هدية لا تقدر بثمن قدمها تعديل القانون الانتخابي لرئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي، فحتى الأيام القليلة الماضية كان الباجي منزوع الإرادة فاقدا للتأثير السياسي أما اليوم فقد استعاد زمام المبادرة وصار اللاعب المحوري. تونس الشروق: قليل الظهور، عديم التأثير، فاقد للصلاحيات… هكذا بدا رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي خلال الأيام التي سبقت الحديث عن التعديلات المقترحة على القانون الانتخابي قبل عرضها على مجلس نواب الشعب للتصويت. خلال الجدل الدائر حول التعديلات ومدى دستوريتها وخلفيتها وهويات الأشخاص المتضررين منها وتكتيكات التوافق بين الكتل البرلمانية… ظل الباجي يتابع بصمت ما يحدث تحت قبة البرلمان وخارجها دون أن يعلق حول الموضوع سواء بتبرير التعديلات أو الإعتراض عليها حتى إذا حانت اللحظة الحاسمة والفارقة، عدّل جلسته واستعد للإمساك بزمام المبادرة فصارت الأنظار كلها متجهة نحوه. الباجي هو صاحب الكلمة الفصل في المشهد السياسي هذه الأيام هذه الأهمية يستمدها من صلاحيته الدستورية أولا ودهائه السياسي ثانيا: نقطة عبور أولى أصحاب المبادرة نجحوا في تمريرها لكن التعديلات تجاوزت فقط مرحلتها الأولى وهي نقطة العبور البرلمانية دون غيره ولن تصبح نافدة إلا بعد تجاوز عدد من المراحل الأخرى التي تحتاج إلى رئيس الجمهورية. فالتعديلات تحتاج في مرحلتها الثانية إلى الإجازة الدستورية وقد اعتبر القانون رئيس الجمهورية واحدا من الأطراف التي يحق لها أن تطعن في دستورية القانون وأن تنبه الهيئة المؤقتة لمراقبة دستورية مشاريع القوانين، فإما أن تقتنع الهيئة بعدم دستورية القانون فيلعب رئيس الجمهورية دوره كاملا في رد القانون (مشروع القانون بصيغة أدق) إلى مجلس نواب الشعب حتى يراجعه ويعيد التصويت عليه، وإما أن تقتنع الهيئة بدستورية القانون فتجيزه لكن هذه الإجازة لا تحد من دور رئيس الجمهورية بل تفتح أمامه بابا آخر للتحكم في المشهد السياسي. فبإمكان رئيس الجمهورية أن يلوذ بواحد من أخطر أسلحته وهو الاستفتاء إذ يستطيع أن يدعو المواطنين إلى التصويت على إجازة التعديلات من عدمها بغض النظر عن موقف الأغلبية داخل مجلس نواب الشعب. صلاحيات دستورية تكمن أهمية الاستفتاء في تحول الشرعية من مجلس نواب الشعب إلى رئيس الجمهورية ففي هذه الحالة تصبح الأغلبية البرلمانية فاقدة لأي أثر تجاه ما يقرره الشعب بنفسه وبطريقة مباشرة عبر رفض موضوع الاستفتاء أو قبوله. أما الخطورة فتكمن أساسا في التوقيت، فالدعوة إلى الاستفتاء والتحضير له وإنجاحه يتطلب مدة زمنية ستؤثر بالضرورة على روزنامة الانتخابات التشريعية والرئاسية لهذا من صالح جميع الأطراف المعنية بالتعديلات والانتخابات والحسابات السياسية (باستثناء من يرفض التعامل معه من حيث المبدأ) أن تتودد إلى رئيس الجمهورية وأن تحاول إرضاءه بل يمكنها أن تبدأ سلسلة من التنازلات تصل حد السماح له بفرض شروطه السياسية حتى لا يتخذ موقفا يضر بمصالح تلك الأطراف. يمكن للباجي اليوم أن يلعب دورا في إسقاط