تونس الشروق: يبدو أن بعض السياسيين والدائرين في فلك السياسة من الذين تعودوا على ممارسات الظل التي سادت وبادت في العهد السابق قد أخذهم الحنين إلى تلك الممارسات.. فهرعوا لإحيائها وللتحرك وفقها ناسين أو متناسين أن الزمن غير الزمن.. وأن البلاد يحكمها الآن ويضبط الأمور فيها دستور توافق عليه كل التونسيين.. وأن الحياة السياسية تحكمها قواعد الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة بعيدا عن الحسابات الضيّقة شخصية كانت أو حزبية أو جهوية. وقد علمت "الشروق" على هذا الصعيد أن السيد كمال اللطيف الذي كان في وقت من الأوقات صانع السياسة وشخوصها في الظل قد عاوده الحنين إلى تلك الفترة اثر الوعكة الصحية التي أصابت رئيس الجمهورية السيد الباجي قايد السبسي.. وهو الظرف الذي وجده مناسبا ليعاود الانخراط في لعبة الظل القديمة بالتنسيق مع بعض الشخصيات.. وذلك سعيا الى التموقع تحسبا لحالة شغور في السلطة. ولنقل بدءا إن هذا الحراك لا أخلاقي ومغرق في الانتهازية لأن أصل الشيء أن ندعو لرئيس الدولة بتجاوز هذه الأزمة الصحية وبمعاودة نشاطه وقيادة البلاد إلى المحطات الانتخابية القادمة التي سوف تكرّس إلى غير رجعة مبدأ التداول السلمي على السلطة. والأخبار الواردة من محيط رئيس الدولة تفيد بتعافيه تدريجيا. وهو ما يدعو الجميع الى الدعاء له بالسلامة وطول العمر حتى يكمل انجاز عهدته ومدته الرئاسية على أحسن وجه. وان يعمد هذا الشخص إلى التحرك واجراء اتصالات مريبة ومشبوهة مع بعض الشخصيات الطامحة إلى أدوار أكبر منها فإن ذلك يعني أن مصلحة هؤلاء الأشخاص وفي أقصى الحالات الجهة التي ينتمون إليها تأتي قبل وفوق مصلحة الوطن التي تقتضي انتقالا سلسا للسلطة وفق الآليات الدستورية وعلى قاعدة الديمقراطية.. وهذا السلوك الانتهازي الذي يشي بتعطش مرضي للانقضاض على السلطة ومحاولة التدخل في الأحداث والتأثير فيها على غير ما سطره الدستور وعلى غير ما تقتضيه المصلحة الوطنية العليا يبقى سلوكا مرفوضا. ويفترض التنبّه إليه وقطع الطريق أمامه لأن طريقه مزروعة بالألغام والمخاطر.. ولأنه يفضي إلى تهديد الوحدة الوطنية ودفع كل الأحزاب والجهات إلى محاولة التدخل والتأثير في سير الأحداث. لقد أرسى دستور البلاد -مع كل الملاحظات التي يمكن أن تقال بشأنه- أسس وقواعد الحياة السياسية. وهي أسس وقواعد سطّرت كل شيء وتوفر أرضية للتعاطي مع كل الأزمات.. كما ضبطت سبل وآليات وطرق انتقال السلطة في كل الظروف والأحوال. وهي طرق وآليات لا مجال فيها لرجال الظل ولا مكان فيها للصائدين في المياه العكرة. بل انها توفر أرضية يمكن لمواقع السلطة والقرار أن تتحرّك وفقها لسدّ كل الثغرات إن وجدت ولتأمين شروط وظروف انتقال ديمقراطي وسلس للسلطة. انتقال ينطلق من الدستور ويعود إليه ليكرّسه كمرجعية عليا يحتكم إليها التونسيون أحزابا وسياسيين، حكاما ومحكومين. يبدو أن السيد كمال اللطيف ومن معه مازالوا يعيشون زمن ما قبل الثورة. ومازالوا يحنّون لتلك الممارسات التي لفظها الشعب وألقى بها في مزابل التاريخ.. ولم يعد يحن إليها ويريدها إلا الانتهازي أو الغبي.. في زمن يدرك فيه كل الأغبياء أن الدروس قد انتهت وأن اللعب في الوقت الضائع.. مضيعة للجهد والوقت ليس أكثر.