برزت ثلاثينات القرن الماضي في تونس بغزارة الانتاج الأدبي والثقافي من خلال أسماء أدبية في حجم وقيمة محمد العريبي وعبد الرزاق كرباكة ومحمود بورقيبة وعلي الدوعاجي وبيرم التونسي.. وغيرهم كثير... وشهدت تلك السنوات ميلاد الرشيدية التي رفعت لواء الانتصار للهوية الوطنية في الأغنية التونسية في مواجهة موجة السذاجة اللحنية والمضامين السطحية والمفردات المسيئة للذوق العام. انتصرت الرشيدية لذائقة فنية ابداعية تونسيةأصيلة فكان ان فسحت المجال لأصوات غنائية رائدة في مجالها... وكانت صليحة التي انضمت للرشيدية سنة 1938 وقد انطلقت في التأثيث لمسيرتها الفنية الرائدة والخالدة التي بدأتها بتسجيل أغنية «بخنوق بنت المحاميد» في مقام العرضاوي وهي من الموروث الفني التونسي... وكان الشاب في تلك السنوات صالح المهدي أحد العازفين المتميزين في الفرقة الموسيقية للرشيدية. 1945 أول لقاء ذات يوم من شتاء 1945: دعا الأستاذ عثمان الكعاك بصفته رئيسا للرشيدية العازف الشاب صالح المهدي الى مكتبه ليطلب منه إعداد لحن خاص بالصوت القادم على مهل في تلك السنوات صليحة لم ينتظر صالح المهدي طويلا لينطلق في تلحين أول أغنية خاصة منه لصليحة عن نص للشاعر الحاج عثمان الغربي « مريض فاني طال بيا دايا» أغنية مثلت فاتحة تعاون ابداعي تونسي بين الملحن صالح المهدي و صليحة من خلال مجموعة من الألحان الطافحة بالحب والأمل والحياة : أوتاري وعودي، دار الفلك، حبيتها، يا خليلة، في بستاني، يا خدود التفاح... وغيرها من الأغاني. وما يمكن الاشارة اليه في هذا الاتجاه أن صالح المهدي كان الثاني بعد خميّس الترنان في مجموع الألحان التي قدمها لصليحة صالح المهدي الذي تم تنصيبه قاضياً في العام 1951، مارس اهتمامه الموسيقي من عزف وتلحين وكتابة صحافية في نقد الموسيقى تحت اسم «زرياب»، تاركاً اسم صالح المهدي للقاضي، ومتحرراً بلبس عباءة أحد أقدم الموسيقيين في التاريخ الإسلامي. هذا التعلّق بالموسيقى وجعلها مشروع حياة يشاركها الآخرين ليس مستغرباً ممن تربى على أن يكون سميعاً لمطرب المالوف التونسي الشهير خميس ترنان. فقد خصص والد المهدي المحب للفن والأدب، أياماً من الشهر في بيته لإقامة مجلس أو صالون ثقافي فني، كان يحضره ترنان ويغني فيه بصحبة فرقته. ظلّ المهدي وفياً للمالوف التونسي، الفن الذي يحمل هوية غرناطية مغاربية، ويجمع بين الإنشاد الديني والغناء للحب والعشق في آن. كما ظل زرياب يقدّم دروساً في الطبوع، أي المقامات التونسية. ومن هذا الولع بالتراث جاءت ألحانه التي قدّمها للمطربين والمطربات مزيجاً من الموسيقى الشعبية المألوفة ورؤيته الخاصة للحن، كما قدّم 600 مقطوعة، أو تراكيب موسيقية، جمعت الشعبي بالكلاسيكي، مستخدماً الآلات الشرقية والغربية معاً ومقاطع سمفونية مع الموشحات وقالبي البشارف والنوبة. أما في المجال الأكاديمي فقد أغنى المهدي المكتبة العربية بأبحاث متخصصة بالتأريخ الموسيقي، ونال عن جهده كباحث موسيقي جائزة «الأكاديمية العربية للموسيقى» التابعة لجامعة الدول العربية. مريض فاني نص : الحاج عثمان الغربي ألحان :صالح المهدي أداء: صليحة مريض فاني طال بي دايا العين كحلة هذوبها كوايا * * * * مريض مدجّج عمال المرض على الجواجي يكجّج جميع الأطباء في دوايا تعجز فيكمشي واحد عرف ليّا دوايا * * * * تكدّر حالي على الأطباء بذلت جلّ أموالي حتى منام الليل ما يحلالي العشق فراشي والغرام غطايا * * * * القدرة دزتني فتحت الباب برصاصتي نغمتني بهذوبها في حينها جرحتني الجرح ماكن في صميم احشايا * * * * الجوارح ملّوا قدم الفراش بدنو تعب بكلّو ان صبت دز سلام منك قلّو أنا أديب هنوه نضيّفو حذايا * * * * أفكاري ملّت ياليتها من بابها ما طلّت هذا قضاء مبرم عليّا تسلّط ودّعت أمري لخالقي مولايا