يعمد الكثير من المسلمين الى القيام ببعض التجاوزات في العلاقات العامة تحت ذريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بسبب عدم فهم لطبيعة وحدود هذا المبدأ الإسلامي الهام ، لذلك ارتأينا ان نتناول هذا الموضوع لفهم ضوابطه بشكل يؤدي الى الفائدة دون وقوع في المحظور. ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر شعيرة عظيمة في الإسلام، بل هي الشعيرة المميزة للأمة المسلمة، كما قال الله تعالى: «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله» [آل عمران:110]، وهي الشعيرة الفارقة بين المؤمنين والمنافقين «المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف» [التوبة:67] وقال:»والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر» [التوبة:71] .وقد أخبر صلى الله عليه وسلم بالأثر الخطير لترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال: «لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطراً أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لكم» الترمذي وأبو داود. ومع هذه الأهمية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأثره في الأمة فلابد من معرفة جملة من الأمور المهمة المتعلقة بحدوده وضوابطه واهمها وجود المنكر في حد ذاته ونعني به كل معصية حرمتها أو كرهتها الشريعة والمعنى أن يكون مقارف المنكر مباشراً له في الحال أي وقت النهي أو التغيير، فليس هناك نهي على من باشر المنكر وانتهى منه، فذلك أمره إلى السلطات العامة لتوقيع العقاب عليه، وأيضاً ليس هناك نهي على المنكرات المستقبلية، كأن يعرف الناهي بقرينة الحال أن الشخص قد عزم على القيام بفعل معين فليس له إلا وعظه، وإن أنكر عزمه على ذلك لم يجز وعظه؛ لأن في ذلك إساءة ظن بالمسلم . وأن يكون المنكر ظاهراً دون تجسس أو تفتيش، فإذا توقف إظهار المنكر على إيهام لم يجز الإنكار لتحريم التجسس كتاباً وسنة، فالله يقول: «ولا تجسسوا ...» [الحجرات:12] وقول الرسول – صلى الله عليه وسلم - لمعاوية: «إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم» أبو داود وأحمد وقوله – صلى الله عليه وسلم –:» يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته» الترمذي وأبو داود. وأن يكون المنكر معلوماً بغير اجتهاد فكل أمر محل اجتهاد لا نهي فيه، وليس للمجتهد أن يتعرض بالردع والزجر على مجتهد آخر في موضع الخلاف. ويشترط في دفع المنكر أن يدفع بما دفعه وبأيسر ما يدفعه، فلا يجوز أن يدفع المنكر بأقل مما يدفعه ما دام الدافع قادراً على دفعه بالأكثر، ولا يجوز أن يدفع بأكثر مما يدفعه لأن ما زاد على الحاجة يعتبر جريمة، ولكن يجوز دفع المنكر بأقل مما يدفعه في حال عدم القدرة كالدفع بالقلب لمن لا يستطيع الإنكار باليد أو اللسان ...، وإذا كان المقصود بالأمر بالمعروف إيقاع المعروف والنهي عن المنكر فإذا ارتفع الغرض بالأمر السهل لم يجز العدول عنه إلى الأمر الصعب، وهذا مما يعلم عقلاً وشرعاً. وللإنكار القولي درجات ومراحل منها التعريف فقد يقدم المكلف على اقتراف المنكر جهلاً منه بكونه منكراً، حتى إذا وجد من يرده إلى طريق الحق اهتدى، فيلزم التعريف أولاً بأسلوب هادئ رقيق، وينبه الإمام الغزالي إلى آفة خطيرة، وهي أن يدل العالم على مقترف المنكر بعلمه، فيكون هدفه إثبات تفوقه عليه، فإن كان الباعث هذا فهذا منكر أقبح في نفسه من المنكر الذي يعترض عليه. والنهي بالوعظ، والنصح والتخويف بالله تعالى، ويكون فيمن يقدم على الأمر وهو عالم بكونه منكراً، أو فيمن أصر عليه بعد أن عرف كونه منكراً، ويباشر المحتسب النصح في هذا المقام من غير عنف ولا غضب.