قال الله عز وجل: {خَلَقَ الْمَوْتَ والْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2]، والبلاء والفتنة بمعنى واحد، وليس إلا الاختبار لِما هو الإنسان عليه من الدعوى؛ {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ} أي: اختبارك {تُضِلُّ بِها من تَشاءُ} أي: تُحيّره {وتَهْدِي بها من تَشاءُ} [الأعراف: 155] أي: تبين له طريق نجاته فيها. وأعظم الفتن: النساء، والمال، والولد، والجاه. فهذه الأربعة إذا ابتلى الله بها عبدا من عباده أو بواحد منها، وقام فيها مقام الحق في نصبها له، ورجع إلى الله فيها ولم يقف معها من حيث عينها، وأخذها نعمة إلهية أنعم الله عليه بها فردته إليه تعالى، وإقامته في مقام حق الشكر وحقه الذي هو رؤية النعمة منه تعالى؛ كما ذكر ابن ماجة في سننه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « أوحى الله إلى موسى عليه السلام به فقال له: يا موسى اشكُرْ لي حقَّ الشكر، قال موسى: يا ربّ وما حقُّ الشكر؟ قال له :يا موسى إذا رأيتَ النعمةَ مني فذلك حقُّ الشكر». ولما غفر الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ما تقدم من ذنبه وما تأخر وبشره ذلك بقوله تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ الله ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ} [الفتح: 2] قام حتى تورّمت قدماه شكراً لله تعالى على ذلك، فما فتر ولا جنح إلى الراحة! ولما قيل له في ذلك، وسُئل في الرفق بنفسه قال صلى الله عليه وسلم: «أ فلا أكون عبدا شكوراً ؟» [رواه مسلم]، وذلك لما سمع الله يقول: {بل الله فاعبد وكن من الشاكرين} [الزمر: 66]. فإن لم يقم في مقام شكر المنعم فاته من الله هذا الحب الخاص بهذا المقام الذي لا يناله من الله إلا الشكور؛ فإن الله يقول: {وقَلِيلٌ من عِبادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13]، وإذا فاته ما له من العلم بالله، والتجلي والنعيم الخاص به في دار الكرامة، وكثيب الرؤية يوم الزور الأعظم؛ فإنه لكل حب إلهي من صفة خاصة علمٌ وتجلٍّ ونعيم ومنزلة لا بد من ذلك يمتاز بها صاحب تلك الصفة من غيره.