لن نضيف شيئا إلى القرّاء إذا ما عدّدنا فوائد حليب الأمّ ودور الرّضاعة في نموّ الطّفل ولكنّنا نريد من ذلك إبراز المخاطر الصحية من اعتماد حليب البقر بما في ذلك الحليب الاصطناعي الذي يباع في الصيدليات. لماذا الحديث اليوم عن فوائد حليب الرّضاعة؟ يقوم حليب الأم مقام الخلاص وهذا الأخير له دور غذائي ويمكّن الرضيع من معلومات تسمج له بالنمو داخل بطن أمه وبعد الولادة ينوب حليب الأم عن الخلاص وذلك لمدة تتراوح بين 6 أشهر وثلاث سنين. لحليب الأم دور تعديلي للهرمونات كما أنه يدعّم مناعة الرضيع ويقيه من عديد الأمراض. بفضل الأنزيمات العديدة المتوفرة في حليب الأم يقع التخلص من ديدان الجهاز الهضمي وبعض الفطريات كما أنه يوفّر غذاء متوازنا ويساهم في نمو الجهاز العصبي. إلى حدّ القرن العشرين كانت نسبة الأطفال الذين لا يرضعون من ثدي أمّهم محدودة جدّا وإذا استثنينا قلّة من النسوة اللاّتي ينتمين للعائلات المترفهة والعائلات الأرستقراطية أو حالات الموت عند الولادة فإنّ غالبية الرّضع يتغذّون من حليب أمّهم. في الحالات الاستثنائية، عادة ما تقوم نساء مرضعات بهذا الدّور. في القرن التاسع عشر اقترنت الثورة الصناعية بتحوّلات جذرية للبنية الاجتماعية والاقتصادية للبلدان الصناعية من ذلك النزوح من الريف إلى المدينة وظهور المجمعات الصناعية الكبرى وتردّي حياة العمّال بما في ذلك النسوة وقد أدّى ذلك إلى ارتفاع حالات البؤس وتخلّي العائلات عن أطفالهم وامتلاء دور الأيتام واستفحال الأمراض في صفوفهم. أمام هذا الوضع الجديد عرف القرن حملة طبية لصالح الرّضاعة مع توجيه إصبع الاتّهام للمرأة التي لا ترضع أطفالها. عرف القرن العشرين تقنيات جديدة لحلب الأبقار كما تطوّرت تقنيات بسترة وتعقيم الحليب وبرزت أغذية «معوّضة» لحليب الأمّ. تحوّل الخطاب الطبّي وساهم في ترويج الحليب الصّناعي. عرفت هذه الموجة الجديدة أوجَهَا في السنوات الخمسين من القرن الماضي. لكن ومنذ بداية السبعينات ظهرت بحوث علمية بيولوجية وإكلينيكية ووبائية أعادت من جديد الاعتبار لحليب الأمّ وأكّدت على فوائده. يعتبر حليب الأمّ تواصلا لوظيفة الخلاص الذي يقوم بدور غذائي كما ينقل المعلومات الضرورية لنموّ الجنين. بعد الولادة يكمل حليب الأمّ هذا الدّور بما أنّه ينقل المعلومات الخاصّة بنموّ الرّضيع. يقدّر العلماء والمختصون أنّ هذا الدّور يتطلّب ثلاثة سنوات من الرّضاعة على أقصى تقدير وستّة أشهر على أقلّ تقدير. يجب أن يتمّ الفطام بصفة تدريجيّة بإضافة غذاء من الخضر والغلال والحبوب والزيوت النباتية والبروتينات. إذن الرّضاعة هي عملية طبيعية وهي بالتالي مرحلة ضرورية لنموّ الإنسان ولا يمكن التخلّي عنها دون التعرّض إلى مختلف الأمراض والتعكّرات. سنتعرّض بإيجاز لمنافع حليب الأمّ عند الرّضيع والأمّ. بالنسبة للأطفال والرّضع تتجلّى منافع حليب الأمّ في أنّها توفّر له الحماية الضرورية وتضمن له نموّا طبيعيّا. يقي حليب الأمّ الطّفل من السكري والسمنة وزيادة الوزن. فالأطفال الذين يتغذّون بحليب البقر قبل سنّ الشهرين يتعرّضون للإصابة بمرض السّكري بنسبة تفوق مرّتين الأطفال الذين تغذّوا من حليب أمّهم كما يتعرّض المراهقون والكهول الذين تغذّوا بحليب الأبقار بتصلّب الشّرايين بنسبة تفوق النسب لدى الكهول الذين تغذّوا من حليب أمّهاتهم. (يتبع)