من المُخجل في تونس أن يتواصل غلق سكة حديدية منذ سنوات على أيدي مُحتجين ولا تتوصل الدولة إلى حلّ جذري يُنهي الأزمة.. ومن المخجل أن يتواصل تعطيل انتاج الفسفاط، أحد ابرز القطاعات المساهمة في ميزانية الدولة.. ومن المخجل أن لا تقدر الدولة على حماية مواطنيها من المتلاعبين بالأسعار ومن المحتكرين والمضاربين ولا تقدر على حماية أعوان المراقبة من اعتداءات هؤلاء.. ومن المؤسف أن يموت الرّضع والعمال الكادحون وغيرهم بسبب الضعف والتهاون والأخطاء في أجهزة الدولة وبسبب ارتفاع منسوب الفساد داخلها.. ومن المؤلم أن يذوق الفقراء الأمرّين للحصول على مادة مُدعّمة أو للانتفاع بخدمة عمومية في مستشفى أو في الإدارة أو في سائل النقل العمومي للأسباب نفسها.. فوضى هنا وهناك يعيش على وقعها التونسيون بشكل يومي وفي كل المجالات تقريبا دون أن تلوح في الأفق أية بوادر لإمكانية زوالها. فلا المخالفون و"الفوضويون" ارتدعوا وعادوا الى رشدهم وامتنعوا عن ارتكاب المحظور، ولا الدولة أمسكت بزمام الامور كما ينبغي وطبقت القانون وعاقبتهم بشدة وصرامة وقطعت بشكل جذري دابر الفوضى ولا المواطن تمكّن من حماية نفسه بنفسه من هذه الفوضى لأن التيّار غلبه.. ما يعيش على وقعه التونسيون اليوم من فوضى في شتى المجالات مثير للخوف من القادم إذا تواصل الوضع على ما هو عليه. فليس أشد خطرا على المواطن من أن تكون دولته ضعيفة وهشة أمام تغول المافيات وعصابات الاجرام المنظم في شتى المجالات وأمام تعنّت «بارونات» تعطيل الانتاج وأمام استشراء الفساد وأمام اتساع رقعة التهاون داخل أجهزتها ..وليس أشد خطرا على الدولة من أن يكون مواطنها غير آمن في غذائه وفي معيشته، فذلك يُربكه ويؤثر سلبا على مردوديته في العمل وبالتالي على الاقتصاد بشكل عام ويزيد من منسوب الاحتقان لدى الناس تجاه السلطة. إن المطلوب اليوم من الحكومة، وهي في أواخر فترة عُهدتها، أن لا تترك ألغام الفوضى مزروعة في وجه الحكومة القادمة وأن تعمل على استئصالها من جذورها بالقانون وبالقوة العامة وان تتحمل مسؤوليتها كاملة لحماية المصلحة الوطنية العليا ولحماية مواطنيها من كل المخاطر.