رحل رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي يوم انتظر التونسيون أن يخاطبهم بمناسبة ذكرى 25 جويلية ليطمئنهم حول صحته وحول وضع البلاد.. من هنا فصاعدا سيصطبغ عيد الجمهورية كل عام بذكرى رحيل الباجي قائد السبسي، وفي كل عام ستبكي الجمهورية يوم 25 جويلية أول رئيس لها انتُخب بطريقة ديمقراطية وأول رئيس لها تتوفاه المنيّة وهو على كرسي الرئاسة..رحل «البجبوج» مُخلّفا وراءه مسيرة طويلة من العمل السياسي امتدت على أكثر من نصف قرن وأنهاها في قصر قرطاج رئيسا للجمهورية بعد انتخابه سنة 2014.. .. يوم أمس بكى التونسيون رئيسهم وبكته الساحة السياسية العربية والدولية لأن الرجل كان، بقطع النظر عن حصيلة حُكمه طيلة الخمس سنوات الماضية، استثنائيا. فقد نجح على رأس الحكومة سنة 2011 في قيادة البلاد،عندما كانت على صفيح ساخن، وأوصلها إلى برّ الانتخابات.. ثم أسس حزب نداء تونس ونجح بفضله في إعادة التوازن السياسي في البلاد. وبعد فوزه وفوز حزبه في انتخابات 2014 لم يختر الانفراد بالحكم، وهو ما يتيحه له الدستور، بل اختار التشارك في الحكم مع مختلف الألوان السياسية.. لقد كان الباجي قائد السبسي رئيسا توافقيا ولم يكن اقصائيا وتقمص دور «رئيس كل التونسيين» كأحسن ما يكون.. استقبل كل الفرقاء السياسيين في قصر قرطاج وبادر أكثر من مرة لحلّ الأزمات وكان أول من بادر بالتوافق وبالحكم التشاركي وبحكومة الوحدة الوطنية.. لعب دور الضامن للدستور كأحسن ما يكون فلم يُدخل عليه ولا على النظام السياسي أي تغيير.. التزم حدود صلاحياته الدستورية ولم يتدخل كثيرا في عمل الحكومة..كان رجل دولة باجماع كثيرين وكان الاكثر ترديدا لعبارة «هيبة الدولة» التي يؤمن بها كثيرا وحرص قبل أسبوعين،وهو يصارع محنة المرض، على التوقيع على أمر دعوة الناخبين للانتخابات لأنه يؤمن أشد الايمان بالانتقال السلمي للسلطة، مثلما حرص أكثر من مرة على الدعوة لإرساء المحكمة الدستورية.. وطيلة فترة حكمه عمل الباجي قائد السبسي جاهدا لإعادة صورة تونس في الخارج إلى موقعها الطبيعي، وتمكّن بحنكته وخبرته السياسية الطويلة من افتكاك كل الاحترام والتقدير لشخصه وللدولة التونسية من كل دول العالم.. حضر تظاهرات دولية لم يحضرها غيره من الرؤساء العرب والتقى رؤساء الدول الكبرى ومازحهم على طريقته وجادلهم بكل ندّية حول حقيقة دعمهم لتونس في مسارها الانتقالي.. لن يجد رؤساء دولة المستقبل وقادتها صعوبات كثيرة في تسيير البلاد كأحسن ما يكون ، فما أرساه الباجي قائد السبسي من تقاليد في منظومة الحكم قادرة على تأمين السير العادي للدولة، أبرزها التوافق ونبذ الاقصاء وضمان الممارسة الديمقراطية ومناخ الحرية والتعددية واحترام الدستور واحترام المواعيد الانتخابية والانتقال السلمي للسلطة. رحم الله الباجي قائد السبسي رئيس الجمهورية التونسية.. لقد كان رئيسا استثنائيا !