قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية    مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    رابطة الهواة لكرة القدم (المستوى 1) (الجولة 7 إيابا) قصور الساف وبوشمة يواصلان الهروب    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قوق حقوق الإنسان في الإسلام (الجزء الثاني): الإسلام أول من نادى بحماية البيئة
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005

نشرنا بعدد الأمس الجزء الأول من الدراسة التي أعدها الأستاذ عادل كعنيش عن حقوق الانسان في الاسلام وقد تعرض إلى ان الاسلام وضع اللبنة الأولى لحقوق الانسان في خصوص الحريات الشخصية وتعرض باسهاب إلى الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي أكدت على كرامة الانسان وحرية المعتقد وجعلت مسؤولية الانسان مسؤولية شخصية وأرست دعائم القواعد القانونية الحديثة التي تنص على عدم رجعية القوانين وان لا عقاب إلا بنص قانوني سابق الوضع وننشر اليوم الجزء الثاني من هذه الدراسة وهو يتعلق بالحريات السياسية والحريات الاقتصادية والاجتماعية.
الى جانب هذه القواعد التي تعلقت بحرمة الانسان وحريته فقد حرص الاسلام على احترام حرمة المسكن ولم يجز اقتحامه من دون اذن صاحبه الا لضرورة شرعية أو قانونية تقدر بظروفها كاطفاء حريق أو اسعاف مريض مستغيث، وقد أكد الله سبحانه وتعالى في سورة النور على هذا المبدأ اذ يقول (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم) كما منع الاسلام التجسس اذ يقول الله سبحانه و تعالى في سورة الحجرات (ولا تجسسوا) ومنع دخول البيوت من ظهورها اذ يقول الله تعالى في سورة البقرة (وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها و لكن البر من اتّقى و آتوا البيوت من أبوابها(.
وحرمة المسكن في حقيقتها تكميل للحرية الشخصية أو نتيجة لها و هو ما يوفر للانسان الهدوء في سكنه فلا يقلقه أحد وخاصة في الليل حين يكون الاقلاق أشد أثرا وترويعا لذلك نصت القوانين الحديثة على حرمة المسكن في غير أحوال التلبس أو الاستغاثة . كما أقر الاسلام اباحة الانتقال داخل الدولة من مكان الى مكان والسفر من بلد الى آخر اذ يقول الله تعالى في سورة الأنعام (قل سيروا في الأرض) وقال في سورة الجمعة (فاذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله) لكن حرية التنقل مقيدة بمقتضيات الصالح العام مثل رعاية قواعد الحجر الصحي اذ جاء في الحديث النبوي الشريف «اذ كان الطاعون بأرض فلا تدخلوها واذا كنتم فيها فلا تخرجوا منها».
كما لم ينسى الاسلام التعرض الى حق المرء في أن يحافظ على أموره الخاصة لا سيما اذا كانت شخصية أو سرية وذلك من باب توفير راحة النفس والبال اذ جاء في الحديث الشريف (المجالس بالأمانة الا ثلاث مجالس ، سفك دم حرام أو فرج حرام او اقتطاع مال بدون حق ).
وقد أقرت الأنظمة الحديثة حق المحافظة على سر المهنة في بعض القطاعات كالمحاماة والطب والصيرفة ورتبت عقوبات جزائية على افشاء هذا السر لكن مع بعض الاستثناءات ويمكن القول في ختام الحديث عن الحريات الشخصية أن الاسلام حرص على ضمان كرامة الانسان و صونها من كل ألوان الاهانة و الاذلال و لا سيما المسلم اذ يقول الله تعالى في سورة المنافقون (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين و لكن المنافقين لا يعلمون(.
الى جانب الحريات الشخصية فان هنالك الحريات السياسية في ابداء الرأي و التعبير و حرية المشاركة السياسية .
والتعبير عن الرأي من أهم حقوق الانسان في الاسلام بل أنه واجب على كل مسلم في كل ما يمس الأخلاق والمصالح العامة والنظام العام وهو ما أكدت عليه الآية القرآنية التالية من سورة آل عمران (ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و أولئك هم المفلحون(.
ومن مبادئ الاسلام الراسخة حرية ابداء الرأي أمام السلطان اذ قال الرسول ص (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) وقال أيضا (من رأى منكم منكر فليغير بيده فان لم يستطع فبلسانه و ان لم يستطع فبقلبه و ذلك أضعف الايمان).