التعديلات المتعلقة بالقانون الانتخابي فيلحق أثرا بالغا بالحكومة (صاحبة المبادرة) وحزبها الأول (تحيا تونس) ومن دعمه. ويمكنه أن يضر بمصالح حركة النهضة لو دفع نحو تأجيل الانتخابات، ويمكنه أن يحدد مصير الأطراف المتضررة من التعديلات الأخيرة على القانون الانتخابي مثل نبيل القروي وعبير موسي وألفة التراس وغيرهم… حصاد سياسي سيلعب رئيس الجمهورية دوره الوطني وفق ما صرح به ابنه حافظ مؤخرا لكن الحكم على الدور الوطني يبقى نسبيا لأن الوطنية تعني للبعض الطعن في دستورية التعديلات وتعني للبعض الآخر عدم الطعن فيها. في الحالتين لن ينجو الباجي من النقد لكن التفاعل بمنطق الدور الوطني لا يعني عدم التفكير في الاستفادة الشخصية والحزبية فأمام رئيس الجمهورية فرصة سانحة لرد الاعتبار لشخصه والرفع من أسهم حزبه لا سيما في شق المنستير الذي يتزعمه ابنه حافظ. الجدير بالانتباه أن الباجي لم يكد يستعيد تأثيره السياسي حتى بدأ ابنه في استثمار الوضعية الجديدة ذلك أن الحكومة اعترفت هذا الخميس لحافظ دون سفيان طوبال بالشرعية القانونية اعتمادا على «أرشيف الحزب» وبهذا أصبح حافظ الممثل القانوني الرسمي للنداء وصاحب الشرعية التمثيلية دون شق الحمامات. سواء أكان موقف حكومة الشاهد في إطار صفقة سياسية متفق عليها مع الباجي، أم رسالة حسن نية وعربون مودة أحادي الجانب من الحكومة فإن الباجي بصدد الحصاد. الغريب في هذا كله أنه لم يزرع شيئا ليحصد بل إنه اكتفى ب»المكس السياسي» وهذا من حقه في ظل مشهد سياسي مبني على الفوضى والمصلحة الشخصية. فصول قانونية الفصل 18 من القانون المحدث للهيئة المؤقتة لمراقبة دستورية مشاريع القوانين «تنظر الهيئة في دستورية مشاريع القوانين بناء على طلب من رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أو ثلاثين نائبا على الأقل…». الفصل 19 من القانون نفسه (الفقرة الثانية): «ويتولى رئيس الهيئة فورا إعلام رئيس الجمهورية ورئيس المجلس الوطني التأسيسي أو مجلس نواب الشعب ورئيس الحكومة حسب الحالة بالطعن في عدم الدستورية وتوجيه نسخة من الملف إليهم ويعلم رئيس المجلس الوطني التأسيسي أو مجلس نواب الشعب فورا أعضاء المجلس بذلك. الفصل 19 من القانون نفسه (الفقرة الثالثة): «ويحق لرئيس الجمهورية تقديم ملاحظات متعلقة بدستورية النص موضوع الطعن بعدم الدستورية في أجل ثلاثة أيام من الإعلام بالطعن». الفصل 81 من الدستور (الفقرة الثانية): «باستثناء مشاريع القوانين الدستورية، لرئيس الجمهورية الحق في رد المشروع مع التعليل إلى المجلس للتداول ثانية…». الفصل 82 من الدستور: «لرئيس الجمهورية، استثنائيا، خلال أجل الرد، أن يقرر العرض على الاستفتاء مشاريعَ القوانين المتعلقة بالموافقة على المعاهدات، أو بالحريات وحقوق الإنسان، أو بالأحوال الشخصية، والمصادقة عليها من قبل مجلس نواب الشعب. ويعتبر العرض على الاستفتاء تخليّا عن حق الرد. وإذا أفضى الاستفتاء إلى قبول المشروع فإن رئيس الجمهورية يختمه ويأذن بنشره في أجل لا يتجاوز عشرة أيام من تاريخ الإعلان عن نتائج الاستفتاء…».