لا خوف على تونس من الإرهاب الملتحف بالدين، ولا خوف على الوحدة التونسية ولا على التضامن التونسي، خوف على التونسيين من الانقلاب ولا الفراغ الدستوري ولا حتى من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية… كل الخوف من الإرهاب السياسي الذي كشفته الأحداث الأخيرة. تونس (الشروق) من العمليتين الإرهابيتين الأخيرتين في العاصمة إلى مرض رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، إلى نتائج الباكالوريا إلى مشاركة المنتخب التونسي في نهائيات كأس إفريقيا لكرة القدم… الأحداث المهمة والخطرة والمؤثرة تتلاحق خلال الأيام الأخيرة في تونس وتتداخل وكل واحد ينال من اهتمامنا ما يكاد ينسينا سابقه. في جميع الأحداث تأكدت حقيقة التضامن التونسي والوحدة التونسية. فالتونسيون عدا الفئة الضالة وقفوا صفا واحدا ضد الإرهاب. إذ تعاطفوا مع الضحايا. وأبدوا حنقهم على منفذي العمليتين الإرهابيتين ومن يقف وراءهما أو إلى جانبهما. وحالة الباجي الصحية أثارت عطف خصومه قبل أحبابه، ونتائج الباكالوريا تداعى لها عموم التونسيين بالفرح للناجحين والتضامن مع من لم يحالفهم الحظ أما منتخب كرة القدم فقد جمع أغلب التونسيين على الأمل في الفوز والحسرة على ضياعه. جسد واحد هناك نعرة وطنية تتحرك تلقائيا متى توفرت ظروفها وهناك إحساس بالانتماء يتداخل مع المشاعر الإنسانية وعاطفة الأخوة والإحساس بالوحدة والتآزر والتضامن ليحيلنا المزيج إلى حقيقة تتأكد وتتجدد مع كل حدث مؤثر. وهي أن التونسيين يختلفون في مابينهم فكريا وعقائديا وثقافيا وجهويا… لكن مثلهم يبقى مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له البقية بالسهر والحمى. لهذه الحقيقة حقائق. فالجسد الواحد قد تصيبه عملية إرهابية. وقد تدميه وقد تحزنه لكنها لا تنال منه ولا تضعفه ولا تقهره. بل إنها ترتد يائسة بمجرد ارتطامها به، ومرض رئيس الجمهورية يفزع ويحزن ويلهب المشاعر... لكنه لا يفتح أي باب للخوف على مصير البلاد أو مسارها الانتقالي، وفرحة أسرة بنجاح في الباكالوريا تشمل من يعرفها ومن لا يعرفها إلا من تكلس قلبه وتبلد ذهنه والتفاعل مع المنتخب الوطني بالفخر أو الغضب ينبع من إحساس مشترك وموحد بالوطنية والانتماء والهوية لا يعرفه أعداء الوطن. هذا كله جيد ولا يزيد التونسيين إلا فخرا بأنفسهم واطمئنانا على مصيرهم لكن هلاَ تنبهنا إلى الإرهاب السياسي الذي ينخر جسدنا المشترك. انقسام واختلاف في العملية الإرهابية هناك إرهابي يدبر وآخر يخطط وآخر ينفذ وآخر يهلل… ومهما ارتفع عدد المشاركين في الجريمة الإرهابية الواحدة فإنه لن يهدد التونسيين في وحدتهم ولا حاضرهم ولا مستقبلهم لأنه عدو معلوم ومنبوذ. الخطورة كلها في التعامل السياسي مع الحدث فأتباع النهضة نسبوا العمليتين الإرهابيتين إلى خصومهم في الخارج بدعوى العمل على زعزعة الاستقرار ومنع إجراء الانتخابات القادمة في موعدها. وشق من الدساترة والتجمعيين واليسار التونسي وجهوا التهمة مباشرة الى حركة النهضة بتعلة «ماضيها الدموي» على حد تعبيرهم. الجدل ذاته تجدد في اليوم نفسه مع حدث «وعكة» الباجي الصحية، فبين من يتهم الإمارات بالعمل على إزاحته من المشهد السياسي وبين من يتهم النهضة بتسميمه وبين من يتهم الشاهد باستعجال الجلوس على كرسي رئاسة الجمهورية قبل إجراء الانتخابات الرئاسية وبين من يوجه التهمة الى فرنسا وبين من يربط الانتكاسة الصحية بزيارة أولبرايت... انقسم التونسيون غصبا عنهم واختلفوا. مشهد متعفن التونسيون جسد واحد متضامن ومتآزر، هذه حقيقة أزلية مطمئنة، لكننا اليوم أمام فيروس خطير يتسلل إلى الجسد الواحد السليم والمعافى ويشرع في نخره من الداخل. وإذا تمكن من أعضائه الداخلية فسيسهل عليه تدميره كله وتسليمه على طبق إلى أعدائه المعلومين. مكمن الخطورة أننا نعيش على وقع الانتخابات وأغلبية التونسيين منحازة سلفا إلى هذا الطرف السياسي أو ذاك وتصدق دون تفكير كل ما يصدر عن حزبها أو الأطراف المقربة منها فتزيد نسبة عداء النهضوي للدستوري أو التجمعي أو العلماني أو اليساري أو الشيوعي. ويرتفع منسوب عداء بعض اليساريين للنهضة. ويشتد عداء الأطراف المعارضة الأطراف الحاكمة والعكس بالعكس. في مثل هذا الوضع يمكن لطرف أن يروج إشاعة حول صحة رئيس الدولة فيتصدى لها الطرف الآخر بعدوانية بما يوقد للحرب نارا. بالأمس نجونا بالكاد من مصيبة تقسيم البلاد والعباد إلى شمال وجنوب. أما اليوم فإنّ هناك من العفن السياسي ما يشجع على نمو فيروس التقسيم والتدمير داخل الجسد التونسي الواحد أفلا يكون في كل واحد منا رجل رشيد يقدم المصلحة الواحدة والمصير المشترك على المصالح الحزبية والشخصية المتنافرة؟