وتتعدد أوجه ممارسة الرأي ومظاهره بحسب طبيعة الأمور ففي الأمور الدينية أقر الاسلام حرية الاجتهاد لكل من كان أهلا له وقد أذن الرسول صلى الله عليه و سلم لأصحابه بممارسة حق الاجتهاد قائلا (اذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وان أخطأ فله أجر واحد).
أما في الأمور الدنيوية فلكل مجتهد أن يجتهد في غير موضع النص حسب رأيه واختصاصه اذ تحكي السيرة النبوية أن الرسول صلى الله عليه و سلم أشار بترك تذكير نوع من النخل فلم يثمر عندها قال لأصحاب النخل (أنتم أعلم بأمور دنياكم).
غير أن ممارسة حق التعبير لم يقع التنصيص عليه بدون قيود اذ يؤكد القرآن على ضرورة التحلي بالحكمة والعقل واجتناب الاثارة والأذى في التعامل أو أثناء توجيه النصح لأي انسان سلطان كان أو غيره أو حين ابداء النظر أو النقد البناء الذي يرجى منه الاصلاح و تحقيق الخير العام أو المصلحة العامة يقول الله تعالى في سورة الاسراء (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزع بينهم ان الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا(. كما يقول الله تعالى في سورة الأحزاب (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم) كما عبر القرآن الكريم عن غضب الله وسخطه من الجهر بالسوء واغلاض القول اذ جاء في كتابه العزيز في سورة النساء « لا يحب الله الجهر بالسوء من القول الا من ظلم و كان الله سميعا عليما «.
يتبين من هذا العرض لبعض الآيات القرأنية أن حرية التعبير ليست مطلقة بل يتعين الابتعاد عن أي نقد ينال من اعتبار الآخرين أو يشهر بسمعتهم أو يقصد منه التوصل الى منفعة ذاتية تحت ستار حرية الرأي فينقلب في هذه الحالة الخير الى الشر و يساء استعمال حق ابداء الرأي ليصير أداة للتخريب والهدم اذ أن المسلم مدعو في كل الحالات أن يتمسك بالقاعدة لأساسية بأن الأمور بمقاصدها .
لقد توفق الاسلام عن طريق التحديد الايجابي لحرية التعبير الى تجنب المظاهر السيئة و التناحرات التي أصبحت تتسم بها حرية التعبير خاصة في البلدان الغربية عندما استعملت هذه الحرية كمطية لتحقيق أغراض حزبية ضيقة بعيدا عن أي اعتبار للمصلحة العامة .
الى جانب حرية الرأي فلقد أقر الاسلام صراحة حق المعارضة وهذا الحق يبدوا للبعض أنه لم يتواجد الا في ظل الديمقراطيات الحديثة حيث هنالك أغلبية تحكم وأقلية تعارض لكن تاريخ الاسلام بين أنه عرف المعارضة سواءا من الفرد ازاء الخليفة اذ قال أبو بكر الصديق رضي الله عنع في خطبته الأولى « ان استقمت فأعينوني و ان أخطأت فقوموني « و قد تبعه عمر رضي الله عنه على هذا المنهج فقال في خطبته « أيها الناس من رأى في اعوجاج فليقومه « فقام رجل أعربي و قال « و الله لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا « فقال عمر « الحمد لله الذي جعل في هذه الأمة من يقاوم عمر بسيفه « كذلك سجل التاريخ الاسلامي معارضة الجماعة كما حصل في غزوة الأحزاب عندما انسحب المنافقون من القتال قائلين «اننا نخاف أن يغير العدو على نسائنا وأموالنا».
وكذلك الشأن في غزوة تبوك عندما استأذن المنافقون النبي في عدم الخروج للقاء الروم فأذن لهم ولم يغفل الاسلام عن التأكيد على المشاركة السياسية على أساس الأخوة الايمانية وهو ما يستشف من الآية الكريمة التي جاءت في سورة الأنبياء اذ يقول الله تعالى (ان هذه أمتكم أمة واحدة( كما قال الله تعالى في سورة آل عمران (فاعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا( وحبل الله هو القرآن والتوحيد .
وتتمثل حرية المشاركة السياسية في الاسلام في مبدأ الشورى الذي رسخه الاسلام اجتنابا لظاهرة الاستبداد وهو نظام سوف نتولى تحليل مضمونه عندما نتعرض الى موضوع الديمقراطية في الاسلام .
