انتظر المواطن تحسّن مستوى الخدمات المسداة له بعد احداث المجالس البلدية المنتخبة الا انه اصطدم بعد سنة من انتخابها بتعدّد الاخلالات في جميع مجالات العمل البلدي نظرا لتغليب البعد السياسي على العمل الإداري. تونس(الشروق): بعد ارتباك اداء النيابات الخصوصية التي تم تركيزها بعد الثورة انتظر المواطن ان يتحسن اداء البلديات التي تم انتخابها ديمقراطيا وبصلاحيات واسعة لكن التجربة اثبتت بعد اكثر من سنة على اجراء الانتخابات البلدية ان عددا من هذه البلديات شهدت ارتباكا على مستوى الاداء نتيجة تعدد الاستقالات المقدمة لرؤساء البلديات وذلك على اثر ما شهدته من صراعات سياسية مما جعل عددا منها يضطر للقيام مؤخرا بانتخابات جزئية لاستكمال العدد القانوني لأعضاء المجالس البلدية المنحلة. كما ان نقص الخبرة في ادارة الشأن المحلي تسبب في بروز خلافات حول تداخل صلاحيات الولاة ورؤساء البلديات والمعتمدين والعمد بشكل جعل رؤساء البلديات يعتبرون ان واقع انتخابهم يجعلهم فوق سائر المتدخلين المحليين وما لذلك من انعكاس على اداء العمل البلدي. كلفة الانتخابات ويشار الى ان الانتخابات البلدية التي جرت في 6 ماي 2018 كلفت المجموعة الوطنية 60 مليارا وهي كلفة يعتبر المواطن انها ذهبت في مهب الريح عندما يرى تكدس الاوساخ في عدة مدن منها الساحلية والتي تستعد لاستقبال موسم سياحي واعد بالإضافة الى انتشار جحافل الناموس الذي تسببت لسعات بعضه في زيارة ضحاياه لعيادات الطبيب نظرا الى تعكر حالة المتضررين من لسعاته السامة اذ تسبب بعضها في انتفاخ واحمرار وارتفاع في درجات حرارة الجسم بالإضافة الى تردي جل الخدمات الموجهة للمواطن باستثناء بعض البلديات التي تقوم بواجباتها تجاه المواطن في عدة جهات. والملفت ان اغلب المحللين السياسيين روّجوا للحكم المحلي على انه سيكون المنقذ من الوضع المتردي الذي آل إليه العمل البلدي وانه سيغير وجه الجهات بالإضافة الى تحويل الشأن المحلي الى عمل تشاركي يمكن للمواطن وفقه المساهمة في تغيير محيطه عبر امكانية اقتراحه لبرامج وحلول لكن كل هذا التفاؤل تبخر مع تقدم الايام والاشهر فقد وقف المواطن على حقيقة مرة تتمثل في عدم تغير الاوضاع في اغلب الجهات. اذ لم يتم رصد تحسن واضح على مستوى البنى التحتية ولا على مستوى التنوير او البناء الفوضوي الذي توسع كما لم يتم السيطرة على الانتصاب العشوائي واحتلال الارصفة بل اكثر من ذلك فقد تراجع مستوى بعض الخدمات البلدية في بعض الجهات خلال الفترة الاخيرة. ويرى الملاحظون ان عديد المجالس البلدية المنتخبة مازالت تعاني من التجاذبات السياسية والمناورات وتاهت في ازمة التموقع على خطى الطبقة السياسية على المستوى المركزي ويعود هذا الوضع الى ان النظام الانتخابي المعتمد مكن من صعود مجالس متعددة الالوان السياسية وبالتالي فان الصراعات التي تشهدها الساحة السياسية الوطنية تؤثر على الاجواء العامة في هذه المجالس التي تطفو من حين لآخر صراعات اعضائها والمؤامرات التي تحاك بين مختلف تياراتها السياسية. إمكانات مادية لكن البلديات ليست وحدها المسؤولة عن ضعف الاداء في عدة جهات ذلك ان اغلب المجالس البلدية المنتخبة تشكو من ضعف الامكانات المادية والبشرية وهو ما عطل الشروع في تنفيذ المشاريع والاصلاحات التي ينتظرها المواطن وفي هذا الاطار ذكر مراقب عام للمصالح العمومية ومكلف بمأمورية في الهيئة العليا للرقابة الادارية والمالية ل»الشروق» فضل عدم ذكر اسمه ان عديد البلديات في حاجة لإمكانيات مادية ولوجستية للقيام برفع النفايات بصفة دورية ومداواة الناموس لكن عديد البلديات تشكو من عزوف المواطنين عن دفع ما عليهم من اداءات بلدية وهو ما يحول دون انجاز المشاريع المنتظرة وفي تلبية حاجيات المواطن واضاف انه من بين اسباب الخلاف الذي حدث بين