احتفلت تونس مؤخرا بالذكرى 55 لجلاد آخر جندي فرنسي من الأراضي التونسية فرغم حصولها على استقلالها في 20 مارس 1956 إلا أن فرنسا خيّرت الاحتفاظ بقواتها العسكرية في قاعدة بنزرت البحرية ذات الموقع الاستراتيجي الهام لحماية جيشها من الثوار الجزائريين وتضييق الخناق على الثورة الجزائرية. إذ كانت الجزائر أنذاك تخوض معارك التحرير وأيضا للحفاظ على المصالح الاقتصادية للمعمرين الفرنسيين المتواجدين بالبلاد وهو ما دفع المجلس الوطني التأسيسي المطالبة بضرورة جلاء القوات الفرنسية على قاعدة بنزرت وكان ذلك بالتوازي مع الضغط الشعبي القوي من أجل اكتمال السيادة الوطنية ولكن الحكومة الفرنسية رفضت هذه المطالب وتزامنت هذه الأحداث مع انبعاث أول نواة للجيش التونسي في 24 جوان 1956 الذي سيكون الداعم القوي للمطالب الشعبية. ولكن تواصلت الاعتداءات الفرنسية علي لاتونسيين من خلال معركة ساقية سيدي يوسف في 8 فيفري 1958 بقيام الجيش الفرنسي بغارة جوية مدمرة خلفت خسائر مادية وبشرية هامة اختلطت فيها الدماء التونسيةبالجزائرية وأمام فشل الحلول العسكرية تمّ اللجوء الى الحلول الديبلوماسية من خلال رفع شكوى للأمم المتحدة إلا أنها لم تتخذ قرارا بضرورة خروج القوات الفرنسية من البلاد بل تركت المجال للتفاوض. وفي جانفي 1960 جدّدت تونس مطالبتها بضرورة الجلاد من خلال توجيهها مذكرة للحكومة الفرنسية إلا أنها أبدت تمسّكها ورفضها ترك قاعدة بنزرت. وفي 4 جويلية 1961 أعلن الديوان السياسي للحزب الحر الدستوري برئاسة الحبيب بورقيبة عن خوض معركة بنزرت. وفي 19 جويلية 1961 قام الجيش التونسي يسانده 15 ألف من الوطنيين المتطوعين وقام بحصار قاعدة بنزرت وألحقوا بالقوات الفرنسية خسائر بشرية ومادية ولكن الرد الفرنسي كان مزلزلا وعنيفا خاصة أمام الدعم اللوجيستي والتعزيزات العسكرية القادمة من الجزائر التي دعمت الأسطول العسكري الفرنسي فكانت كارثة بشرية ومجزرة رهيبة في صفوف التونسيين بسقوط حوالي 5000 قتيل وأمام هول الكارثة التجأ الحبيب بورقيبة الى الحلول الديبلوماسية بتقديمه شكوى لمجلس الأمن الدولي في 22 جويلية 1961 فصوّتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالأغلبية المطلقة بوقف إطلاق النار وفتح التفاوض بين تونسوفرنسا من أجل الجلاء عن بنزرت وبعد عدة مفاوضات توصّل الطرفان الى إقرار الجلاء يوم 15 أكتوبر 1963، وبغض النظر عن نجاعة اختيار الحبيب بورقيبة توقيت حرب بنزرت خاصة اعتماده على الخيار العسكري خاصة معرفته بعدم تكافؤ موازين القوى بين الطرفين إلا أن هذه الحرب زادت من اللحمة بين التونسيين دعمت الوحدة الوطنية وساهمت من التخلص من الوصاية الأجنبية على البلاد، وأصبحت تونس ذات سيادة كاملة مثلما نصّ على ذلك دستور 1959 بعد أن اقتلعت جذر الاستعمار العسكري (جلاء آخر جندي فرنسي عن الأراضي التونسية) يليه الجلاء الزراعي سنة 1964 (تأميم الأراضي قانون 12 ماي 1964).