لئن اهتم الإسلام بالحقوق السياسية للفرد فانه لم يهمل الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و قد أسس هذا الجانب من الحقوق على رابطة التكامل و التضامن الاجتماعي القائم بين الأفراد و أوكل المهمة للدولة حتى تقوم بتوثيق هذه الروابط ويمكن القول أن حق التعلم كان في طليعة الحقوق التي ركز عليها الاسلام اذ جاء في سورة الزمر (قل هل يعلقون) في سورة طه، (هل يستوي اللذين يعلمون و الذين لا يعلموا( ولم يقتصر الاسلام على ذلك بل حث على تنمية المعارف والعلوم اذ قال الله تعالى: (وقل ربي زدني علما) ورفع الاسلام من مكانة العلماء اذ قال الله تعالى في سورة المجادلة (يرفع الله الذين آمنوا منكم و الذين أوتوا العلم درجات( كما أن الرسول ص كان من دعاة نشر العلم والمعرفة اذ نجده يقول صلى الله عليه وسلم «اطلبوا العلم ولو في الصين « كما قال « من حفظ لغة قوم أمن شرهم « .
فهذه الآيات القرآنية والأحاديث المتعددة تبين مدى الأهمية التي أعطاها الاسلام الى العلم و المعرفة وهو ما يفسر انتشار المدارس في العواصم الاسلامية فكان التعليم مجانيا وكثيرا ما كان الخلفاء و الولاة يسندون للمعلمين عطايا كافية تدفع لهم من موارد بيت المال وقد أعلى الاسلام من مكان المعلمين اذ يقول الرسول ص (كاد المعلم أن يكون رسولا) كما جعل الرسول ص (فضل العلم أحب اليه من فضل العبادة) إذ يقول عليه الصلاة والسلام ( فضل العلم أحب الي من فضل العبادة و خير دينكم الورع و التقوى).
كما أقر الاسلام حق الرعاية الصحية وقاية وعلاجا وشرع كل الاجراءات الوقائية من الأمراض الوبائية فقد منع عمر أثناء الطاعون في الشام الخروج من هذا البلد والدخول اليه وقد جاء في كتاب خالد بن الوليد لأهل الحيرة (ايما شيخ ضعف عن العمل أو أصابته آفة من الآفات و كان غنيا فافتقر طرحت جزيته وعيل من بيت مال المسلمين ما أقام بدار الهجرة ودار الاسلام).
كما جعل الاسلام من حق الدولة أن تحمي حدودها حفاظا على سلامة مواطنيها اذ تحكي السيرة النبوية أن الرسول ص قال (اذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تدخلوها واذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها) وقد رأى البعض أن هذا الموقف يتنافى مع الإيمان بالقضاء والقدر فأجابهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه « نعم فروا من قدر الله الى قدر الله «
الى جانب ذلك أقر الإسلام حق العمل سواء كان لذكر أو أنثى اذ يقول الله سبحانه و تعالى في سورة النحل (من عمل صالحا من ذكر و أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة( وهذا دلالة على أن قيمة كل إمرء في المجتمع بما يقدمه لربه وللناس من عمل صالح وهو في مرتبة العبادة كما تعددت الأحاديث النبوية التي توصي بالعمل وتؤكد عل ضرورة وفاء الأجير بأجرته اذ يقول ص (اعطوا للأجير أجره قبل أن يجف عرقه) كما يقول ص (ثلاث أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خاصمته رجل أعطى ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه)، كما أقر الاسلام نوعين من الملكية الفردية والجماعية فصان الاسلام حق التملك لكل انسان لأن غريزة التملك نزعة فطرية اذ قال تعالى في سورة الفجر (وتأكلون التراث أكلا لما وتحبون المال حبا جما) وقال الله تعالى في سورة الكهف (المال والبنون زينة الحياة الدنيا( واعتبر الاسلام الهلكية أثرا من آثار الطابع الإنساني فلا تنزع من صاحبها الا لمصلحة متأكدة وفي هذه الحالة يجب التعويض للمالك الذي تنزع منه.
وعالج الاسلام ظاهرة الفقر و ذلك باقرار فريضة الزكاة باعتبارها من أركان الاسلام و ويشعر حين أدائها باستكمال دينه لكن اذا لم تكن الزكوات كافية فللدولة أن تطالب بالاعتناء بالفقراء باعتبارها مسؤولة عنهم إذ يقول النبي ص :»ان الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الذي يسع فقرائهم».
وهكذا حقق الإسلام التضامن الاجتماعي معتمدا على وحدة الأمة ومبدأ العدالة الاجتماعية ومبدأ التكافل بين الفقراء والأغنياء. فمقدار الزكاة الذي حدده القرآن هو حدّ أدنى وللدولة ان تطالب الأغنياء بمزيد العطاء سدا لحاجيات الفقراء.
