-في بيت النبوّة نما الطفل الصغير علي وترعرع. ومن أخلاق النبي، نهل وتشبّع وماهي الا سنوات معدودات حتى هبّت نسمات الرسالة المحمدية وبدأت تباشير الحدث العظيم تتوالى ويهبط جبريل عليه السلام الى رسول الأمة حاملا معه رسالة «إقرأ».. ليجد ذلك الطفل الذي بلغ بالكاد العاشرة من عمره نفسه وسط حدث تاريخي سيغيّر تاريخ البشرية برمتها وسيمهّد لظهور آخر الرسالات على يد آخر الأنبياء... النبي الأمي العربي محمد عليه أفضل الصلاة وازكى التسليم. لكأن سيدنا علي رضي الله عنه نشأ كبيرا.. وبلغ من النضج والادراك في سنوات عمره الأولى. ولكأن ذلك الجسد الطري الذي ترعرع في كنف رسول الله تهيأ ليحمل وزرا ثقيلا من خلال دوره في رفد حامل رسالة الاسلام ومبلغها الى البشرية جمعاء وفي المقدمة منهم قبائل قريش. في تلك الحقبة كانت قبائل العرب ترزح تحت نير الجهل والشرك وعبادة الأصنام. وكانت تسود قريشا نواميس كان يتمسّك بها سادتها ويرفضون اي مساس بها لأن المساس بها هو في الأخير مساس بهم وبمصالحهم وبمكانتهم الاجتماعية وبوجاهتهم.. وهي معان يستمدونها من تحالفاتهم القبلية ومن إشرافهم على الكعبة التي كانت مزارا للقبائل العربية من كل حدب وصوب. وكان طبيعيا إذن ان يرفض «سادة قريش» هذا الوافد الجديدة، الاسلام بواسطة النبي محمد الذي يبشر بإنهاء سلطانهم وبتحطيم أوثانهم وإسقاط آلهتهم لإعلاء راية الواحد الأحد... وفي محيط معاد وصعب كهذا كان طبيعيا ان يحتاج الرسول الى من يصدّقه ويسنده ويشدّ ازره.. وقد اختارت العناية الإلهية ذلك الفتى الصغير علي رضي الله عنه وأهلته لمقادير ومسؤوليات أكبر منه بكثير لكنه حملها بشرف وأمانة. وأبان رغم صغر سنه عن وعي غير مسبوق وعن نضج فريد جعله يكون بعد السيدة خديجة زوج الرسول ثاني من يصدّق رسول الله ويؤمن بأنه لا إله إلا الله وبأن محمدا صلى الله عليه وسلّم رسول الله. ولنا أن نستحضر ولو نزرا قليلا من تبعات تلك الخطوة الشجاعة التي أقدم عليها ذلك الفتى الصغير والذي كبر قبل أوانه ليرتقي الى مستوى اللحظة التاريخية ويلتقط إشارات النبوّة وهي تزدحم في بيت النبوّة.. وليصدّق بأن من استقدمه وكفله هو خاتم الانبياء والمرسلين... ومن كلّفه المولى عزّ وجلّ بإخراج البشرية قاطبة من ظلمات الكفر والشرك الى أنوار التوحيد والإيمان ورغم دقة المرحلة وخطورة الموقف فقد أمن علي وربط مصيره بذلك الحدث الكبير. فإلى حلقة أخرى