لم يحسم اتحاد الشغل بعد أمره في طريقة خوض الانتخابات القادمة ولكنه عاد مؤخرا ليؤكد أنه معني جدا بها وأن من واجبه تحمل مسؤولية إنقاذ البلاد عبر الاستعداد الجيد للانتخابات فهل يقدر فعلا على توجيهها والتأثير فيها؟. تونس «الشروق»: الاتحاد العام التونسي للشغل معني جدا بالانتخابات وبالمساهمة فيها، وهو «يبعث برسالة تؤكد على ضرورة أن يتم اختيار الناخبين على قاعدة التقييم والبرنامج ومستقبل تونس» وفق ما أكده الأمين العام المساعد سامي الطاهري لوكالة تونس إفريقيا للأنباء على هامش الندوة الوطنية التي عقدها الاتحاد مؤخرا حول خارطة طريق مساهمته في الانتخابات المقبلة. ما هو ثابت حتى اليوم أن «اتحاد الشغل سيشارك في الانتخابات المقبلة بالحد الأدنى النقابي» على حد تعبير الطاهري أما «باقي الفرضيات (المتعلقة بالمشاركة في الانتخابات) مباشرة عبر الترشيح أو الترشح أو بدعم أحزاب دون غيرها فستطرح على أنظار الهيئة الإدارية الوطنية قريبا وذلك بعد انعقاد اجتماع المكتب التنفيذي بالمنظمة الذي سيقرر موعد اجتماعها» وفق إضافته. فما المقصود بالحد الأدنى وما هي الفرضية الأقرب من غيرها؟. الاكتفاء بالدعم؟ يقصد الاتحاد بالحد الأدنى التدخل لحماية الانتخابات وضمان شفافيتها ونزاهتها وذلك عبر دفع منظوريه إلى المشاركة في مراكز الاقتراع ومراقبة الانتخابات بصفة ملاحظين فضلا عن فرض حياد الإدارة ودور العبادة… كما يتضمن هذا الحد الأدنى تشجيع النقابيين على التوجه بكثافة إلى مراكز الاقتراع حتى يساهموا بأصواتهم في إنقاذ البلاد وفق التصور الذي يطرحه اتحادهم. أما المشاركة المباشرة التي لم تحسم بعد فتتضمن في الانتخابات التشريعية فرضيات ثلاث أولها الترشح ضمن قائمات باسم الاتحاد وثانيها ترشيح نقابيين في قائمات مستقلة وثالثها دعم الأحزاب المقربة منه. أما في الاستحقاق الرئاسي فلا نجد غير فرضيتين فإما أن يتم ترشيح أحد أبناء الاتحاد أو أن يتم دعم مترشح تتوفر فيه الشروط والمقاييس التي يحددها. من المفترض ألا يغامر الاتحاد في التشريعية باعتماد الفرضية الأولى وأن يفاضل بين «زرع» بعض النقابيين في قائمات مستقلة وبين دعم بعض الأحزاب دون غيرها. وأن يميل في الرئاسية إلى الفرضية الثانية ولكن أي قدرة له على التأثير في الانتخابات؟. كتلة انتخابية مؤثرة سيكون للاتحاد دور مؤثر جدا عبر ما يسميه ب»الحد الأدنى النقابي» شريطة أن يوفق في فرض حياد الإدارة ودور العبادة ووضع بعض أبنائه في مراكز الاقتراع وإقناع جميعهم بالمشاركة في التصويت. أما المشاركة المباشرة عبر الترشح أو الترشيح أو الدعم فسيكون لها أثر لاسيما في الفرضية الثالثة تشريعيا والثانية رئاسيا، ذلك أن كتلة انتخابية نقابية لا يقل حجمها عن 600 ألف منخرط قادرة على إحداث الفارق. ففي التشريعية من المفترض ألا يقف الاتحاد إلى جانب الأحزاب اليمينية وحتى الوسطية والأحزاب التي لم تتصد «لتفكيك المرفق العمومي وخصخصته وضرب السياسة الاجتماعية…» وفق العبارات التي استعملها أمين عام الاتحاد نور الدين الطبوبي خلال الندوة سابقة الذكر أي إنه لن يقف إلى جانب حركة النهضة ولا تحيا تونس ولا الدستوري الحر ولا نداء تونس (متى تجاوز محنته) ولا حركة المشروع... بل سيقف إلى جانب الحزب الذي يتبنى مقاربة اجتماعية (يمكن أن تتوفر خاصة في الجبهة الشعبية أو حركة تونس إلى الأمام بقيادة النقابي السابق عبيد البريكي). كما لا يمكن في الرئاسية الاستهانة بستمائة ألف صوت إضافي يتم شحنها في رصيد مرشح دون غيره لكن هذا القول يحتاج إلى الكثير من التدقيق: إقناع الاتحاد أولا يمكن لستمائة ألف صوت أن تؤثر في الانتخابات، لكن هذا مجرد مبدأ أو فرضية تخضع لاستثناءات كثيرة، أولها أن الاتحاد لن ينجح بالضرورة في جر هذه الكتلة كلها إلى مراكز الاقتراع، وثانيها أن فرضية النجاح في إقناعها بالمشاركة في التصويت لا يعني إقناعها بالتصويت لجهة دون أخرى ذلك أن أغلب النقابيين منضبطون حزبيا أكثر من انضباطهم نقابيا بما يعني أن بعضهم سيختار الطرف الذي يواليه ويؤمن به لا الطرف الذي اختارته له منظمته النقابية. على أن التأثير الحقيقي قد يظهر على مستوى البرامج الانتخابية والوعود فالأحزاب مقتنعة بقوة الاتحاد وإمكانية الاستفادة من دعمه وإمكانية التضرر من مخاصمته لهذا ستحاول عديد الأطراف تكييف برامجها الانتخابية وتوجهاتها وأهدافها بما يرضي الاتحاد. لن نفاجأ إذا ركزت بعض الأحزاب على إقناع المنظمة النقابية الأقوي في البلاد أكثر من تركيزها على عموم الناخبين ولن نفاجأ أيضا إذا تحول بعضها بخيارها إلى أحزاب موالية للاتحاد وحتى ناطقة باسمه وهذا في حد ذاته كسب مهم للاتحاد وإثبات لقدرته على توجيه الانتخابات والتأثير فيها. تاريخ الاتحاد مع الانتخابات شارك اتحاد الشغل مشاركة فعلية في أول انتخابات بعد الاستقلال ضمن جبهة وطنية آزر فيها بورقيبة وحزبه ونجح في الوصول إلى البرلمان (مجلس الأمة سابقا) والمشاركة في الحكم بعدد من الوزراء. لكن مواجهته مع النظام البورقيبي انطلاقا من سنة 1978 حد من دوره السياسي حتى كانت عودته إلى معترك السياسة سنة 1981. وقد أصبح مؤيدا للسلطة في فترة حكم بن علي رغم المعارضة المحتشمة التي كانت تبديها بعض نقاباته القطاعية بعد سيطرة اليسار المعارض عليها. وبعد الثورة لم يشارك الاتحاد في انتخابات المجلس التأسيسي سنة 2011 ولا انتخابات 2014 التشريعية والرئاسية لكن دوريه الوطني والسياسي ظلا يتعاظمان حتى تحول إلى أكبر مؤثر في المشهد السياسي وعلينا أن ننتظر بعض الوقت لنعرف طبيعة مشاركته في الانتخابات القادمة.