لكن مع ذلك فان النظام الاقتصادي في الإسلام هو نظام الاقتصاد الحر القائم على المنافسة البعيدة عن الاحتكار يقول ص «دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض» ولا توجد في الإسلام نظرية اشتراكية بالمعنى الشيوعي ولم يثبت في تاريخ الإسلام أن أخذ مال عيني دون حق لكن يقر الإسلام أفكارا اشتراكية متصلة بالعدالة الإجتماعية «بجعل الملكية ذات وظيفة اجتماعية لا بمثابة حق مطلق كما كانت له رغبة واضحة في تخفيف مظاهر الفقر ومحاصرتها وهو ما جعل من الإسلام نظام وسطي يقوم على أساس مبادئ العدالة والأخلاق والتكافل الاجتماعي وقد توفق النظام الإسلامي في عهد عمر بن عبد العزيز إلى تحقيق التكافل الاجتماعي حين وصل الأمر إلي أن لا يجد صارفو الزكاة مستحقين من الفقراء و المحتاجين في شتى أرجاء الدولة من مسلمين وغير مسلمين لذلك اضطر الخليفة الى توجيه الزكاة نحو مجال آخر وهو تحرير الأرقاء وتزويج الشبان .
هذه بعض الحقائق حول جملة من الميادين التي اهتم بها الإسلام لإسعاد الفرد وبتحليل مقاصدها ومراميها نجدها تشكل اللبنات الأولى التي وقع اعتمادها في ترسيخ ثقافة حقوق الانسان فلا يمكن القول أن الغربيين سبقوا المسلمين من هذه الناحية اذ أن اللائحتين السياسية والاقتصادية لحقوق الانسان الصادرتين في 06 ديسمبر 1966 لم يأتيا تقريبا بأي شيء جديد خارجا عن ما عرفه الفكر الاسلامي بل ان الجيل الثالث من الحقوق التي بدأ في السنوات الأخيرة التعريف بها و هي حق الانسان في أن يعيش في بيئة سليمة ومنع تلوث البحار والمحيطات ومقاومة انتشار ثقب الأوزون وغيرها من الحقوق البيئية الجديدة قد تفطن اليها الاسلام منذ البداية اذ يقول الله تعالى في سورة الروم (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) كما قال الرسول ص «لا يغرس المسلم غرسا فيأكل منه انسان أو دابة أو طائر الا كان له صدقة الى يوم القيامة» كما قال عليه الصلاة والسلام «تنظفوا بكل ما استطعتم فان الله تعالى بنى الإسلام على النظافة ولن يدخل الجنة الا كل نظيف «.
لقد توضحت اذن الصورة الحقيقية للاسلام الذي كان أول التشريعات السماوية التي اهتمت بالإنسان و نظمت حقوقه وأن قول بعضهم أن الإسلام يعادي ثقافة حقوق الإنسان هو إما من قبيل التحامل والإساءة للإسلام أو من قبيل عدم الإلمام بأحكام هذه الشريعة .
الإسلام والديمقراطية
إن الحديث عن هذا الموضوع يقودنا إلى ذروة مناقشة الإسلام السياسي وهو يتلخص في معرفة موقف الإسلام من الديمقراطية ويعيب الغربيون على الإسلام بأنه يتنافى مع الديمقراطية و تعاضدهم في ذلك بعض الأصوات التي تحسب على الإسلام السلفي التي تساوي عن جهل كبير بين الديمقراطية و الكفر .
لا خلاف أن هنالك سبب رئيسي في نفور بعض المسلمين عن الديمقراطية و يرجع ذلك بالأساس الى المعنى اللغوي لكلمة ديمقراطية وأن ترجمة هذه العبارة تعني حكم الشعب من طرف الشعب وبالنسبة للسلفيين فالحكم لله وحده لكن هذه الفكرة قد تجاوزتها الأحداث ذلك أن حكم الله لا يعني أن الله سلب البشر صلوحية الحكم في الدنيا و لكن حكم الله يعني أن تحكم شريعته البشر لذلك وجد الانسان نفسه أمام سؤال هام للغاية كيف يحول البشر شريعة الله الى قوانين تنظم حياة البشر وتحكم معاملتهم ويجيب الكثيرون أن ذلك يحصل باعتماد الشورى و هنا يتوضح السؤال هل أن نظام الشورى هو نظام ديمقراطي ؟ وبعبارة أخرى هل أن هنالك توافق بين الاسلام والديمقراطية ؟
الثابت أن الشريعة الاسلامية لم تأتي بشكل محدد للدولة المثالية فعلى كل جيل من المسلمين أن يجتهد للتوصل الى تنظيم الدولة الذي يتماشى مع أحواله .
