تمتد الأراضي الدولية بولاية صفاقس على مساحات شاسعة وتضم حوالي مليون شجرة زيتون وأصبحت تمثل ملفا شائكا في أروقة وزارة أملاك الدولة إذ خلقت أزمة عميقة في الآونة الأخيرة بين العمال والموظفين من جهة وإدارة المركبات الفلاحية الدولية من جهة أخرى . تضم عاصمة الجنوب أكبر عدد من المركبات الفلاحية المختصة في استغلال وتنمية الأراضي الدولية بالبلاد التونسية وهي المركب الفلاحي بالشعال والمركب الفلاحي بزويتة بمنزل شاكر والمركب الفلاحي ببئر علي بن خليفة والمركب الفلاحي السلامة . وتشرف إدارة هذه الضيعات الدولية الكبرى على استغلال حوالي مليون شجرة زيتون وتشغل آلاف العمال بصفة قارة مختصين في جني الزيتون وحراثة الأرض واقتلاع الأعشاب الطفيلية وتقليم أشجار الزيتون وزراعة الحبوب وتربية الماشية ... غير أن الأمور قد تعكرت بين مختلف الأطراف ووصلت إلى طريق مسدود بين الإدارة التي تسعى إلى تطبيق القانون ومراقبة العمال ومحاسبتهم على الأعمال المنجزة طيلة أيام الأسبوع وبين العمال الذي استغلوا ضعف أجهزة الدولة وتمردوا على أصحاب القرار وأصبح المرفق العام مهددا بالإفلاس . وحسب المصادر الرسمية فإن المداخيل السنوية للمركبات الفلاحية الدولية بولاية صفاقس أصبحت عاجزة عن تسديد أجور العاملين والموظفين بالقطاع وصيانة المعدات والتجهيزات وتغطية النفقات والمصاريف المختلفة خاصة في ظل تراجع الإنتاج الفلاحي وانخفاض المردود ومشكل المنافسة التي يواجهها زيت الزيتون في الأسواق الخارجية مع صعوبة في التصدير ... وفي هذا السياق ، أدى الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل زيارة خاصة خلال شهر مارس 2018 إلى عدد من المركبات الفلاحية الدولية بصفاقس أهمها مركب بوزويتة بمعتمدية منزل شاكر للوقوف على أهم المشاكل المطروحة وأكد حرص المنظمة الشغيلة على دعم القطاع العمومي خاصة في المجال الفلاحي . إلا أن معاجلة أزمة المركبات الفلاحية الدولية قد غابت عن السلط الجهوية ولم يتطرق إليها بشكل رسمي في ظل غياب إرادة واضحة من طرف وزارة أملاك الدولة والسلطة المركزية . حيث إقتصر النشاط على أشجار الزيتون طيلة السنة ، وباعتبار أن جني الزيتون هو نشاط موسمي فإن أيام العمل الرسمية للعمال في هذه المركبات الفلاحية لا تتجاوز بعض الأشهر في حين يتواصل صرف مرتباتهم بقية السنة دون أي نشاط يذكر . ولم تقترح المندوبية الجهوية للفلاحة حلولا جذرية للزيادة في الإنتاج أو بعث أنشطة فلاحية إضافية من شأنها تحقيق مداخيل جديدة لميزانية المركبات الفلاحية بالجهة . وأفرز هذا الواقع تصادما بين الإدارة التي حاولت مراقبة النفقات ومحاسبة العابثين بالمرفق العمومي وبين العمال الذين يتعاملون مع الأراضي الفلاحية الدولية بأنانية مفرطة أرهقت الخزينة وعمقت أزمة المركبات الفلاحية المالية . وفي ظل الواقع السياسي الهش وغياب سلطة الدولة ، يتواصل الصراع بين الطرفين دون بروز حلول في الأفق القريب يضع حدا لحالة الفوضى التي آلت إليها هذه الضيعات الدولية. فالعمال مضربون عن العمل ويرفضون بذل أي مجهود لإنقاذ الوضع الكارثي الذي أصبحت عليه هذه المركبات الفلاحية كما يتواصل صمت السلط المعنية مع رفض قطعي لتناول هذا الملف للنقاش باعتباره يكشف حالات من الفساد واستغلال نفوذ وتبذير للمال العام دون مراقبة فعلية من طرف أجهزة الدولة. وينتظر الفلاحون بفارغ الصبر تدخلا عاجلا من طرف السلطة المركزية للنظر في جملة القضايا المتعلقة بالأراضي الفلاحية الدولية التي تمتد من جنوب ولاية صفاقس ( معتمديات الصخيرة والغريبة وبئر علي... ) إلى شمالها ( معتمدية منزل شاكر ) ... وكيفية استغلالها. ويقترح ناشطون بالمجتمع المدني بالجهة حزمة من الحلول والمقترحات تفتح أبواب التفويت في مقاسم أشجار الزيتون للمعطلين عن العمل قصد استغلالها بصفة مباشرة وإحياء الأراضي البور مما يخفف من حدة البطالة في صفوف أصحاب الشهائد العليا ويوفر لهم مصدر رزق عوض بقاء ملايين من أشجار الزيتون وآلاف الهكتارات من الأراضي مهملة وغير مستغلة بالكيفية اللازمة .