بلدية رواد والمرسى مؤخرا يعود الى تواجد نزل بالمنطقة التي تم الخلاف حولها وهو ما فسر ان الخلاف يعود اساسا الى مسالة لم يتم التطرق اليها وهي بحث كل منها عن المداخيل المتأتية من النزل. ويرى المراقبون انه كان من الافضل لو تم رصد ميزانيات محترمة للبلديات الجديدة منذ بداية مباشرة مهامها حتى تشرع في اداء مهامها على احسن وجه وعدم التعويل فقط على مواردها الذاتية. ويشار ايضا الى ان عددا من رؤساء البلديات تذمروا من التركة التي ورثوها من النيابات الخصوصية السابقة التي تسببت في تعطل عملها بسبب تراكم المطلبية مما زاد من تعقيد دور البلديات في تلبية المطلبية الكبيرة للمواطنين. وعلى صعيد آخر يواجه عدد من اعضاء ورؤساء بعض المجالس البلدية المننخبة تهمة ضعف الكفاءة الضرورية لممارسة العمل البلدي وتسيير الشأن العام ذلك ان العمل البلدي يتطلب كفاءة لا تقل عن الكفاءة المطلوبة لتسيير السلطة المركزية لأنه يتطلب المواجهة المباشرة مع المواطن والتواصل معه حول مختلف مشاغله اليومية المتعددة لذلك فالمطلوب تنظيم دورات تكوينية للمباشرين للعمل البلدي الجديد قصد تدريبهم على تسيير الشأن العام الجهوي والمحلي . وعموما فان الانطباع العام لدى المواطن يتجه نحو اعتبار ان الحكم المحلي لم يقدر الى حد الآن على الخروج من سيطرة السلطة المركزية خاصة من حيث التبعية السياسية. فاغلب رؤساء واعضاء المجالس البلدية المنتخبة مازالوا خاضعين للتجاذبات الحزبية والسياسية المهيمنة على المستوى الوطني وانخرطوا بدورهم في دوامة البحث عن تحالفات وتوافقات اقتداء باحزابهم. وهو ما اربك اداء العديد منهم وجعلهم مترددين وغير قادرين على اتخاذ القرارات المناسبة لجهاتهم. وكل ذلك يؤكد ضرورة العمل على اخراج الحكم المحلي من هذه الصراعات ودفعه نحو الاستفادة من الحرية والاستقلالية التي يضمنها الدستور للجماعات المحلية ومراعاة مصلحة المواطن الذي تتواصل معاناته طيلة نحو 8سنوات. نجيب خبوشي مراقب عام للمصالح العمومية في الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية صعوبات مالية ولوجستية وبشرية تواجهها البلديات اعتقد ان تقييم أداء البلديات بعد سنة فقط من احداثها قد يكون فيه الكثير من التجني عليها ذلك ان هناك منظومات تم التنصيص عليها في مجلة الجماعات المحلية لم تؤسس بعد كما انه على المستوي الجهوي مازال هناك الاشراف الجهوي للنيابات الخصوصية الجهوية لأنه لم يتم بعد اجراء الانتخابات الجهوية كل ذلك يحول دون تقييم عمل البلديات باعتبار ان ظروف العمل مازالت منقوصة بالإضافة الى اننا مازلنا بصدد تعلم العمل المحلي والاشكاليات الموجودة حاليا كانت موجودة في السابق ربما أصبحت أكثر حدة لكن على مستوى المحليات يمكن القول بان عديد المسيرين تسلموا مهامهم بعد مخاض عسير كما انه بالنسبة الى المحليات الجديدة فان مهمتهم صعبة خاصة وان المسيرين قد تكون لهم دراية وكفاءة سياسية عالية لكن لهم نقائص على المستوى الإداري باعتبار ان ادارتنا لم تكن منفتحة دائما على محيطها واعتقد ان نقص المعرفة في المجال الإداري يمكن تجاوزه عبر تكوين المستشارين البلديين ورؤساء البلديات في هذا المجال لتسهيل عمل البلديات لكن لا بد من الإشارة أيضا الى ان المستشارين البلديين ورؤساء البلديات يواجهون في عملهم اليومي نقصا كبيرا على مستوى المالية واللوجستية وهذا النقص يطال البلديات السياحية أيضا كما تعترضها اشكاليات في التصرف في الموارد البشرية وكلها إشكاليات تغطي الإرادة الحسنة للمجالس البلدية في تحسين ظروف عيش المواطن الذي رفّع من نسق المطلبية لكنه في المقابل لا يقوم بواجباته في خصوص دفع الاداءات البلدية الا اذا كانت احدى الخدمات البلدية مقترنة بدفع هذا الأداء وهو ما يتطلب جهدا اكبر في تطوير علاقة البلدية بالمواطن.