فلقد تحدث القرآن عن النظام الملكي مثل سليمان في سورة النمل وملكة سبأ التي كانت ملكة عادلة ولكن من الجائز أن تكون الدولة في شكل جمهورية والدليل على ذلك أن الدولة الاسلامية التي حكمت في عهد الرسول و الخلفاء الراشدين كانت في شكل جمهوري ولم يقع توارث الحكم بالمرة في عهد الخلفاء فقد رشح هؤلاء منذ اجتماع سقيفة بني ساعدة الذي التئم عند وفاة الرسول ص مبدأ تداول السلطة على اساس اختيار المرشح الأفضل الذي تقوم الأمة بمبايعته ولم يتورط أي واحد من الخلفاء الراشدين في الخروج عن هذه القاعدة واسناد السلطة فيما بعد الى أحد الأبناء أو الأقرباء غير أن الذي تورط في نظام ولاية العهد هو معاوية ابن أبي سفيان الذي أسندها الى ابنه يازيد و هو خروج عن السنة التي جسمها الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لم يشر الى أي شكل من أشكال الاستخلاف .
لذلك يمكن القول أن الاسلام و ان لم يشترط أن يكون نظام الحكم في أعلى الهرم السياسي في شكل جمهوري أو ملكي فانه كان أقرب الى النظام الجمهوري خاصة أن الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده قد اتبعوا نظاما قريبا للنظام الجمهوري وفي كل الحالات فان الاسلوب الذي اتبعه أهل السنة في تنظيم دواليب الحكم لم يكن عبر التاريخ الاسلامي الطويل يستلزم بأية حال دولة تحكمها سلطة رجال الدين اذا كان الاسلام سباقا في اعتماد نظام التداول على الحكم بطريقة بعيدة عن الوراثة فمن هو مصدر السلطات في الشريعة الاسلامية ؟
لا شك أن مفهوم السلطات في الدولة الحديثة هي ثلاث تشريعية و تنفيذية و قضائية و الديمقراطية الحديثة تخضع الحكم لرأي الأغلبية لكنها تمنع السلطة التشريعية من التدخل في السلطة التنفيذية و الديمقراطية تعتمد على كون الأمة هي مصدر السلطات و في الاسلام فان الأمة هي مصدر السلطات باعتبار أنها تشترك ولو بواسطة في تعيين الشخص الذي تريده حاكما عليها لذلك فان ما يصدر عن الحاكم من نفوذ يكون مرجعه ارادة الأمة لكن هنالك فارق بين الديمقراطية الغربية و الديمقراطية في الاسلام وهي أن سلطة الأمة في الديمقراطية الغربية هي مطلقة فالأمة هي صاحبة السيادة أما في الاسلام فهي ليست مطلقة بل هي مقيدة باحترام الأحكام الآمرة للشريعة الاسلامية وهو ما يجعل السلطة التشريعية في البلدان الاسلامية مدعوة كل مرة عبر سنها لقانون معين مراعاة مدى تلاءم هذا القانون مع أحكام الشريعة حتى تكون القوانين المصادقة عليها نتيجة نظرة اجتهادية توفق بين مضمون هذه القوانين و أحكام الاسلام .
لكن فيما عدا هذا الاستثناء فان الاسلام اعتمد في فلسفة الحكم مبدأ الشورى إذ يقول الله تعالى في سورة آل عمران (وشاورهم في الأمر) ويدل الأمر المطلق بالمشاورة على أنها تشمل كل القضايا الدينية والدنياوية فيما لم يرد فيه نص تشريعي واضح الدلالة وقد أدت الشورى دورا مهما في حياة النبي ص، وفي عهد الصحابة لكن من هم المستشارون أو أهل الشورى ففي أمور الدين يجب أن يكون المستشار عالما دينيا ، وفي أمور الدنيا يجب أن يكون عاقلا ذا تجربة تسمح له باعطاء الرأي السديد أي من أهل الكفاءات العلمية المطلوبة .
لكن هل ان الشورى ملزمة أو اختيارية ؟ لقد ذهب أغلب علماء الاسلام الى أن الشورى هي واجبة اذ أن الحاكم هو ملزم باتباع راي الاغلبية عملا بالاوامر القرآنية لان القرآن وضع الشورى بجانب ركنين هامين هما الصلاة والزكاة، يقول الله تعالى في سورة الشورى (والذين استجابوا لربهم، واقاموا الصلاة وامرهم شورى بينهم و مما رزقناهم ينفقون( وقد كثرت وصايا النبي ص بالعمل بالشورى كقوله (ما خاب من استخار ولا ندم من استشار ولا عال من اقتصد).
