تونس (الشروق) أكد الباحث أحمد قضوم مختص في الاثار البحرية وتحت مائية، أن وفرة الموارد المعدنية في تونس كانت وراء صمود قرطاج خلال الحروب البونية الطويلة التي خاضتها ضد اليونان والرومان بين 600 و146 ق م، مشيرا الى أن نتائج البحث الذي قام به ضمن فريق من علماء الآثار في موقع أوتيك الاثري بولاية بنزرت من 2012 الى غاية 2015 أثبتت القوة الاقتصادية الهائلة والاستثنائية لقرطاج في تلك الحقبة. وكشف الباحث في سبق صحفي ل"الشروق" أن من ضمن الاكتشافات المفاجئة التي توصل اليها فريق البحث أن قلعة الأندلس كانت عبارة عن جزيرة خلافا لما هي عليه الآن . وكشف فريق من علماء الآثار والباحثين في التاريخ القديم والوسيط من خلال نتائج بحث نشروها يوم الاثنين الماضي 29 أفريل في مجلة PNAS العلمية الأمريكية، أن قوة اقتصاد قرطاج خلال الحروب البونيقية وصمودها طيلة هذه الفترة، يعودان الى وفرة الموارد المعدنية التي كان يستغلها القرطاجيون من المناجم الداخلية في شمال البلاد، لمقاومة الأعداء ودفع تعويضات الحرب. واكتشف الفريق من خلال تقنية تنقيب جديدة تم اعتمادها في البحث بمحيط موقع أوتيك الأثري في بنزرت، أن نسبة مادة الرصاص الموجود في الطمي المستخرج من عمق 20 مترا في المنطقة، ترتفع حسب وضع البلاد في ذلك الوقت. اذ تبين أن نسبة الرصاص تنخفض في فترات الاستقرار وترتفع خلال الحروب والأزمات . وأكد البحث أن قرطاج كانت تتمتع باقتصاد استثنائي في المنطقة، وخصوصا في فترات عدم الاستقرار، وهوما يفسر قدرتها على خوض الحروب ودفع التعويضات في آن واحد، وذلك لوفرة الموارد المعدنية التي كانت تستخرجها من المناجم مثل الرصاص والفضة والحديد. المواني القديمة في أوتيك وانطلق البحث الذي نشرت آخر نتائجه يوم الاثنين الماضي 29 أفريل 2019 في موقع PNAS (Proceedings of the National Academy of Sciences) وهومجلة علمية أمريكية، عام 2012 في محيط موقع أوتيك الأثري بولاية بنزرت. وامتد الى غاية 2015. وشارك فيه من تونس الباحث أحمد قضوم مختص في الاثار البحرية وتحت مائية والباحث عبدالحكيم عبيشو من جامعة 9 أفريل مختص في ال « جيومورفولوجيا « والباحث عماد بن جربانية من المعهد الوطني للتراث ومحافظ موقع أوتيك مختص في الآثار البونية ، الى جانب الباحثين هيغوديليل (Hugo Delile) وجان بليشار - توف ( Janne Blichert-Toft) وجان فيليب قواران (Jean-Philippe Goiran) من فرنسا، وإليزا بلوجير (Elisa Pleuger) وناتالي فاجال (Nathalie Fagel) من بلجيكا، وإليزابيث فنترس (Elizabeth Fentress) مختصة في التاريخ الوسيط من الولاياتالمتحدةالامريكية وأندرو.آي. ويلسن (Andrew I. Wilson) من جامعة اكسفورد البريطانية مختص في الآثار الرومانية . ويخص البحث المواني القديمة في أوتيك التي تعتبر حسب الباحث أحمد قضوم الأخت الكبرى لقرطاج. اذ يعود تأسيسها الى ما قبل قرطاج. وتعتبر من أقدم المستعمرات الفينيقية في شمال أفريقيا . سر قوة قرطاج وكشف الباحث التونسي احمد قضوم ل « الشروق « أن فريق البحث اعتمد في عملية التنقيب، لاول مرة في تونس، ما يعرف بتقنية الاسبار الميكانيكية (technique de carottage scientifique) لاستخراج الطمي والترسبات المتأتية من نهر مجردة في اتجاه قلعة الأندلس وغار الملح وسبخة أريانة. وأوضح أن الفريق قام ب 8 أسبار في محيط الموقع الاثري بأوتيك في عمق 19 و20 مترا، مشيرا الى ان أوتيك القديمة كانت مدينة ساحلية غمرها طمي مجردة على امتداد 12 كلم. وذكر الباحث أنه بعد تحليل الطمي المستخرج من عمق الأرض تبين أن نسبة الرصاص فيه متفاوتة من طبقة الى أخرى، بمعنى انها ترتفع في طبقة وتنخفض في أخرى. وهذا يعني حسب ما توصل اليه فريق البحث أن نسبة الرصاص تتغير حسب وضع البلاد في ذلك الوقت. فهي تنخفض في فترات الاستقرار وترتفع خلال الحروب والازمات بسب الاستغلال المكثف للموارد المعدنية من المناجم، سواء لصناعة الأسلحة أو لصك العملة. وشدد الباحث على اكتشاف نسبة كبيرة جدا من الرصاص وسط الطمي خلال فترة صك أول عملة في قرطاج خلال القرن الرابع قبل الميلاد، مما يعني انه تم استغلال الموارد المعدنية بشكل مكثف في ذلك الوقت. وأوضح الباحث أنه في كل مرة تقوم فيها قرطاج بمجهود حربي يرتفع حجم الاستغلال للمناجم الممتدة على طول نهر مجردة وذلك خلال الحرب مع اليونان (480 - 307 ق م) والحرب مع روما (264 - 146). وأكد الباحث أن قرطاج كانت لها القدرة على خوض الحروب ودفع التعويضات وتصنيع الأسلحة والسفن. قلعة الأندلس كانت جزيرة وأكد الباحث أحمد قضوم أن العمل العلمي الذي قاموا به يبين أن أكبر عملية استغلال للمعادن (رصاص وفضة وحديد) من قبل القرطاجيين كانت في النصف الثاني من القرن الرابع وبداية القرن الثالث ق م. وهوما ساهم حسب تعبيره في إنشاء عملة قرطاجية سمحت بإرساء اقتصاد عتيد. وشدد الباحث على المخزون المنجمي الكبير الذي كان متوفرا لدى قرطاج والذكاء البشري الذي ميّز شعبها وقادتها في ذلك الوقت. وختم أحمد قضوم حديثه ل"الشروق" بسبق صحفي من نتائج البحث الذي قاموا به في أوتيك، وقال إنه سينشر حصريا في مجلة Proceedings of the National Academy of Sciences الامريكية بعد أشهر. وهواكتشاف أن قلعة الاندلس الواقعة شمال شرقي ولاية أريانة كانت في فترة ما جزيرة تفصلها عن اليابسة عديد الكيلومترات من مياه البحر. ولم يعط الباحث أكثر تفاصيل عن هذه الفترة بسبب التعاقد الحصري مع المجلة الأمريكية .