تُحيي تونس اليوم، اليوم العالمي للوظيفة العمومية في وقت تطالب فيه المؤسسات الدولية المقرضة تونس بضرورة القيام بإصلاحات عميقة في هذا القطاع تتعلق بكتلة الأجور والقضاء على الروتين الاداري... تونس الشروق / هم 637000 ألف موظف منهم 36 الف ملحقون بالجماعات المحلية يشكلون النسيج البشري للوظيفة العمومية في تونس ويكلف هذا الجيش العرمرم من الاعوان والاطارات والعملة 14 بالمائة من الدخل الخام في حين ان كتلة الاجور في دول الاتحاد الأوربي مثلا لا تتجاوز العشرة بالمائة وتنزل الى 7 بالمائة في دولة عظمى مثل بريطانيا . الى ذلك تعمق هذا العبء المالي بعد سنة 2011 بإغراق الوظيفة العمومية بألاف الموظفين الغير مؤهلين اذ تم انتداب اغلبهم لاعتبارات سياسية واجتماعية ودون الاخذ بعين الاعتبار المؤهلات العلمية والكفاءة المهنية وخاصة حاجة القطاع الى هذه الانتدابات. وتشترط الدول والمؤسسات العالمية المقرضة على الحكومة التونسية القيام بجملة من الاصلاحات لعل اهمها تسريح الاف الموظفين بهدف تخفيف الاعباء المالية للحور على ميزانية الدولة. لكن الحكومة غالبا ما تصطدم برفض قاطع في اطار المفاوضات الاجتماعية من الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يحمل الجهاز التنفيذي مسؤولية الازمة معتبرا ان تسريح العمال هو خضوعا للإملاءات الدولية اكثر منه نوايا حقيقة لإصلاح منظومة الوظيفة العمومية. جمود وقصور... إضافة الى الاعباء المالية، فان الوظيفة العمومية تعاني كذلك العديد من المشاكل التشريعية والدستورية حولت امكانية تطوير هذه المنظومة وتعصيرها مسألة معقدة ان لم نقل مستحيلة. ومقارنة بفرنسا، يقول استاذ القانون منتصر وردي « يمكن اعتماد التنظيم الفرنسي كمثال يرتكز على نظام تعدد الوظائف العمومية لا على وحدة الوظيفة العمومية كما هو الحال في التشريع التونسي منذ الاستقلال إلى اليوم، فقد عرفت فرنسا تطورات هامة في اتجاه تدارك الآثار السلبية فيما يتعلق بالتصرف في مواردها البشرية وصنفت الوظيفة العمومية إلى ثلاثة أصناف خصص لكل منها نظام أساسي مستقل وأولها يهم أعوان الدولة وآخر الوظيفة العمومية الاستشفائية والأكثر أهمية هو قانون 1984 والذي يعنى بالوظيفة العمومية الإقليمية، مما يدل على منح المجال المحلي بفرنسا الخصوصية اللازمة والاستقلالية المرجوة، رغم ما لحق هذا التنظيم من نقد فقهي شديد ورغم التخوفات مما يمكن أن يلحقه من إشكاليات». مضيفا «والدولة التونسية ولئن أخذت من نظيرتها الفرنسية ونهلت منها أغلب مبادئها التنظيمية إلا أنها لم تنسج على منوال نظام تعدد الوظائف العمومية المعمول به. أما عن الأهمية العملية لهذا الموضوع فهي نابعة من واقع الوظيفة العمومية المحلية اليوم، إذ لا يوجد تنصيص صريح على وجودها في تونس سواء في دستور 1959 أو في القانون التأسيسي عدد 6 لسنة 2011 ولا صلب دستور 2014، ولا وجود لنظام أساسي خاص بأعوان الجماعات المحلية. وقد اكتفت الدساتير بتكريس المبادئ الأساسية للوظيفة العمومية في مجملها. كما يبرز هذا الواقع الإشكاليات والنقائص المتعددة التي تطال الموارد البشرية وطرق التصرف فيها مما صير الإدارات العمومية وخاصة المحلية مواطن عجز وموقع إخلالات وتناقضات، وتزيد التبعية المفرطة للسلطة المركزية الأمر تعقيدا». فساد وبيروقراطية... لن يختلف تونسيان في رأيهما في اداء الوظيفة العمومية بدءا من ابسط عون الى أعلى اطارات الدولة الا ما رحم ربي. وانطباع الجمهور هذا مرده حجم الفساد الذي ينخر هذا القطاع والرشوة والمحسوبية اضافة الى البطء في انجاز المهام الموكلة لأعوان الوظيفة العمومية انطلاقا من استخراج الوثائق وطوابير الانتظار التي تحوّلت الى مشهد مقرف داخل المصالح الادارية المختلفة. ويقدر البنك الدولي مثلا نسبة الفساد في الصفقات العمومية ما بين 5 و10 بالمائة. ويكلف هذا النوع من الفساد الدولة التونسية خسائر تقدر قيمتها بحوالي 25 بالمائة من حجم الصفقات العمومية المقدر ب8 مليار دينار. وكانت دراسة انجزتها الجمعية التونسية للمراقبين العموميين كشفت أن حجم الفساد الصغير في تونس بلغ سنة 2013 مثلا قرابة 450 مليون دينار. وحسب ذات الدراسة أكّد 27 بالمائة من التونسيين انهم تعرضوا الى عمليات فساد. وبسبب الروتين الاداري، يتعرض عشرات رجال الاعمال الى الافلاس كذلك الاجنبي الذي تعرضت تجهيزات مصنعه الى الفساد بسبب بطء اجراءات اخراج بضاعته من ميناء رادس. وكان صندوق النقد الدولي دعا «السلطات التونسية الى اتخاذ حزمة اجراءات تحول دون إحجام المستثمرين وتسهم في بناء الثقة من بينها تعزيز الحوكمة وآليات الإنفاذ في إطار جهودها لمكافحة الفساد وإقامة بيئة أعمال تنافسية وتطبيق سعر صرف عادل». كما طالب الصندوق تونس «بالحد من الروتين الإداري مشيرا الى ان هذه الخطوات ستساعد على اطلاق إمكانات القطاع الخاص لخلق مزيد من الفرص والوظائف لجميع التونسيين وتوفير حوافز استثمارية لزيادة الإنتاجية».