كما أن الاختلاف في الراي اثناء التشاور هو أمر طبيعي لابد منه والمهم أن يتوصل أهل الشورى في النهاية الى رأي معين .
ان الاسلام يكره كرها شديدا الاستبداد بالرأي كما أنه لا يسمح للحاكم أن يحكم عن هوى أو أن يحكم حكما مطلقا ولقد عاتب الله سبحانه و تعالى الرسول صلى الله عليه وسلم عندما أخذ الفداء المالي من أسرى بدر المشركين وترك قتلهم وكذلك عندما أذن لبعض المنافقين للتخلف عن غزوة تبوك وعندما صلى على زعيم المنافقين عبد الله بن أبي بعد موته وجاء العتاب في الحالات الثلاث في المرة الأولى في سورة الأنفال (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض) والثانية في سورة التوبة (عفا الله عنك لم أذنت لهم) والثالثة في سورة التوبة (ولا تصلّ على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله وماتوا وهم فاسقون(.
يرى البعض أن الاسلام و ان اعتمد الشورى في نظام الحكم فانه لا يمكن القول أن الاسلام قد انتهج أسلوبا ديمقراطيا لأن الشورى محصورة في فئة معينة سواءا كانوا من رجال الدين أو من أصحاب الكفاءات أما السواد الأعظم من الناس فهم مغيبون عن ممارسة الحياة السياسية .
ان الوضع السائد في عصرنا يتسم بتعقد المعلومات والمعارف كما أن الشورى لا يمكن أن تتم في المجتمعات الحديثة ذات الكفاءة السكنية العالية من خلال كل المراجع بل من خلال مجلس منتخب يمثل ناخبيه لكن هناك من يرى أن القرآن لم يشر الى موضوع الانتخاب بالمرة ويبدو أن هذا الاستنتاج في غير محله اذ أن التمعن في مضمون الآيات القرآنية يبين أن ظاهرة الاختيار أو الانتخاب قد وقع الحديث عنها في سورة الأعراف الآية 154 اذ عندما كان النبي موسى رضي الله عليه يناشد قومه للاقرار بربانية الله سبحانه وتعالى فطلب موسى أن ينظر الى ربه فأشار عليه أن ينظر الى الجبل فاذا استقر بمكانه فسوف يرى ربه لكن ما راع موسى الا والجبل يدك دكا فخر موسى صاعقا و لما ذهب الى قومه قص عليهم ما حدث وطلب منهم أن يختاروا سبعين رجلا لملاقاة الله فأخذتهم كذلك الرجفة يقول الله في سورة الأعراف (واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل) فهذه الآية تبين - ولو أن الحادثة تتعلق بقوم موسى اللذين كفروا بوجود الله أن موسى طلب منهم أن يختاروا من بينهم سبعين شخصا لملاقاة الله والاختيار لا يكون الا بأجدى الوسائل الموصلة لذلك سواء كانت بالانتخاب أو بالقرعة وهو ما يؤكد أن أحكام القرآن لا تتعارض مع ظاهرة الانتخاب التي هي أساسية وضرورية لتكوين المجالس السياسية التي يقع الرجوع اليها في ممارسة الحكم.
المهم أن هذه المجالس التي أطلق عليها الإسلام مجالس الشورى والتي أصبحت اليوم مجالس نيابية أو استشارية، هي مجالس تجرى تركيبتها عن طريق الانتخاب فاذا كان الحاكم يتولى بنفسه تعيين أعضاء المجالس فكأنما يقوم الحاكم الذي يجب مراقبته بمراقبة نفسه بنفسه وهو ما لا يحقق الهدف المنشود من الرقابة، وهذا ما يزيد في أهمية هذه الانتخابات في تكوين هذه المجالس ويؤكد كذلك دورها الهام في المشاركة في تسيير الحياة السياسية وابداء الرأي المناسب .
المهم أن النظام السياسي الذي جاء به الاسلام هو نظام يقوم على الشورى و مؤسسة الشورى لم يعد بالامكان أن تمارس دورها على الوجه الأنسب الا عن طريق مجالس يقع اختيارها من طرف أفراد الأمة و يمكن أن يكون الانتخاب هي الوسيلة الأكثر نجاعة و شفافية في هذا الاختيار .
