بعد بضعة أيام، تمرّ سنة كاملة على تنظيم الانتخابات البلدية وعلى تركيز أول تجربة للحكم المحلي في تونس. تجربة انتظر منها المواطن الكثير لكنها لم تكن في مستوى انتظاراته. تونس الشروق: قبل يوم 6 ماي 2018 ، تاريخ تنظيم الانتخابات البلدية، كانت الصورة التي تكونت لدى التونسيين حول الحكم المحلي «جميلة ومشرقة» وتقول أنه سيكون «المُنقذ» من الوضع المتردي الذي آل إليه العمل البلدي، وانه سيُغير وجه الجهات نحو الأفضل على عديد المستويات. غير انه بعد مرور عام على التجربة اتضح أنها لم تكن في مستوى انتظارات الناس، حيث لم يلمس المواطن شيئا على مستوى العمل البلدي بل زاد استياؤه ولم يقدر المسؤولون المحليّون على كسب ثقة الناس الى حد الآن. وأكثر من ذلك رافقت هذه التجربة عديد المشاكل والتقلبات على المستوى الهيكلي في بعض البلديات. بعد مرور عام على تجربة الحكم المحلي (اللّامركزية) وقف المواطن شيئا فشيئا على حقيقة واحدة وهي عدم تغير الاوضاع في اغلب الجهات نحو الأفضل: تواصل تردي البنية التحتية للطرقات والأنهج والشوارع وتواصل ضعف خدمات النظافة والعناية بالبيئة والتنوير العمومي وجمالية المدن وتواصل مظاهر البناء الفوضوي واحتلال الأرصفة وتراجع مستوى بعض الخدمات البلدية الإدارية في بعض الجهات. أما على المستوى التنموي والاقتصادي وبعد أن تم تصوير اللامركزية على انها ستُحسن التنمية في الجهات وتتحسّن تبعا لذلك المعيشة في الجهات ، لم يحصل إلى حد الآن شيء من ذلك. كل ذلك يدفع الى التساؤل عن اسباب هذا الضعف والارتباك في العمل البلدي والتي تبدو عديدة في نظر المتابعين. تجاذبات سياسية منذ مباشرة مهامها، ظلت عديد المجالس البلدية تعاني من حالة فوضى هيكلية في علاقة بالصراعات السياسية وبغياب التوافق السياسي بين مكونات المجالس البلدية وذلك جراء تاثيرات الوضع السياسي العام وأصبحت تخطو على خطى الطبقة السياسية على المستوى المركزي خصوصا ان النظام الانتخابي المعتمد مكن من صعود مجالس متعددة الالوان السياسية. فالحكم المحلي لم يقدر الى حد الآن على الخروج من جلباب المستوى المركزي خاصة من حيث التبعية السياسية لأن اغلب اعضاء المجالس البلدية المنتخبة خاصة الرؤساء مازالوا خاضعين للتجاذبات الحزبية والسياسية الدائرة على المستوى الوطني وانخرطوا بدورهم في دوامة البحث عن تحالفات وتوافقات اقتداء باحزابهم. كما ان اغلبهم مازال متاثرا بضبابية المشهد على المستوى العام لان الازمة السياسية العامة التي تعيشها البلاد الحاصلة اربكتهم وجعلتهم مترددين وغير قادرين على اتخاذ القرارات المناسبة. وقد أدى ذلك الى حصول استقالات أو التهديد بها ومنها استقالات جماعية وبلغ الامر ببعض الرؤساء والاعضاء حد تقديم استقالاتهم قبل مباشرة مهامهم. وكل ذلك يؤكد ضرورة العمل على اخراج الحكم المحلي من هذا الجلباب ودفعه نحو الاستفادة من الحرية والاستقلالية التي يضمنها الدستور للجماعات المحلية دون المس من وحدة الدولة. امكانيات مادية تقول بعض البلديات أيضا أنها مازالت تعاني من الموروث «الثقيل» للبلديات السابقة (النيابات الخصوصية) التي تولت العمل البلدي منذ 2011 وعجزت عن تطويره. فيما تعتبر أخرى أن ما وقع رصده من ميزانيات للبلديات في ميزانية 2019 لا يفي بالحاجة خصوصا ان أغلب البلديات مازالت غير قادرة على التعويل على مواردها الذاتية. وهو ما جعل اغلبها تفتقر للامكانيات المادية واللوجيستية الضرورية لأداء مهامها وتسبب ذلك في تعطيل الشروع في تنفيذ الاصلاحات المنتظرة وفي تلبية حاجيات الناس. تواجه بعض البلديات تهمة افتقار أعضاء مجالسها المنتخبة الكفاءة الضرورية لممارسة العمل البلدي وتسيير الشان العام. فالعمل البلدي يعتبره المختصون اكثر صعوبة من عمل السلطة المركزية لانه يستند الى المواجهة المباشرة مع المواطن والتواصل معه حول مختلف مشاغله، وهي عديدة، ويقوم ايضا على العمل الميداني الواقعي والمباشر. ومن الطبيعي ان يجد بعض المستشارين أنفسهم غير قادرين على القيام بمهامهم وعلى تسيير الشان العام الجهوي والمحلي . يواجه المواطن بدوره تهمة المساهمة في افشال تجربة الحكم المحلي بحكم تواصل حالة عدم الاهتمام لدية بالشان البلدي وبضرورة أن يكون شريكا في انجاحه من خلال احترام القوانين والتراتيب وتحمل الاعباء والواجبات خاصة بالنسبة للجباية المحلية ولاحترام النظافة والعناية بالبيئة وجمالية المدن ولتجنب البناء الفوضوي والانتصاب العشوائي واحتلال الأرصفة.. حل 3 مجالس بلدية في ظرف عام تم إلى حد الآن حلّ 3 مجالس بلدية وذلك بكل من بلدية سوق الجديد من ولاية سيدي بوزيد وبلدية العيون من ولاية قفصة وبلدية باردو من ولاية تونس وذلك بعد أن قدم عدد من المستشارين بهذه البلديات استقالاتهم. وكان عضو هيئة الانتخابات انيس الجربوعي قد أكد أن أهم اسباب هذه التقلبات التي عاشتها بعض المجالس البلدية ومازالت تاني منها مجالس أخرى هو القانون الانتخابي الذي أفرز مجالس غير متجانسة من الناحية السياسية وأيضا مجلة الجماعات المحلية التي تحتوي بعض الثغرات التي عقّدت مهام بعض البلديات على مستوى الحوكمة وتسيير الشأن المحلي. فترة انتقالية ضرورية يتهم عديد المختصين المنظومة القانونية التي وقع اعتمادها لحوكمة الحكم المحلي وهي القانون الجديد للجماعات المحلية الذي مازالت بعض بنوده الى اليوم صعبة التنفيذ ومُعقّدة لعدة اعتبارات وكان بالامكان تخصيص فترة انتقالية حتى تتضح الامور أكثر من حيث توزيع الصلاحيات بين السلط الجهوية والمحلية ومن حيث الاستقلالية وتشريك المواطن وتحسين تجربة كفاءة المستشارين البلديين.