احتفلت بلادنا أمس بالذكرى ال 63 لانبعاث الجيش الوطني، وهي مناسبة تجدّدت فيها معاني الفخر والاعتزاز بمسيرة نيّرة لجيشنا الوطني، مسيرة أكثر من ستّة عقود من الصمود والتضحية والعطاء وحماية الوطن والمساهمة في بناء الدولة ومراكمة النجاحات وتأمين مناخات الاستقرار وأجواء العمل المدني. يكاد يكون الجيش التونسي الاستثناء في التزامه بالمبادئ الأساسية في رعاية المصالح العليا للوطن وحماية حدوده ودفع التنمية في الجهات النائية، وقد بقي طيلة مسيرته في ظل دولة الاستقلال بعيدا عن أدران السياسة وصراعاتها حاميا لخيارات الشعب الكبرى خاصة في مرحلة ما بعد 2011 ضامنا للوحدة الوطنية وتماسك الدولة والمجتمع. إنه جيش استثنائي دونما شك، جيش يتحرّك وفق ما ضبطه له الدستور والقانون، يرفض المغامرة وجرّ الوطن الى المجهول دافعا بكل ما لديه النخبة السياسية والأحزاب نحو تمتين أسس التجربة السياسية الديمقراطية والمدنية بعيدا عن منطق الغنيمة وكل الأطماع ومظاهر الانتهازية والركوب على الأحداث. لهذا بقي جيشنا الوطني محلّ تقدير من جميع القوى والأحزاب، لأنه اختار التمترس فوق أهواء السلطة والحكم، ولقد عرفت بلادنا أكثر من مرّة أزمات سياسية خانقة اوشكت ان تدخل الأوضاع الى بوابة الانهيار والفراغ السياسي والدستوري غير أنّ الجيش رفض استلام السلطة والتورط في متاهاتها بل ساعد النخبة المدنية على تخطي المطبات الصعبة وبناء التوافقات الوطنية الكبرى على غرار ما جرى غداة حدث 14 جانفي 2011 أو اغتيال الفقيد شكري بلعيد يوم 6 فيفري 2013 . وما يزال الجيش مرابطا بعقيدة عسكرية رائدة على حماية حدود البلاد ومكافحة ظواهر التطرّف والتشدّد وسرطان الإرهاب مقدما في سبيل ذلك تضحيات جساما لم تزده إلاّ ثباتا على نهج الوطن أوّلا وأخيرا وقبل أي مصالح اخرى ورفضا لكل الاغراءات ونزعات الأهواء وأصوات الحقد والكراهية. في زمن الفوضى والنزاعات، يخطو الجيش التونسي بخطوات ثابتة لتعزيز رصيده في الالتزام بمدنية الدولة ورفض عسكرتها وصدّ محاولات الاختراق أو التوجيه الخارجيّة، وهو مثلما يتأكد ذلك يوما بعد يوم الطرف الأقوى الداعم للتجربة الانتقالية والحامي للمواعيد الانتخابية المختلفة وجميع مستلزمات الديمقراطيّة. برغم التطورات والمستجدات المحلية والإقليمية والدولية طيلة الستين سنة الماضية، ما يزال جيشنا الوطني حيث هو، وبالشكل الذي رسمه له بناة الدولة وفي مقدمتهم الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة: جيش مدني باحث عن الاستقرار، مساهم في التنمية ونشر ثقافة السلم والمصالحات رافضا للحرب والاقتتال والتقسيم المجتمعي وعسكرة الدولة. في ظل استفحال الممارسة السياسية والحزبية الرديئة وحالة التنابز والتنافر بين مكونات المشهد السياسي وضعف الكثير من مؤسسات الحكم وطغيان الانتهازية والفساد ولوبيات المصالح والحسابات الضيّقة والقذرة، يكاد الجيش التونسي يكون اليوم الرمز الأبرز الناصع لمفهوم الوحدة الوطنية وحماية المصلحة العليا للوطن.