هناك اسطورة صينية – وبعض الاساطير الشعبية القديمة لا تفقد مغزاها على مر الزمن – تحكي قصة نمر ظهر ذات يوم على جسر تسينيان واختلفت مواقف الناس بشأنه بعضهم كان يقول لا ينبغي ان نستفز النمر الهائج حتى لا يقتلنا.وبعضهم الآخر كان يقول: فلنتجنب حتى الوقوف أمام النمر، فكيف يمكن لنا مجرد التفكير في استفزازه؟ أما (أوسون) بطل الاسطورة فكان من رأيه، ان النمر الذي يمرح على جسر تسينيان سوف يقتل الناس سواء استفزه الناس، او لم يفعلوا وعلينا اما ان نقتل النمر و إما ان يقتلنا هو. ويبدو ان ثورة العراق قد تبنت رأي (اوسون)..ففي نهاية عام 1971 دخلت الحكومة في مفاوضات مع الشركات الاحتكارية، و قررت منذ البداية ان تكون قاطعة وحاسمة. كانت منذ عام 1970 بعد فشل مفاوضات لم يعلن عنها وقتها مع الشركات قد عقدت عزمها بطريقتها الصدّامية على التعرض للنمر الذي يمرح مختالا ومواجهته بالعنف الضروري القادر على تخليص الناس من شره. غير ان الشركات تصورت ان الثورة انما تناوشها فحسب فكيف يمكن لها ان تستفزها..او تفكر – مجرد التفكير – في الخلاص منها؟ ولذلك لجأت الى الالتفاف وإطالة المفاوضات والمساومة وبعد فترة قصيرة حينما لمست ان في الامر استفزازا حقيقيا لها قررت ان تبادر هي بالمواجهة قبل ان تبادر الثورة لمواجهتها فأقدمت على تخفيض الانتاج بنسبة كبيرة جدا حتى تشل الثورة تماما عن الحركة وتسقط كل مشاريعها في التنمية وتفرغ خزانتها من احتياطيات العملة الصعبة. ولكن الثورة لم تكن تفكر في استفزازها فحسب بل كانت قد أعدت عدتها وهيأت الساحة تماما للقضاء عليها بشكل كامل وقتلها وفي السابع عشر من ماي 1972 وجهت لها (إنذارها الشهير) الذي كانت مدته اسبوعين فقط وطالبتها بمقتضاه ان تجيب بالإيجاب عن كل مطالبها...وإلا فسوف يكون لها امر اخر. وحتى برغم هذا الانذار فلم تكن الشركات تصدق في قمة هيمنتها وسطوتها ان الامر يمكن ان يصل الى المدى الذي لم يكن بوسعها في ذلك الوقت ان تتصوره وهو التأميم الكامل. ينبغي ان نتذكر هنا ان عددا من اصدقاء الثورة انفسهم داخل العراق وخارج العراق لم يكن يدور بخلدهم ان الثورة سوف تتجه بالفعل الى تنفيذ مقتضى انذارها وإصدار قرار التأميم. وللأمانة التاريخية لابد من ان نذكر ان الحزب الشيوعي العراقي نفسه الذي كان في ذلك الوقت قد شارك بوزيرين في الحكومة نصح الثورة بالتريث في اتخاذ قرارها حتى لا تتعرض البلاد لما تعرضت له مصر بعد تأميم قناة السويس من عدوان امبريالي مسلح. وفي اللقاء الذي جرى بين صدام حسين و فيدل كاسترو في هافانا في الخامس عشر من جانفي 1978 ، يذكر صدام حسين لكاسترو : (ان القائم بالأعمال السوفيتي التقى طارق عزيز ليقول له : اذا اممتم النفط فستقومون بعمل خطير وجاء طارق عزيز يقول : ان القائم بالأعمال يحذر من التأميم) . غير ان الشعار الاساسي في تلك الايام والذي تضمنته في البداية نشرة داخلية موجهة الى الجهاز الحزبي البعثي حول المجابهة مع الاحتكارات وتحول بعد ذلك الى اناشيد و أهازيج ترددها الجماهير في الشوارع والساحات كان يقول (لا تخاذل والى الامام). وفي نفس الجلسة مع كاسترو يقول صدام حسين (لم يكن لدينا معلومات عن سوق النفط سألنا الاختصاصيين الماليين والاقتصاديين كانوا يحسبون بالطريقة التقليدية ويقولون ميزانيتكم فيها عجز وليس لديكم رصيد في المصارف فكيف تؤمّمون؟ نحن اعتبرنا الجماهير عملة صعبة لم يكن بإمكاننا ان نحسب بأي طريق تقليدي...). يتبع