بين صائفة 2017 وصائفة 2019، لم يختلف المشهد كثيرا في تونس: موجة من الحرائق الكبرى التي تأتي على آلاف الهكتارات. وبينما اقتصرت في 2017 على المناطق الغابية، لكنها هذه المرة شملت صابة الحبوب وسط تساؤلات ومخاوف عديدة. تونس – الشروق – تعددت في الآونة الأخيرة حرائق مئات الهكتارات من حقول الحبوب وبعض الغابات بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة وهو ما أثار حالة من المخاوف والذعر لدى مزارعي الحبوب ولدى متساكني المناطق الغابية. وتكمن أسباب المخاوف أساسا في وجود شبهات «الفعل العمد» وراء هذه الحرائق، وهو ما يجعل كل المناطق بلا استثناء مستهدفة لا سيما مناطق المساحات الكبرى من الحبوب، ذلك ان فرضيات الحرائق التلقائية والناتجة عن الاهمال او عدم الاحتياط تبقى في كل الاحوال محدودة وتحصل كل صائفة وتعوّد التونسيون حصولها سنويا في الغابات او في الحقول وأسبابها عديدة (أعطاب في آلات الحصاد – اشعال النار قرب الحقول او الغابات دون أخذ الاحتياطات – القاء بقايا السجائر). أما أن يتحوّل الأمر الى حوادث يومية ومتتالية وأحيانا أكثر من مرة في اليوم الواحد وفي ظرف فترة وجيزة فذلك ما يثير المخاوف والشكوك ولا يجب بالتالي السكوت عنه. أسباب تعددت في اليومين الأخيرين التفسيرات حول أسباب هذه الموجة «الغريبة» من الحرائق خصوصا بعد استبعاد فرضية الحرائق التي تندلع بصفة تلقائية. بالنسبة للغابات يتحدث البعض عن وجود مصالح اقتصادية واجتماعية وراء ما يحصل. حيث راجت في السنوات الفارطة فرضية تعمد البعض حرق الغابات للاستفادة من كميات الحطب التي تنتج عن الحرائق واستغلالها في نشاط انتاج الفحم. كما تحدث آخرون أيضا عن فرضية تعمد البعض حرق المناطق الغابية لاستغلالها في ما بعد كأراض صالحة للبناء أو كمراع للمواشي.. أما بالنسبة لحرق حقول الحبوب، فقد تحدث البعض عن وجود دافع تصفية الحسابات الشخصية حيث يذهب صاحب حقل الحبوب ضحية خلاف شخصي أو عائلي مع أطراف اخرى تنتقم منه بإشعال صابة الحبوب التي على ملكه. حسابات سياسية؟ يعتبر كثيرون أنه لا يمكن أن تكون كل حرائق الحبوب التي اندلعت في الأيام الاخيرة تصفية حسابات شخصية أو عائلية. ذلك أن 63 حريقا التي اندلعت في حقول الحبوب وأتت على 514 هكتارا خلال عطلة عيد الفطر ونهاية الأسبوع الماضي بعديد مناطق البلاد لا يمكن ان تكون كلها تلقائية أو تصفية حسابات شخصية وعائلية .. وهو ما دفع بالبعض الى الحديث عن فرضية وجود حسابات أخرى وراء ما حصل على رأسها الحسابات السياسية. فهناك من يتحدث عن وجود رغبة لدى البعض في ارباك عمل الحكومة وانهاكها واضعافها باعتبار ان رئيسها وأعضاءها معنيون بالانتخابات القادمة ويمثلون خصما سياسيا بالنسبة لأطراف أخرى. وهناك ن يتحدث ايضا عن وجود رغبة لدى بعض الاطراف السياسية في تأجيل الانتخابات لذلك وجدوا في الحرائق طريقة لإرباك الرأي العام وارباك الدولة بشكل عام حتى يتقرر تأجيل الانتخابات خاصة إذا ما تفاقمت الاوضاع نحو الأسوأ لا قدر الله. كما يقول آخرون أيضا أن بعض كبار الفلاحين ومزارعي الحبوب في بعض الجهات انخرطوا في النشاط السياسي وأصبحوا يدعمون أطرافا سياسية معينة خاصة الدعم المالي، وقد يكون ذلك أيضا من بين الأسباب التي جعلتهم عرضة ل«الانتقام» السياسي من بعض الخصوم السياسيين في تلك الجهات حتى لا يقدموا الدعم المالي لخصومهم في الانتخابات القادمة ويقع بالتالي ارباك حملاتهم الانتخابية واضعاف حظوظهم للفوز. غير ان كل هذه الفرضيات تبقى في حاجة الى اثباتات لتأكيدها أو لنفيها وهو ما يجب ان تعمل على توضيحه السلطات المعنية. اهتمام الرأي العام ويذهب آخرون ايضا إلى حد الحديث عن فرضية وجود نزعة العمد في هذه الحرائق من أجل تحويل وجهة اهتمام الراي العام من القضايا الحقيقية في البلاد التي عادة ما تثير الغضب والاستياء لدى المواطن (ارتفاع الاسعار – ضعف أداء السلطة – تراجع الخدمات العمومية – ارتفاع الضرائب والاداءات – عدم الزيادة في الأجور..) الى الاهتمام بهذه الكارثة الطبيعية الكبرى التي عادة ما تشد انتباه الناس. ما ينتظره التونسيون هو ضرورة الكشف عن حقيقة هذه الحرائق التي تبث من صيف الى آخر الخوف والذعر في النفوس وتثير عديد التأويلات والشائعات وفي كل مرة تبقى الرواية الرسمية للدولة غائبة وهو ما يزيد من تأجيج «نيران» الشائعات والاتهامات المتبادلة ويزيد من حالة الاحتقان لدى الرأي العام. أين الحقيقة؟ بقدر ما ينتظر التونسيون بفارغ الصبر الكشف عن أسباب الموجة الاخيرة من الحرائق التي أتت على مئات الهكتارات من حقول الحبوب، إلا أنهم ينتظرون أيضا من الحكومة ان تكشف عن الاسباب الحقيقية التي كانت وراء حرائق السنوات الماضية خاصة حرائق صائفة 2017 التي أتت على عدد كبير من الغابات والتي مازالت غامضة الى اليوم، وهل انها بالفعل أسباب شخصية أم تقف وراءها حسابات أخرى بما في ذلك الحسابات السياسية. ولا يُعرف ان كانت السلطات المعنية قد توصلت الى الحقيقة حول تلك الحرائق ام انها عجزت عن ذلك بسبب ضعف التحقيق والبحث ولا يُعرف إن كان المتورطون فيها قد نالوا جزاءهم ام تمكنوا من الافلات من العقاب بطرق مُلتوية.