لكن هناك عملية يرى البعض أنها قد تعوق الممارسة الديمقراطية و هي أن المسلم السني لا يجوز له أن يطلب لنفسه منصبا سياسيا عملا بالقاعدة التي جاءت في الحديث الشريف « اننا لا نولي على هذا العمل أحدا سأله و لا أحد حرص عليه « لكن اذا طبقنا هذه القاعدة على الحياة السياسية اليوم لا نجد فيها أي تعارض مع الديمقراطية لأن الأحزاب السياسية هي التي ترشح الفرد لخوض الانتخابات سواءا لعضوية البرلمان أو لمؤسسة الرئاسة .
نصل الآن الى موضوع آخر و هو يتعلق بالمرأة.
فهل أن الاسلام يمنعها أن تمارس المسؤوليات الأولى في الدولة ؟ فاذا كان هناك منع حقيقي فان ذلك يتعارض مع الديمقراطية.
يعتقد الكثير من علماء الإسلام رغم النموذج الإيجابي الذي جسمته ملكة سبأ والذي وقع الحديث عنه في بالقرآن أن الدولة التي ترأسها امرأة لا يتاح لها الكثير من فرص النجاح ويستندون في ذلك الى حديث نبوي جاء فيه (لن يفلح قوم ولوا امرهم امرأة) لكن هذا الحديث جاء في قالب تعليق سياسي قبل أن يكون مبدأ فلا مانع أن تتولى امرأة مسلمة أعلى المناصب في الدولة و الدليل على ذلك أن الدول الإسلامية قد أنجبت رئيسات حكومات أكثر مما أنجبته فرنسا أو ألمانيا أو ايطاليا فليس هناك ما يعارض في الإسلام أن تتولى المرأة أعلى المناصب السياسية .
يستنتج مما تقدم أن الاسلام في حد ذاته لا يعارض الديمقراطية بل على النقيض تضمن لبنات أساسية يمكن استغلالها و تطويرها لاقامة نظام ديمقراطي في كل البلاد الاسلامية خاصة اذا ما وقع اجتناب الخطأ الفادح الذي كثيرا ما يقع فيه الغربيون من الصاق العلمانية بالديمقراطية فهما ليسا مترادفين اذ أن العلمانية جاءت لحل مشكلة واقعية في أوروبا وهي مشكلة الكنيسة وعلاقتها بالمجتمع والدولة وليس هناك ما يبرر طرحها في المجتمعات الاسلامية فالدين عندنا ليس كنيسة ولم يفرض وصاية على الناس أو وسطاء في العلاقة مع الله.
إن القرآن تضمن حينئذ العديد من الركائز التي يمكن اعتمادها لبناء ديمقراطية حقيقية و يكفي التمعن في القرآن لكي يستنتج القارئ أن أساليب الديمقراطية المباشرة نفسها قد جاء ذكرها في القرآن كما هو الشأن بالنسبة للاستفتاء فلقد جاء بالآية القرآنية عدد 36 من سورة النحل (قالت يا أيها الملؤ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمري حتى تشهدون(. وقد جاءت هذه الآية في سياق الحديث عن الملكة سبأ التي كانت ملكة صالحة والتي أرادت من قومها أن يفتوا اليها وهو ما يقابل الاستفتاء في الديمقراطيات الحديثة وهذا دليل آخر على أن الاسلام اعتمد كل الآليات التي تحقق الديمقراطية بل تضمن قواعد الديمقراطية المباشرة التي لم تعتمد في الدساتير الا حديثا .
بعد هذا تأكد أن اتهام المسلمين و الاسلام بالعداء للديمقراطية هو ضرب من ضروب العنصرية لكن قد لا تتشابه الديمقراطية في الاسلام بالضرورة مع الديمقراطية في انقلترا أو فرنسا لأن العالم العربي والاسلامي يملك أشكالا من التعددية والحضارة خاصة به ولكن حتى في الغرب فان الديمقراطية في انقلترا لا تشبه الديمقراطية في فرنسا .
اعتقد أنه على الغرب أن يراجع موقفه المتشكك في خصوص نجاح الديمقراطية في العالم الاسلامي، و قد يفهم سبب تردده نتيجة ما يحصل من عنف داخل البلدان الاسلامية لكن لنعلم أن ذلك لا علاقة له بالاسلام الصحيح الذي يستنكر أن يصل الاختلاف الى قتال أو أي شكل من أشكال العنف .
فالديمقراطية لا تتناقض مع الاسلام و يمكن للدولة المسلمة أن تتبنى الأسلوب الديمقراطي بدون أي يؤدي ذلك الى تناقض مع أحكام القرآن.
المرأة في الإسلام
تحدثنا سورة آل عمران في الآية 35 أن أم مريم قالت بعد ولادتها (فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت و ليس الذكر كالأنثى وأني سميتها مريم واني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم).
