من مراعاة الله الأقوال ما روي في «صحيح مسلم» عن الله تعالى لما مطرت السماء قال عز وجلّ: «أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر: فمن قال: مُطرنا بنوء كذا وكذا فهو كافر بي مؤمن بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب». فراعى أقوال القائلين. وكان أبو هريرة يقول إذا مطرت السماء: «مُطرنا بنوء الفتح»! ثم يتلو ﴿ما يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ من رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها﴾ [فاطر:2] ولو كنت تعتقد أن الله هو الذي وضعَ الأسبابَ ونصَبَها وأجرى العادةَ بأنه يفعل الأشياء عندها لا بها، فمع هذا كلِّه لا تقُلْ ما نهاك الله عنه أن تقوله وتتلفّظَ به؛ فإنه كما نهاك عن أمور نهاك عن القول وإن كان حقا. وانظر ما أحكم قول الله عز وجل في قوله: «مؤمن بي كافر بالكواكب، وكافر بي مؤمن بالكواكب»؛ فإنه مهما قال: «بفضل الله» فقد ستر الكوكب حيث لم ينطق باسمه! ومن قال: «بالكوكب» فقد ستر اللهَ، وإن اعتقَدَ أنه الفاعلُ مُنزِلُ المطر، ولكن لم يتلفَّظْ باسمِهِ!؛ فجاء تعالى بلفظ «الكفر» الذي هو: «الستر». فإياك والاستمطارَ بالأنواء أن تتلفظَ به فأحرى إن تعتقدَه، فإن اعتقادك إن كنتَ مؤمنا أن الله نصَبَها أدلة عادية وكلُّ دليل عاديٍّ يجوز خرقُ العادة فيه! فاحذر من غوائل العادات، ولا تصرفنّك عن حدود الله التي حدّ لك فلا تتعدَّها؛ فإن الله ما حدّها حتى راعاها وذلك في كل شيء. ورد في الخبر الصحيح «إنّ الرجل يتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيهوي بها في النار سبعين خريفا، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيرفع بها في عليين» [متفق عليه]. فلا تنطق إلا بما يُرضي الله لا بما يُسخط الله عليك، وذلك لا يتمكن لك إلا بمعرفة ما حدَّهُ لك في نطقُك، وهذا بابٌ أغفَلَهُ الناس.