يوم الأحد كان يوما عصيبا في محطات التزود بالوقود حيث تراصت طوابير السيارات لملء الخزانات بعد ان سرت إشاعة بين الناس تقول إنّ قطاع المحروقات سيدخل في إضراب بثلاثة أيام بداية من 27 ماي. تونس الشروق: الخبر هذه المرة وجد رواجه الواسع وتفاعله السريع من قبل التونسي وهو الذي عايش قبل اقل من شهر اضراب عام في قطاع المحروقات دام ثلاثة أيام وأدى الى شلل الحركة في البلاد وانتهى الامر الى تسخير الجيش لنقل المحروقات وتزويد محطات الوقود. «شكون يعرف» تنقّلنا يوم الاحد بين محطّات الوقود في العاصمة وعاينّا حجم الطوابير وحالة القلق التي كانت بادية على وجوه أصحاب السيارات بعد ان تناها الى مسامعهم خبر نفاذ مادة البنزين. فتزامن الاضراب المزعوم مع اقتراب عطلة العيد جعل الكل يملأ خزّان سيارته بدل الحصول على كميّة تكفيه لأيام الاضراب. طارق، شاب ثلاثيني، كان يجلس خلف مقود سيّارة والده ينتظر دوره في الطابور الطويل وكان يشغل نفسه بتصفّح هاتفه الجوّال. ورغم عثوره على خبر يقول إنّ وزارة الصناعة ومنظمة الأعراف والاتحاد العام التونسي للشغل يؤكدون انه ليس هناك أي اضراب للمحروقات يوم الاثنين 27 ماي إلاّ أنّه ثبت في مكانه في الطابور «شكون يعرف» هكذا يقول وهو يثبّت نظّاراته الطبيّة أعلى انفه ويرفع رأسه من شاشة هاتفه الجوّال ليتحدّث إلينا. تعوّد طارق السهر الى ساعة متأخرة من الليل وقد علم من الفايسبوك بعد منتصف ليل السبت ان قطاع المحروقات سيدخل في اضراب جديد بثلاثة أيام مطلع الأسبوع بعد اضراب مشابه عاشه بداية شهر ماي «لأجل هذا تركت رسالة لأبي على هاتفه الجوّال كي يستيقظ ويخرج باكرا لمحطة الوقود لملء خزّان السيارة خاصة واننا سنمضي العيد مع أهلنا في بن قردان. وفعلا تنقّل والدي في حدود الساعة الحادية عشر صباحا الى المحطة المجاورة لمنزلنا ولكنه لم يحصل على حصته من البنزين بعد ان نفذ بسبب التوافد المبكر للسيارات حينها عاد الى المنزل وطلب منّي التنقّل الى محطّات الوقود المجاورة علّنا نعثر على حصتنا». يضيف طارق وهو يثبّت نظّارته الطبيّة ثانية «كان مشهد الطوابير صادما وللحظة خلت أنني سأحرم من رحلتنا الى الجنوب فالناس جاؤوا بسياراتهم وجلبوا معهم اوعية بلاستيكية لملئها بالوقود كان المشهد يشبه الاستعداد لحالة حرب وفجأة جاءتنا الاخبار السارة عبر المحطات الإذاعية حيث اكد الجميع انه ليس هناك اضراب ولكن ها انّي استمرّ في هذا الطابور انتظر دوري لملء خزّان سيارتنا «شكون يعرف» قد تتغيّر الأمور في الساعات القادمة وقد يتم تنفيذ هذا الاضراب فالاختلافات وعدم اكتراث السلطات بحلّ الازمات في القطاعات الاستراتيجية كالمحروقات يجعلنا عرضة لاي تعطيلات مفاجئة». كان الطريق يتّسع لمرور سيّارتين متجاورتين ولكنّ طابور السيّارات المتلاصقة على صفّين متحاذيين جعله يضيق وجعل المكان يشهد زحمة مرورية خانقة وكان الكل يصرخ «ما ثمّاش اضراب ما سمعتوش الراديو» ولكن الكل كان على قناعة بان «شكون يعرف» هي النتيجة المنطقية قد تنتهي اليها الأمور باعتبار حالة التعطّل التي أصبحت تسود الخلافات في مختلف القطاعات بين النقابات والسلطات الرسمية. ليلى، أستاذة تعليم عال اصيلة الجنوب التونسي، استمرّت في الطابور الى غاية الساعة الرابعة والنصف مساء تنتظر الحصول على البنزين «لا وقت لي للمفاجآت غير السارة فغدا عليّ التوجه الى مسقط رأسي لزيارة امي التي اجرت عملية جراحية وايا كانت التكذيبات لا اريد ان اتفاجأ بان غدا يوم اضراب فنحن نعيش عصر «امر دُبّر بليل» ولا نعلم اين الحقيقة صار لدينا خلط بين الحقيقة والإشاعة وعموما تعوّدنا ان الاشاعة تسبق في الغالب كل الحقائق التي سنعيشها غدا لأجل هذا اصبحنا نصدّق الاشاعة ونتفاعل معها ولأجل هذا نحن هنا في هذه الطوابير الطويلة ننتظر الحصول على البنزين». وتضيف ليلى قبل ان ترد على هاتفها الجوّال «الحكومة تعرف لماذا أصبح التونسي يتفاعل مع الإشاعة وربّما يصدّقها فهو لم يحصل على الثقة التي يطلبها ولا على الصدق في القول