اول ما يلفت انتباهك وانت تقف في معبر راس جدير الحدودي من الجانب التونسي طوابير السيارات التي تحمل لوحات منجمية ليبية والمتميزة باللون الابيض ووجوه شاحبة مرهقة تنتظر دورها للعبور نحو بر الامان بعد ايام قضوها تحت دوي الانفجارات واطلاق النار. تونس (الشروق) بملامح حزينة وعيون دامعة اعترضتنا «الحاجة فاطمة « تجلس فوق الرصيف تأخذ قسطا من الراحة بعد رحلة سفر مليئة بالمخاطر جلست بجانبها وسالتها كيف هي الاوضاع في ليبيا فنظرت بكل اسى وحسرة قائلة « الوضع مزر اصبحنا نعيش مع اصوات التفجيرات ونتوقع الموت في كل لحظة ، لم نعد نستطيع ان نعيش بسلام في بلادنا « فسالتها اين ستقيم في تونس وهنا تدخل ابنها محمد سعيد الذي كان يقف غير بعيد عنها وعلامات الارهاق بادية عليه بعد رحلة شاقة قائلا لي «نحن لم نفكر اين سنقيم هدفنا الوحيد كان الهروب من الحرب والوصول بأمان الى تونس» مضيفا «ان الوضع في ليبيا خطير جدا والجماعات المسلحة تعربد بالبلاد والحياة معهم هي الجحيم بعينه «تركنا عائلة الحاجة حليمة وتقدمنا نحوسيارة ليبية راسية على بعد امتار من نقطة العبور فوجدنا رجلا يجلس امام مقود السيارة ويبدوشاحب الوجه، غائر العينين، مستلقيا في تراخ وإعياء كان يأخذ قسطا من الراحة بعد ان جاوز المعبر الحدودي براس جدير يبلغ حوالي 40 من العمر كانت برفقته سيدة تحمل رضيعة تبكي سالتهما عن سبب بكائها فأجابني الرجل المرهق ان ابنته على هذه الحالة منذ بداية الحرب في ليبيا «فالحرب جعلتنا نعيش كابوسا ومصيرا مظلما وخوفا من الموت فليبيا اصبحت ساحة حرب والميليشيات المسلحة سرقت منا اموالنا وبلدتنا ، تركنا بيوتنا وجئنا الى تونس حتى ننعم بالأمان « سالته اين سيقيم في تونس فأجابتنا زوجته بكل خجل انهم سيقطنون رفقة شقيقها الذي يعيش بتونس العاصمة رفقة زوجته واطفاله منذ سنة 2014 . ونحن نتجول بمعبر راس الجدير الحدودي توجهنا الى احد العناصر الامنية المرابطة بالحدود التونسية الليبية فاكد «للشروق» ان توافد الليبيين قد تضاعف منذ اسبوعين مقارنة بالأشهر القليلة الفارطة حيث بلغت عدد السيارات الليبية الوافدة حوالي 1000 سيارة في اليوم الواحد فحين بلغ عدد الاشخاص الوافدين حوالي 3 الاف وافدا مضيفا ان السلطات الامنية التونسية اتخذت اجراءات حدودية مشددة وقامت بالترفيع من درجة تفتيش كل سيارة قادمة من القطر الليبي نحوالتراب التونسي وافاد نفس المصدر ان التفتيش لم يشمل البضائع والسيارات فقط بل شمل ايضا الاشخاص حيث قررت الوحدات الامنية التونسية تطبيق ذلك على المواطنين الليبيين من خلال عرضهم على جهاز «السكانار» والتفتيش الفردي. واصلنا رحلتنا نحومدينة بن قردان فاستقبلتنا في مدخل المدينة صرح مكتوب عليه» تونس ليبيا « توغلنا الى احد الاحياء السكنية الموجودة في مدخل المدينة حيث اعترضني طفلان يبلغان حوالي ال 10 سنوات يلعبان بالكرة امام احد المنازل فتبادلنا معهما اطراف الحديث فعرفنا ان احد الطفلين ليبي الجنسية يدعى امحمد العيساوي يبلغ من العمر 9 سنوات وقد قدم من ليبيا رفقة ابويه واخته الرضيعة منذ حوالي الاسبوعين هربا من الحرب في مدينتهم الصغيرة القريبة من العاصمة الليبية طرابلس سالنا الطفل الصغير هل انت سعيد باقامتك في تونس فاجابنا ببراءة الاطفال وبلهجة ليبية مؤثرة « انا ارغب بالعيش في تونس واخاف ان اعود الى بلادي» فشكرت الطفلين وواصلت طريقي نحومقهى يعج بالشباب والشيوخ منهم عديد المواطنين الليبيين من خلال لهجتهم فاستقبلني الشيخ منصور صاحب المقهى فسألته عن الوضع في مدينة بن قردان بعد توافد الآلاف من الليبين فأجابني وعلامات الحزن على وجهه ان الوضع الأمني في ليبيا اثر على أهالي بن قردان جميعا مضيفا أن أغلبية متساكني المنطقة لهم علاقة نسب وصداقة مع الاخوة الليبية وهم مرحب بهم وبيوتهم مفتوحة لهم في أي وقت ، من ثم قادني الشيخ نحورجل مسن يدعى «سالم «جالس يحتسي فنجان قهوة ويتكلم بالهاتف مع احد اقاربه يسال عن الاوضاع في بلدته فعرفت انه ليبي كان قد قدم الى تونس رفقة ابنائه وبعد انتهاء مكالمته سالته عن ظروف العيش تحت سيطرة المليشيات فاجابني «إن الأوضاع في ليبيا لم تعد تحتمل وإن الخطر محدق والبلاد في حالة حرب واستنفار» متمنيا في نهاية حديثه ان يعود السلام الى ليبيا حتى يتمكن من العودة الى بلاده ورؤية افراد عائلته الذين لم يتمكنوا من مغادرة ليبيا. وبالعودة الى الاجراءات الامنية المشددة التي اتخذتها وزارة الداخلية اكد مصدر امني رفيع المستوى ل«الشروق» أن النسق الحالي لتوافد الليبيين على معبر رأس جدير الحدودي الرئيسي يؤشر لإمكانية حدوث هجرة جماعية ثانية بعد التي حصلت إبان الثورة الليبية مشيرا إلى أن رجال الأمن ووحدات الديوانة يحرصون على تفتيش كل العابرين بدقة شديدة مستعملين اجهزة كشف متطورة لمنع تسرب الأسلحة أوالأشخاص ذوي الشبهة الارهابية اوالمقاتلين الليبيين الذين يمكن أن يشكلوا خطرا على تونس.