التجارة الموازية وراء استشراء هذه الظاهرة... وأبرز مزوّد للباعة المتجوّلين تونس الصباح: رغم تطور النسيج التجاري المنظم بنسق هام يفوق معدل الاستهلاك، حسب آخر التقارير بخصوص الحركة التجارية في تونس، وبروزه في أشكال وفضاءات متعددة ومختلفة من أبرزها المساحات الكبرى والمحلات المتوسطة والصغرى والمراكز التجارية في عديد التجمعات السكنية في ضواحي العاصمة على وجه الخصوص والمدن الكبرى، فإن ظاهرة الإنتصاب الفوضوي مازالت بارزة وتحتل الشوارع والساحات في العاصمة والمدن الكبرى. هذه الظاهرة ليست في الحقيقة بالجديدة بل تعود الى عشرات السنين، كما أنها تنشط بشكل دائم وتتنوع معروضاتها حسب الفصول، ويمارسها أيضا مئات إن لم نقل الآلاف من المواطنين. هم يحتلون الساحات إما بعرباتهم الصغيرة أو من خلال وضع سلعهم أرضا وطرحها في الشارع أوغيرها من الأساليب المتعددة. فلماذا تتواصل هذه الظاهرة كبعد تجاري شاذ وغير منظم؟ هل فرضتها ظروف اقتصادية وتعقيدات إدارية بلدية ؟ لماذا تبقى الساحات العمومية وسط المدن ,ابرز الشوارع والأنهج المكان المحبب لانتصاب هؤلاء الباعة؟ وهل تطورت هذه التجارة وتكاثر نشاطها ؟ وماذا عن انعكاساتها على حركة الشارع والتجارة الرسمية؟ وهل يشدد الخناق على ممارسيها؟ مؤشرات تطور التجارة الرسمية لم تمنع الظاهرة تشير تقارير صادرة أخيرا حول الحركة التجارية في البلاد أن عدد إحداثات المحلات التجارية ضمن المسالك الرسمية تضاعف قرابة 4 مرات خلال العشريتين الأخيرتين، وأن نصيب المساحات العصرية من تجارة التوزيع تطور أيضا ليقارب 15 في المائة مقابل نسبة لا تتعدى 5 في المائة سنة 2000 . وقد شمل هذا التوسع كافة القطاعات الناشطة في عرض وبيع كافة المواد. وهذا النمو وما يعززه من مؤشرات مردودية لا يجب أن يحجب ظاهرة الانتصاب الفوضوي رغم مواصلة التصدي لأشكالها التي تغزو الشوارع وتطالعنا في كل يوم بمعروضاتها المتنوعة وأساليب انتصابها، والفوضى العارمة التي تحدثها لما ينتج عنها من ازدحام، وتجن على أصحاب المحلات التجارية الرسمية التي باتت سلع التجارة الموازية تتكدس أمام أبوابها وعلى بعد أمتار منها. احتياجات اجتماعية وراء تفاقم هذه الظاهرة السعي لتنظيم هذه التجارة وما ينتج عنها من انتصاب فوضوي كان محل بحث متواصل يجمع بين الردع والبحث عن حلول جذرية تمثل استقرارا للناشطين في هذا المجال. لكن يبدو أن هذه الحلول رغم محاولة ارسائها غير مجدية ولا هي أيضا مقنعة لهؤلاء التجار. فالتوجهات في مجال التصدي لظاهرة الانتصاب الفوضوي تهدف حسب ما أفادتنا به مصادر بلدية ومسؤولة في القطاع التجاري إلى إدماج هذه الأنشطة التي غالبا ما أفرزتها احتياجات اجتماعية ضمن حلقات التوزيع المنظمة، وكذلك تقليصها بصفة تدريجية على المدى الطويل إلى نسب معقولة مثلما هو الشأن في العديد من الدول. وفي هذا الصدد علمنا أن وزارة التجارة وضعت برنامجا متكاملا لتأهيل القطاع التجاري بهدف تعصير وتطوير وتنويع نسيج مسالك الترويج المنظمة، وذلك لمزيد تقريبها من المواطن وضمان ديمومة شبكة التوزيع والرفع من مردودها وتطوير نشاطها وتفعيل دورها في إحداث المؤسسات وخلق مواطن الشغل، إلى جانب حماية المستهلك والحفاظ على قدرته الشرائية. إن كل هذه التدابير تعتبر هامة ولها جملة من الأهداف الرامية إلى تعصير وتطوير القطاع التجاري، لكن ما علاقة كل هذا بظاهرة الانتصاب الفوضوي الذي يحط برحاله في كل مكان ويتطور مشهده من سنة إلى أخرى، وتتعمق أساليب تعاطيه لتأخذ أشكالا مختلفة ومظاهر متنوعة في الشوارع والأنهج وأينما كثرت حركة المارة والمواطنين، مما جعله يفرض نفسه أمرا واقعا على الجميع؟ الانتصاب الفوضوي عززته مظاهراستشراء التجارة الموازية عند الحديث حول مظاهر الانتصاب الفوضوي، واستشرائه في كل مكان، هناك سؤال بارز يتبادر للذهن، وربما يمثل انطلاقة البحث في الموضوع: من يزود التجار الذين يتعاطون هذه التجارة، ويغذي نشاطهم اليومي بأنواع السلع التي يعرضونها؟ الجواب واضح، ولا يتطلب بحثا وتفكيرا عميقا، حيث أن الانتصاب الفوضوي يمثل حاليا مظهرا من مظاهر التجارة الموازية. فأسواق هذه التجارة هي التي تغذي هؤلاء التجار بأنواع السلع المستوردة عشوائيا وتغدق عليهم في كل يوم بتلك الأنواع من السلع. من هنا تظهر أسباب إستشراء الانتصاب الفوضوي، وتواصله وتنوع معروضاته التي تأتي من أسواق الجم وبن قردان وسيدي بومنديل والمنصف باي وغيرها من الفضاءات التي تنشط في مجال التجارة الموازية، وتساهم في انتشار الانتصاب الفوضوي بشكل واسع تعجز معه البلديات والمراقبة الاقتصادية والصحية في تطويقه حتى الآن. ومن هذا المنطلق لا يمكن بأية حال من الأحوال الحد من مظاهر الانتصاب الفوضوي وما يترتب عنه من اخلالات تجارية واقتصادية، وما ينجم عنه يوميا من فوضى في عديد الساحات والشوارع داخل العاصمة والمدن الكبرى. والذي يحضرنا في هذا الجانب هو المثل الشعبي الذي يقول "قص الراس .. تيبس العروق".. فإذا استطعنا الحد من انتشار التجارة الموازية ومقاومتها وتنظيمها ستتضاءل مظاهر الانتصاب الفوضوي.