كان خميس الترنان سنة 1934 من أبرز الشخصيات الفنية التي أسهمت في تنفيذ إحدى توصيات المؤتمر الموسيقي المذكور وذلك بتأسيس أوّل جمعية موسيقية تونسية تعنى بجمع التراث الموسيقي مع إحيائه وبثه لدى الأجيال الصاعدة. وقد انتخبت هيئة إدارية برئاسة شيخ المدينة مصطفى صفر وعين فيها خميس الترنان معلما للتراث إلى آخر حياته. وبمناسبة مرور سنة على تأسيس هذه الجمعية التي سميت «الرشيدية» (نسبة إلى الملك محمد الرشيد باي (1710 1759م) الذي اعتنى بالأدب والفن وجمع ما أتى به اللاجئون الأندلسيون منه ورتبه وأغناه بالإنتاج الجديد المتأثر بالموسيقى التركية) توجهت العناية إلى إنتاج الجديد، وأجريت مباراة في التلحين بين الفنانين المنتمين للجمعية فاز فيها خميس الترنان بالجائزة الأولى بتلحينه أغنية من نظم المرحوم علي الدوعاجي يقول مطلعها يا لايمي يزيني من صاب عينك عيني غنتها مطربة الرشيدية الوحيدة آنذاك شافية رشدي في حفل أقيم بالمسرح البلدي بالعاصمة. وبفضل هذه البادرة فتح مجال الانتاج أمام خميس الترنان فلحن أولى أغاني الشيخ : «محال كلمة آه تبري العلة»، كما لحن للشيخ بلحسن بن شعبان أغنية من نوع الفوندو «اللي كواتو نار المحبة وجفاه المحبوب حالو ظاهر ما يتخبّى من عقلو مسلوب «وللشاعر محمود بورقيبة : «لو كان تعرف بعدك اللي جرالي لازم تحن وتسخف على حالي» وللإشارة فقد برزت الرشيدية في ظروف سياسية واجتماعية صعبة، إذ اقترن تاريخ تأسيسها بتاريخ تصاعد العمل النضالي على مختلف الجبهات والاصعدة الفكرية والعلمية فظهور الرشيدية في هذه الفترة السياسية اي فترة الثلاثينيات ليس من باب الصدفة بل هو عمل ثقافي من أبرز غاياته المحافظة على الشخصية التونسية من الذوبان، إذ أراد المستعمر وأعوانه أن تنخلع تونس عن الحضارة العربية وينسلخ تراثها الموسيقي والغنائي عن الحضارة والثقافة العربية والإسلامية وعملت الرشيدية منذ تأسيسها على تنمية التراث الموسيقي والعمل على ايجاد نوبات اخرى للمألوف وإضافة مجموعة من الاعمال الموسيقية الفردية إلى رصيدها وما زالت تعمل على التعريف بالتراث الموسيقي التونسي لدى مختلف الشعوب وقد قدمت عروضا موسيقية رائعة في عديد البلدان العربية والإسلامية والأوروبية ودعمت كذلك النشر الخاص بالموسيقى حيث نشرت العديد من الكتب التي تعرف بشيوخ الموسيقى في تونس من بينهم الشيخ خميس الترنان والشيخ أحمد الوافي . يتبع