلس الوطني التأسيسي سابقا ورئيس بلدية أريانة حاليا وكلودين ترادزوني الأستاذة المحاضرة بكلية الحقوق والعلوم السياسية بنيس.