هذه الآية تضع علاقة الجنسين الرجل والمرأة ببعضهما في صميم الموضوع ، هل هما متساويان أم أن الاسلام لم يقر مبدأ المساواة بل عوضه بمبدأ آخر هو مبدأ التوازن .
لا شك أن الاسلام مازال الى يومنا هذا لا يحظى بسمعة طيبة في خصوص موقفه من المرأة حتى بات الكثير يعتبرونه دينا معاديا للمرأة لكن طرح هذا الموضوع و مناقشته يدلان على نقص في المعلومات عن الاسلام بل أن الكثير من الغربيين يتمسكون بمعلومات مغلوطة لأن قضية المرأة في الحضارة الإنسانية تبين أن هذه الأخيرة لم تحضى في تاريخ الحضارة القديمة باستثناء الحضار الفرعونية بأي اعتبار فقد كانت المرأة عند الرومان و اليونان و اليهود و المسيحيين محتقرة لأسباب ترجع لبداية التاريخ أي لحواء فالديانات القديمة ألصقت بالمرأة صفة الغاوية التي غررت بآدم ليقطف التفاحة فكان نتيجة ذلك أن أنزله اللّه الى الأرض و كتب على حواء بالاضافة لذلك عقوبة الحمل لكن القرآن يصف الذنب الذي ارتكبه كل من آدم و حواء على أنه فعل مشترك أدى بأن ينزل كلاهما من الجنة الى الأرض كما أن القرآن لا يتضمن ما يشير الى أن آدم خلق قبل حواء و أن الأخيرة خلقت من ضلع من ضلوعه و تختلف هذه الصور تماما عن الموروث اليهودي و المسيحي الذي يحمل المرأة ذنوبا شتى مما أدى الى تردي وضعيتها في الأديان و الحضارات القديمة .
اذن فالقرآن أزال لعنة الخطيئة الأبدية التي ألصقت تاريخيا بالمرأة وحدها و جعل المرأة كالرجل من حيث المسؤولية يقول الله تعالى في سورة الأعراف (فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوأتهما) وأكد الاسلام أن المرأة والرجل خلقا من نفس واحدة إذ يقول تعالى (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة( وقد عالج الاسلام الوضعية السيئة التي كانت عليها المرأة قبل الاسلام حيث كانت تئن من ظلم المجتمع لها اذ لا حق لها في الارث بل أنها كانت تورّث في بعض الحالات كسائر الأمتعة والأثاث اذ يقول تعالى في سورة النساء (يا أيها اللذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها) كما كان الآباء يتشاءمون من ولادة الأنثى اذ يقول الله تعالى في سورة النحل (واذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا و هو كظيم( كما أن بعض قبائل العرب كانت تئد البنات يقول الله تعالى في سورة التكوير (واذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت( وقد منع القرآن بكل شدة هذه العادة احتراما للنفس البشرية وتأكيدا على عدم وجود فرق بين المرأة والرجل من حيث انسانيتهما و هذا الموقف الذي اتخذه الاسلام لم ترتقي اليه الكثير من المجتمعات الى يومنا هذا التي عادت لكي تمارس عمليات القتل المنظمة للأجنة من الاناث خاصة منذ أن استطاع الطب أن يحدد نوع الجنين بواسطة الموجات الفوق الصوتية وهو ما يحرمه الاسلام تحريما كاملا .
الى جانب الأحكام القرآنية التي رفعت من شأن المرأة وألغت الحيف الكبير الذي كانت عليه قبل مجيء الاسلام فان الرسول صلى الله عليه وسلم أوصي خيرا بالمرأة اذ نجده يقول (انما النساء شقائق الرجال استوصوا بالنساء خيرا).
الاسلام بريء مما حصل للمرأة من اضطهاد اذ أن الرجال في كثير من الحلات استأثروا بتغيير التشريعات وقاموا بوضع قوانين خاصة بالمرأة مما أدى الى ضياع الكثير من حقوقها التي كفلها الاسلام ويمكن القول أن اضطهاد المرأة هي ميزة للأزمنة التي يضعف فيها ايمان الرجال .
لقد اعتادت المجتمعات الإسلامية على التمسك بأن المرأة خلقت للأسرة و للقيام بشؤونها و تربية الأطفال فقط و لكن ليس هنالك سند واحد في القرآن و السنة يؤكد هذا الرأي فتقسيم المسؤوليات هو ثمرة تقاليد اجتماعية ولكن هذه التقاليد لم تكن نتيجة حكم من أحكام الاسلام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.