الذي باستطاعته ان يجعله لا يصدّق الإشاعة» كان الكل في حالة غضب من تكرر ازمة المحروقات وغيرها من الازمات وكان الكل على علم بالتكذيبات المتواترة من قبل مسؤولي وزارة الصناعة ومنظمة الأعراف والاتحاد العام التونسي للشغل ورغم ذلك القليل فقط من بارح بالمغادرة دون الظفر بالبنزين أما الأغلبية فقد استمروا في مواقعهم في الطوابير الطويلة رغم اقتراب موعد الإفطار ورغم نفاد البنزين في المحطة. كل هؤلاء كانوا رهائن القناعة بان «شكون يعرف» هي سيدة كل المواقف وبان الامر قد ينتهي الى اضراب حقيقي يعطّل كل المصالح. في المحصلة اظهر الخبر المزعوم حول اضراب قطاع المحروقات ان التونسي اصبح هشّا امام الإشاعة وانّه ربّما يذهب الى تصديقها اكثر من الحقيقة ذاتها إنّه عصر الإشاعة «أصدق» من الحقيقة. وقد سمحت الميديا الاجتماعية وخاصة موقع فايسبوك في تسهيل نشر ورواج الاشاعة والتي يصعب محو آثارها سريعا في هذا الفضاء. نحن إزاء وضعية سوسيولوجية ونفسية جديدة للفاعل الاجتماعي التونسي وهي وضعية لا تبدو سليمة وقد تكون لكل هذا تداعيات على المسار الانتخابي وبالتالي على المستقبل السياسي والاجتماعي للبلاد فهذه الهشاشة تجاه الإشاعة تجعله أيضا مستهلكا سلبيّا للاخبار الزائفة التي يروّج لها الخصوم السياسيون في تونس لضرب بعضهم البعض في اطار الصراع الانتخابي او تلك التي تروّج لها قوى خارجيّة معادية للتجربة الديمقراطية الوليدة في تونس. المنجي الزيدي (أستاذ تعليم عال بجامعة تونس) الاشاعة ذخيرة حرب مدمرة تونس الشروق: قراءة أسماء سحبون كتب المنجي الزيدي أستاذ التعليم العالي في جامعة تونس بحثا قصيرا حول الاشاعة كانت قراءتنا فيه كالتالي:»وصف الخبير الدولي في الاتصال جون نوال كابفيرر الاشاعة بانها «ظاهرة غامضة وشبه سحرية...تطير وتزحف وتتعرج وتعدو...اما تاثيرها في البشر فاشبه بالتنويم المغناطيسي وخصوصا انها تبهر وتغوي وتسحر الالباب وتلهب الحماسة». وهي تعرّف سوسيولوجيا بانها خبر ينسب الى مصادر موثوق بها ولكنها غير معلنة يتم تداوله بشكل سريع داخل الجماعة التي تميل الى تصديقه رغم عدم امتلاكها دليلا قاطعا على صحته. وهي تكتسب سرعة الانتشار من طبيعتها غير المالوفة بوصفها تكشف المستور وتنبه الى خطر ومن ثمة تستفز الخيال وتثير الانفعالات وتشكل المواقف الجماعية». كما يقول الباحث إنّ «للاشاعة دورة حياة فهي تولد فجاة وتنتشر بسرعة وتحوز على اهتمام متعاظم وتبلغ الذروة ثم تتراجع وتتفكك وتنطفئ. كما ان لها سياقا اجتماعيا يحتضنها ومضمونا اتصاليا تحمله. وهي تؤدي جملة من الوظائف الاجتماعية والنفسية اذ تعبر عن الهواجس والتساؤلات الجماعية خاصة في الظروف التي تتسم بالغموش والحيرة والتهديد والخطر فعندما تعجز الجماعة عن الفهم تتبنى فرضيات عدة وتتداولها ومن ثمة تولد الإشاعة. وهي بهذا المعنى نتاج جماعي يعكس عدم الثقة في مصادر المعلومات الرسمية والاستعاضة عنها بحياكة معلومات غير رسمية ولكنها تحظى بالاجماع. ويصدّق الناس الاشاعة، بحسب المنجي الزيدي، لانها قابلة للتصديق ولانها تجد ما يبررها في السياق الاجتماعي الذي تنشا فيه وكلما زاد التركيز الإعلامي على قضية الا ووجدت الاشاعة ما ينعشها. واعتبر ان صناعة الاشاعة فعل اتصالي فهي رسالة مضمونة الوصول غير مكلفة وسهلة التناقل ولا احد يتحمل مسؤوليتها وهي ذات تاثير جسيم ومن هنا تتحول الاشاعة الى سلاح خفي لا بد ان يبقى من شظاياه اثر ما عملا بالمقولة المنسوبة لفرانسيس باكون «المزيد المزيد من الافتراء فسيبقى دائما منه شيء». ولكن الادهى والامر بالنسبة لمنجي الزيدي هو ان هذا السلاح تحول اليوم الى ذخيرة حرب مدمرة تعرف بالفايك نيوز أي الاخبار الزائفة وهي حرب تستهدف تدمير الذوات والاعراض ولا يسلم منها الافراد والجماعات ولا حتى الأوطان. وعموما انتهى البحث الى القول بان الاشاعة باشكالها المختلفة هي انعكاس لازمة قيم في السلوك السياسي والاجتماعي وهي تعبير عن انعدام التواصل والثقة بين النخب السياسية والمجتمع.