صمدت تونس شعبا وقيادة، في وجه يوم كانت تفاصيله قادرة على قلب كل التوازنات وخلخلة إستقرار الدولة .. يوم أرادوا كتابته في الصفحات السوداء من تاريخ تونس ، لكن التعاطي الرسمي والشعبي مع أحداثه جعله صفحة أخرى من صفحات «الاستثناء التونسي «. تونس -الشروق - يوم الخميس ..أو ما اصطلح على تسميته لدى الراي العام التونسي «بالخميس الأسود « ، بدأ بأخبار العمليات الإرهابية وانتهى بجدل قائم حول صحة رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي وتضارب الآراء بشأن «فراغ دستوري « يمكن أن يدخل البلد في حالة فوضى لا تنتهي. عمليات إرهابية يوم حمل في طياته وتفاصيله الكثير من التوتّر والحزب والألم، لكنه كشف عن «إستثناء تونس « يترسّخ تدريجيّا بالرغم من هشاشة الوضع سياسيّا وأمنيا واقتصاديّا ..أولى تحديات إمكانية السقوط والدخول في حالة الفوضى كانت مع تزامن العمليات الإرهابية ووقوعها في أماكن لها رمزية كبرى ودلالات شديدة الأهمية مثل «القرجاني « وشارع «شارل دي قول» في قلب العاصمة .. عمليات كان هدفها الاساسي ارباك الوضع العام ، لكن بعد وقوعها بوقت قصير عادت الحركة الى سيرها العادي وعادت الأماكن التي حدثت فيها العمليات الإرهابية الى ماكانت عليه. أولى المخاوف كانت من ضرب الموسم السياحي الذي يؤكد كل الأرقام الرسمية أنه يشهد انتعاشة قصوى، لكن ساعات قليلة وعادت الحركة الى قلب العاصمة الى حركيتها وعاد السياح الى الظهور في الشوارع المحاذية لمكان العملية الإرهابية، ثم ظهر وزير السياحة روني الطرابلسي في تصريح اعلامي ليؤكّد ان النزل التونسية لم تشهد إلغاء للحجوزات، وهو ما يجعل العمليات الإرهابية التي حدثت فاشلة بكل المقاييس. الحالة الصحية للرئيس ثاني الملفات التي شغلت التونسيين، الحالة الصحية الحرجة لرئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، ملف صحّي أحال الراي العام التونسي الى اشكال دستوري، يتمثل أساسا في غياب المحكمة الدستورية التي يمكنها الدستور، وبشكل حصري من معاينة الشغور في منصب رئيس الجمهورية، إضافة إلى اشكال اخر يتعلق بما تم ترويجه من سوء الحالة الصحية لرئيس البرلمان محمد النصر وهو ما دفع البعض الى الحديث عن حالة «فراغ». تجاوز الفراغ الفراغ في السلطة والذي يمكن اعتباره أكثر المخاطر التي تهدد الدول، تم تطويقه في تونس في فترة زمنية محدودة جدّا، فبعد ان تم الحديث عن فرضية الفراغ إذا حدث مكروه لرئيس الجمهورية، سارع رئيس البرلمان محمد الناصر الى الحضور في البرلمان وعقد اجتماعا حضره رؤساء الكتل النيابية وأعضاء مكتب المجلس وأصبح البرلمان في حالة انعقاد واستعداد للتفاعل بشكل مباشر مع المستجدات. أما رئيس الحكومة يوسف الشاهد فقد سارع الى التوجه لمكان العملية الإرهابية وقال في تصريح إعلامي أن المجموعات الإرهابية لن تنال من تونس وختم كلامه بالقول «سنتخلص من اخر إرهابي في تونس « ، وبالتوازي مع ذلك بقيت القيادات الأمنية في حالة استنفار الى حين هدوء الأوضاع وإحكام السيطرة على مجريات الاحداث. التعاطف مع الرئيس حركيّة كبرى في المشهد التونسي ،تسير بالتوازي مع سيل كبير من التعاطف مع رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ، فمواقع التواصل الاجتماعي غرقت في موجة تساؤل عن صحة الرئيس ودعوات روّادها للسبسي بالشفاء العاجل وعادت عبارة «البجبوج « إلى الظهور من جديد بعد ان اختفت من الحقل المفاهيمي اليومي الذي يستعمله التونسيون. ما يثير الانتباه أن الباجي قائد السبسي كان في الفترة الأخيرة اكثر الشخصيات تعرضا للانتقادات منها ما كان لاذعا ومنها ما تجاوز حتى الحدود السياسية لينتقل الى الاطار العائلي للسبسي ، لكن بمجرد الإعلان عن مرض الرئيس انقلبت حملات النقد الى حملات تضامن وهو ما يؤكد أن الخلاف مع الباجي قائد السبسي «سياسي» والتعاطف معه في مرضه « إنساني « والشعب التونسي قادر على التفرقة بين هذا وذاك. الاستثناء التونسي معطيات كثيرة تصب جميعها في سياق صياغة «استثناء تونسي» شهد يوما مصيريّا كان يمكن ان تقلب الاحداث التي أثثته كل الموازين وتؤثّر بشكل مباشر على استقرار الدولة او حتى على تماسكها «، لكنه مرّ بأقل خسائر ممكنة، فحتى الأحزاب التي بلغ عددها 218 حزبا وهو ما دفع بعض المحللين الى توصيف ما يحدث في تونس «بالانفجار الحزبي « لم يؤثّر ولم نشهد فوضة مواقف، بل كانت كل المواقف الحزبية منسجمة وتدفع الى التهدئة ومراعاة المصلحة الوطنية. جزئيات وتفاصيل أثثت يوما ثقيلا مرّ على تونس، تم تجاوزه بأقل خسائر ممكنة بالرغم من هشاشة الوضع السياسي والاقتصادي والارتخاء الأمني