نحاول بهذه الحلقات من أدب الرحلات إمتاع القارئ بالتجوال في العالم رفقة رحّالة وكتّاب شغفوا بالترحال وأبدعوا على اختلاف الأنظار والأساليب في وصف البلدان، سواء انطلقوا من هذا القطر أو من ذاك، مع العلم بأنّ أكثرهم من المغرب الكبير ووجهاتهم حجازيّة لأولويّة مقصد الحجّ وغلبة المشاغل العلميّة والثقافيّة على آثارهم باعتبارهم فقهاء وأدباء، على أنّ الرحلة تكون ممتعة أكثر مع آخرين جالوا في قارات أخرى. مع حنّون في غرب إفريقيا حَنُّونْ (Hanon): ق 5 – 2 ق. م. ملك قرطاجي قام برحلة بحريّة عبر سواحل إفريقيا الغربية. عنه : بوذينة (م.): تونسيّون في تاريخ الحضارات، ص.91 – 93 نقلا عن «تاريخ قرطاج» لمادلين هورس ميادان بترجمة إبراهيم بالش، منشورات عويدات، بيروت 1981؛ فنطر (م. ح.): اكتشاف حنّون لعالم جديد . – في: جماعي: تونس/أعلام ومعالم، ص.46 – 49؛ فونتان (ج.): فهرس تاريخي، ص 10. الرحلة: وُجِدَتْ رحلة الملك حنّون Hanon): ق 5 – 2 ق. م. (محفورة على الْبرُنْزِ في معبد بَعْلْ حَمُّونْ بقرطاج. قام بها هذا الملك الذي ينتمي إلى أسرة الماغونيّين في تاريخ مختلف فيه بين القرن الخامس والقرن الثاني قبل الميلاد. وتابع فيها بحرا سواحل الغرب الإفريقي ليصل إلى غينيا مرورا بمستعمرات فينيقية قديمة ذات نشاط تجاري. وكذلك كان الغرض من رحلته التي ساعده عليها في كلّ محطّة أو مرفإ قدماء المغامرين من أبناء ملّته والأهالي الخاضعون لنفوذ قرطاج الاقتصادي الذي وجدوا فيه مصلحة أكثر من استعمار. والترجمة اليونانيّة لرحلة حنّون عسيرة على القارئ وعلى المؤرّخ إذا رام أحدهما التثبّت في المواقع الجغرافية والمعلومات الإتنوغرافيّة بدءا بمعضلة الأسماء. وعن اليونانية تُرجمتْ الرحلة وعلّق عليها ستيفان ﭭزال (Stéphane Gsell) باختلاف مع الترجمات التي تلتها بعناية جِهَانْ دِيزَانْجْ (Jehan Desanges) وكَرْكُوبِينُو (Carcobino) اعتمادا على المخطوط الذي هو في الواقع نسخة ترجع إلى القرن التاسع الميلادي، اكتُشفتْ في هيدلبرق (Heidelberg). فأقدمُ المراجع وأقربُها لمن أراد الاطّلاع على نصّ الرحلة هو كتابُ كَرْكُوبِينُو عن المغرب القديم الصادرُ عن دار ﭭاليمار (Gallimard) سنة 1948. وهو نصّ مشحون بالمغامرات والمخاطر والعجائب التي تثير فضول القرطاجيين وتثري الخيال وتفيد الأسطورة أكثر ممّا تفيد التاريخ حيث لا حقائق يوثق بها. وقد أحضر حنّون وبحّارته يوم العودة إلى قرطاج ذلك الدليل على إنجاز الرحلة: طبلة التّام تام (Tam Tam) وجلدين لأنثيي الغوريلاّ. أمّا الأخبار عن فيضان الأنهار وعن نيران الجبال وحمم البراكين والمياه الحارّة فقابلة للمبالغة إلى حدّ الشكّ. وفيما يلي مقتطفات من رحلة حنّون بترجمة دِيزَانْج: «- رأى القرطاجنّيون من الأفضل أن يقوم حنّون بجولته البحرية بعيدا عن أعمدة هركلس [أي هِرَقْل أو مضيق جبل طارق في اصطلاحنا] وأن يؤسّس مدنا يكون أهلها لوبيّين [أي بربر] وفينيقيين [أي قرطاجنّيين]. فركب البحر ومعه ستّون (60) قاربا بخمسين مجذافا وجمع غفير من الرجال والنّساء عددهم حوالي ثلاثة آلاف (3000) نسمة ومُؤَن كثيرة وكلّ التجهيزات اللاّزمة [...]. يتبع