كفل الإسلام حريّة الرأي والتعبير في الجهر بالحق وإسداء النصيحة في كل أمور الدين والدنيا فيما يحقق نفع المسلمين ويصون مصالح كل من الفرد والمجتمع ويحفظ النظام العام للمجموعة بل اعتبرها فريضة على الحاكم والمحكوم معا فالحاكم مطالب بتنفيذها عن طريق الشورى وعن طريق تحقيق العدل والنظام القضائي المستقل ونشر التعليم وتحقيق الاكتفاء الاقتصادي وغيرها من الوسائل التي تجعلها ممكنة بحيث لا تخاف الرعية من ظلم أو فقر أو تهميش إذا مارست حقوقها في النقد وإبداء الرأي والمحكوم مطالب بها فردا وجماعات في كل المجالات تجاه الحاكم وتجاه الآخرين فبدون حرية التعبير وكل ما يؤدي إليها يحدث خلل في المجتمع فالمسلم مطالب بعدم كتمان الشهادة السياسية والاجتماعية والقضائية على حد سواء ﴿وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) بل إن القرآن الكريم أقرّ بتعددية الآراء وتنوعها حيث يقول المولى عز وجل﴾: ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ لكنه وضع قيودا وضوابط كفيلة بحسن استخدام حرية التعبير وتوجيهها إلى ما ينفع الناس ويرضي الخالق جل وعلا فهناك حدودا لا ينبغي تجاوزها وإلا كانت النتيجة هي الخوض فيما يغضب الله أو يلحق الضرر بالفرد والمجتمع على السواء ويخل بالنظام العام وحسن الآداب ولذا نجد أن الإسلام قد وضع قواعد ومقدمات منها : أنه لا اجتهاد في نص قرآني قطعي الدلالة فكل نص جاء بأمر بدليل قطعي سواء كان متعلقا بالعبادات أو المعاملات أو العقوبات أو العلاقات الشخصيّة فهذا ليس للإنسان فيه إلا أن يقبل به ويعمل بمقتضاه وبذلك تتحقق عبودية الإنسان لله تعالى ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾ (الأحزاب : 36) فلا يحق لأحد كائنا من كان تغيير أحكام قطعت بصحتها نصوص القرآن والسنة الشريفة المتواترة. وبالمقابل فقد ترك الإسلام الباب مفتوحا للاجتهاد وإبداء الرأي في كل ما لم يرد فيه نص قطعي الثبوت والدلالة بشرط توفر الشروط الضرورية للاجتهاد فقد أقر رسول الله ذلك حين أرسل معاذ بن جبل إلى اليمن قاضيا فقال له(كيف تقضي إن عرض لك قضاء؟ قال: أقضي بكتاب الله قال: فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله قال: فإن لم تجد في سنة رسول الله ولا في كتاب الله ؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو فضرب رسول صدره وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله . كما قيّد الإسلام حرية التعبير بالابتعاد عن السخرية من الآخرين وشتمهم وسبهم وقذف الناس والتكلم في أعراضهم إلى جانب الابتعاد عن الكذب والافتراء ونشر الإشاعات التي من شأنها نشر الفوضى وإثارة الفتن بين الناس بحجة السبق الإعلامي أو السبق الصحفي فلا يجب أن تتخذ حرية التعبير ذريعة لمهاجمة الدين وثوابته ورموزه ومقدساته ولا لمهاجمة الناس للتشفي منهم مما يؤدي إلى الاختلاف والتناحر والتفرق وهو الاختلاف الذي جاء القرآن محذرا منه. قال تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (آل عمران:150).