مسعى الانتقال من الاسلام السياسي نحو مفهوم الاسلام الديمقراطي، ومحاولة تسويق طابعها المدني دفعا حركة النهضة نحو تبني صورة اتصالية مغايرة أفرزت تعبيرات مختلفة من بينها بروز عناصر داخلية بملامح «تُركية غربية». فماهي مدلولات هذا الخيار، وماهي انعكاساته المحتملة عليها؟ تونس «الشّروق» : وأثار تعيين القيادي الجديد الشاب في النهضة سامي العربي معتمدا جديدا بسيدي بوعلي من ولاية سوسة جدلا واسعا في مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بناء على الصورة الاتصالية التي ظهر بها والتي دعت الى تلقيبه ب»مُهنّد النهضة» نسبة الى الممثل الوسيم «كيفانش تاتليتوغ» الذّي يحظى بشعبية عربية واسعة بعد لعبه دور «مُهنّد» في احد المسلسلات التركية. فببشرة بيضاء اللّون، ولحية قصيرة ومُرتّبة ،وعُيون فاتحة اللّون وحرص على الابتسامة الجميلة الّتي ظهر بها «مهند النهضة» الجديد بملامح قوقازية (نسبة الى شعوب القوقاز في تركيا) سوقت النهضة صورة اتصالية جديدة ألفها الجمهور في المسلسلات التركية التي تسوق ثقافتهم ونمطهم المجتمعي في العالم. هذه الصورة أو تفاصيل هذا الملمح لا تقتصر على معتمد سيدي بوعلي فحسب، فالصورة ذاتها مع بعض الاختلافات الجزئية تكاد تؤثث الصورة السيميولوجية الجديدة لعدد من عناصر النهضة التي تقدمها منذ مؤتمرها العاشر ومن بينها عضو مكتب علاقتها الخارجية المستقيل مؤخرا محمد غرّاد. فماهي مدلولات هذا الخيار؟ مدلولات الصورة الجديدة من جهته يرى المختص في علم الاجتماع السياسي الطيب الطويلي في تصريحه ل››الشروق›› أنه مع اقتراب الموعد الانتخابي يحاول كل حزب وكل فاعل أو ناشط سياسي الاشتغال على محاولة استقطاب عدد أكبر من الناخبين ونيل رضا مختلف المشارب والتوجهات الفكرية والاجتماعية والسياسية عبر أساليب دعائية مختلفة. ويعتبر الطويلي أنه ولمحاولة اكتساب قواعد انتخابية متنوعة ومختلفة إلى درجة التضاد لا يمكن للفاعل السياسي أن يكون خطابه معتمدا على المباشراتية، وإنما يحاول أن يتوجه إلى وجدان الناخب معتمدا أحيانا علامات غير لسانية أهمها الصورة التي يضمنها بعض الإسقاطات الرمزية المكانية أو الدينية أو الثقافية محاولا بذلك دغدغة بعض الميولات الفكرية أو الانتماءات الهوياتية. وفي هذا السياق استعملت حركة النهضة سابقا ولا تزال وفق محدثنا صورة المرأة غير المحجبة لكسر تهمة التعصب الديني التي تلاحقها. كما استعملت الجبهة الشعبية بعض الرموز الدينية اللباسية لكسر تهمة الإلحاد التي تلاحقها شعبيا مضيفا أن هذه الدلالات السيميائية للصورة تتطور حسب الظروف الاجتماعية والفكرية والتاريخية للاستحقاق السياسي. ويخلص الطويلي الى ان حركة النهضة مهتمة كثيرا بدلالة الصورة وهي تتطور في ذلك وتتخذ أهدافا ومعاني مختلفة. فبعد صورة إلغاء الحجاب في الانتخابات التشريعية التي تلت الثورة والتي قدمت فيها رسالة تشير إلى التفتح الديني، قدمت حركة النهضة في الانتخابات البلدية كمثال صورة لمرشحتها سليمة بن سلطان كدلالة على أن الحركة تسعى الى أن تكون صورة المرأة التونسية على هذه الشاكلة العصرية والمتفتحة . وتعيد حركة النهضة هذه الرسائل اللامنطوقة مع وجوه مثل معتمد سيدي بو علي أو محمد غراد أو زياد العذاري . حيث تقدم صورة هؤلاء وشكلهم العصري والمرتب صورة عن حركة النهضة التي تحاول أن تقدمها للمجتمع التونسي. نتائج عكسية ويعكس تطور اهتمام النهضة بالصورة غير المنطوقة ماتعيشه في الداخل من تخبط عملية الانتقال من الاسلام السياسي الى مسمى الاسلام الديمقراطي، ومن دفعا يشق داخلها نحو الانفتاح وتسويق رسائله الاتصالية في الخارج تخلصا من ادبياتها الاصولية التي لا تخدم المرحلة الحالية. وفي المقابل يرى أستاذ الاتصال الجماهيري والعلاقات العامة صلاح الدين الدريدي في تصريحه ل››الشروق›› أن اسقاط صور «التمغرب» (نسبة الى الغرب) على النمط المجتمعي التونسي تناقضه وتعود بنتائج عكسية مثلما جرى مع المعتمد الجديد الذي جوبه بحملة كبرى على الفايسبوك بلغت حد نشر صور اخرى له تسوق لصورة «المتشدد التائب». كما اعتبر الدريدي ان مقاربة الموضوع بالاركان الحسية والذهنية والرمزية يكشف عموما وقوع المجتمع التونسي في أزمة مع صور ذواتها، لافتا الى الفترة الموالية للثورة انبثقت عنها صور حسية ورمزية للمجتمع التونسي سرعان ما انتقلت الى صور بشعة ابرزت الاسقاطات الغريبة. واعتقد الدريدي في الصورة الرمزية التي تقدمها الحركة عدم وجود تجانس يرسخ هوية ‹›النهضوي التونسي»، حيث ان الصورة العامة مشوبة بتناقضات عديدة بين السافرات والمتحجبات بطرق مختلفة وغيرها لافتا الى أن وراء هذا الخطأ الاتصالي عقدة عامة لكل التونسيين مع الصورة ودلالة على مخاض داخلي يريد بكل الطرق التسويق لصورة الانفتاح والمدنية. تطوّر وإلهاء دون الناشط السياسي فيصل المباركي تعليقا على تعيين سامي العربي معتمدا لمعتمدية سيدي بوعلي :»هذا الشاب الأنيق الوسيم بعد أن صبغ جميع شعره، ليس مهند، ولا غيره من أبطال المسلسلات المكسيكية والتركية. إنه شاب عاطل عن العمل عينته حركة النهضة معتمدا لتوفر له موطن شغل وحتى تصنع به الحدث ويملأ الفيس بوك ويشغل النساء. وتوجه النهضة من خلال تعيينه رسائل كثيرة وتربح جولات في معركتها الانتخابية... انهم يتطورون ويتغيرون بسرعة كبيرة والبقية ينقسمون ويتشظون يوميا»