بقلم : المنصف بن فرج (برلماني وقنصل عام سابق) احتفالا بالذكرى الثالثة والستين لتأسيس الجيش الوطني (يوم 24 جوان 1956) أي غداة الإستقلال الذي أحرزت عليه البلاد يوم 20 مارس من نفس السنة، فقد توفقت الدولة آنذاك إلى إحداث جهاز الدفاع عن الوطن على مراحل، وبدء باصدار الأمر الصادر عن الباي محمد الأمين باشا باي في 30 جوان 1956 والذي أذن بانشاء وزارة الدفاع الوطني . آنذاك شرع في بعث النواة الأولى والتي لم تكن كثيفة العدد ولا كثيرة العتاد، وإنما كان بعثها رمزا لاستعادة تونس سيادتها، فتكونت قوات الدفاع الوطني من 850 عسكريا من ضباط وجنود وتشكيلات نظامية لرجال الوجق والمخازنية (وهي بقية القوات الملكية)، وهيئات مكلفة بحفظ الأمن الداخلي كانت ملحقة بوزارة الداخلية إلى جانب 1300 جندي عملوا مدة تحت لواء الجيش الفرنسي وشبان من حصتي 1954 و1955 لم يتجاوزوا 300 جندي، وبهذه المجموعات القليلة الرمزية، تم أول استعراض في 24 جوان 1956، وبدأ العمل على تحسين الوضع بانشاء مدرسة تكوين ضباط الصف بباردو، في نفس العام (1956)، وأمكن بعد ذلك تنظيم الجيش الوطني ببعث الأكاديمية العسكرية في 21 ديسمبر 1967 وتركيز الهياكل والإدارات اللازمة، داخل وزارة الدفاع التي تولى تسييرها، في البداية، الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة مع رئاسته حكومة الإستقلال . وعلاوة على قيام وحدات الجيش بدورها الدفاعي عن أرض الوطن، جوا وبحرا وبرا، في كل الأطوار، وأهمها في مراحل معارك جلاء الجيوش الفرنسية عن تراب الوطن، التي بدأت منذ 1957 وتواصلت مع معركتي رمادة والناظور 233 وساقية سيدي يوسف سنة 1958، ثم بنزرت وبقية مناطق البلاد حتى 15 أكتوبر 1963، تاريخ جلاء آخر جندي أجنبي عن ترابنا، واستشهاد مئات الجنود البواسل في ملحمة النضال التونسي البطولية كي تعيش تونس حرة منيعة مستقلة أبد الدهر، فقد كان لوحدات جيشنا دورا فاعلا وخصال حميدة أخرى اتصفوا بها، تمثلت في تمثيل تونس وتشريفها في مهمات أممية إنسانية، منها مهمات حفظ السلام بعديد من المناطق في القارة الإفريقية وغيرها من القارات، منها مساهمة إحدى القوات التونسية في الكنغو سنة 1960 تحت إشراف الأممالمتحدة، لمساعدة الحكومة الشرعية الكونغولية على إيقاف زحف التمرد والعصيان، وإحلال السلام والأمن والوفاق بين الفصائل المتنازعة، كما انصرفت قوات مختصة كذلك، في الكنغو بالذات إلى مد المساعدة إلى العمل المدني الهندسي بإصلاح طرقاتها المعطبة وإعادة الحياة إلى مجراها الطبيعي في تلك الربوع . علاوة على مساهمة جيشنا الوطني في جهود الوساطة العربية حين جدت في لبنان حرب «أيلول الأسود» سنة 1970 حربا بين الإخوة الفلسطينيين وأشقائهم الأردنيين، فتجندت وحداتنا لمراقبة تنفيذ اتفاقية وقف إطلاق النار بين المتقاتلين، دون أن نغفل الأعمال الجبارة لجيشنا في الميدان الإقتصادي والإجتماعي كسبا لمعركة التخلف التي خاضتها البلاد بعد حصولها على الإستقلال، وكذلك في إنقاذ المواطنين عند مجابهة الكوارث الطبيعية التي حلت ببلادنا في فياضانات سنة 1969 الخطيرة ومثيلتها سنة 1973، كل ذلك بحزم جيشنا وانضباطه وتفانيه في حب لتونس وخدمة شعبها . وإذا كانت هذه الأعمال التي قامت بها وحدات الجيش، ذات مردود كبير، وإشعاع عالمي مجيد، فقد ازداد عمل وزارة الدفاع ووحدات جيشنا تألقا، وتطورا وتعصيرا مع مرور الزمن. ولهذا حرصت الدّولة على تحديث قواتنا المسلحة بكل الوسائل العصرية من سلاح وعتاد وأجهزة إلكترونية متقدمة وتكوين لكل الوحدات والإطارات العليا وكافة أصناف الجيش ورتب المنتمين إليه . فأحدث المركز الوطني للإستشعار عن بعد، وتعهد المشرفون قوات الجيش البحري بوسائل تقنية في مجال الدراسات المائية والمحيطات، وتم إحداث ورشات الصيانة الكبرى بأياد وأدمغة تونسية وطنية مخلصة لله وللوطن .