الخلاعة مطمح كل تونسي بعد سنة من التعب والكد تنغصه تجارة الشواطئ أو التجارة الصيفية الشاطئية، وتلوث الشواطئ وغلاء الأسعار وغيرها من المنغصات. فماهي هذه الاخلالات والتجاوزات التي تنغص خلاعة التونسي أو تحرمه منها؟ تونس «الشروق»: ناجية المالكي الخلاعة أو المصيف العائلي فرصة يترقبها التونسي للتخلص من تعب سنة كاملة وللترفيه عن النفس, لكن يبدو أن المنغصات كثيرة ومتعددة وأولها تلك المتعلقة بتلوث الشطوط القريبة من الأحياء السكنية. حيث كشفت وزارة الصحة منذ بداية موسم الاصطياف عن قائمة الشواطئ الغير صالحة للسباحة لهذه الصائفة. وبينت الوزارة ان نتائج المراقبة الصحية لمياه البحر أثبتت أنّ 51 % من الشواطئ التونسية ذات نوعية حسنة جدا. و49 % من الشواطئ التونسية غير صالحة للسباحة. كما كشفت عن وجود 21 شاطئا غير صالح للسباحة. تلوث الشواطئ حرم الالاف من التونسيين من التمتع بالبحر والاستجمام على الشواطئ القريبة من محل سكناهم أو حتى تلك التي يمكن أن يصل إليها المواطن عن طريق امتطائه لوسائل النقل العمومي الحافلات أو القطارات (الضاحية الجنوبية). تكلفة مرتفعة كشف لطفي الرياحي رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك أن الشطوط الملوثة يدفع المواطن للتنقل والبحث عن شطوط نظيفة وهذا سيكلفه ميزانية لا تقل عن 100 دينار يوميا. وإذا رغب المواطن البسيط صاحب المرتب الشهري الذي لا يتجاوز ال 400 دينار في التمتع بالبحر والاستجمام على الشواطئ فإنه سيضطر للاقتراض لتغطية نفقات أسبوع من الخلاعة التي تصل تكلفته إلى 500 دينار على أقل تقدير. وهنا نتساءل لماذا لا تسعى الدولة إلى تنظيف الشطوط وتمنع اولئك الذين يلقون بالفواضل والمياه المستعملة بدل حرمان المواطن البسيط من الاستمتاع بالبحر القريب من محل سكناه؟ أم أن قدر التونسي هو الحرمان من كل شيء في ظل استفحال ظاهرة الفوضى وتخريب كل شيء جميل في تونس؟ تجارة غير منظّمة على جوانب جميع الطرقات المؤدية إلى المناطق الساحلية وأماكن الاصطياف تنتشر عدد من "النصب" العشوائية التي تحتوي على جميع لوازم الخلاعة من "براسولات" وكراسي وطاولات ومبردات ماء وألعاب الشاطئ الخاصة بالأطفال. إلى جانب انتشار بائعي الغلال الصيفية كالبطيخ والهندي والكرموس والعنب وغيرها من المنتوجات الفلاحية حسب اختصاص الجهة المقصودة. يبدو الأمر عاديا لو كان قانونيا وتحصل ممارسو هذا النشاط التجاري على رخصة من السلط الجهوية الراجعة إليها النظر. لكن الأمر ليس كذلك باعتبار أن أصحاب هذه "النصب" كثيرا ما يقومون بتجاوزات ويتسببون في أضرار مادية للحريف الذي تضطره الظروف للوقوف أمام سلعهم واشتراء ما يلزمهم. وفي الغالب يكون المصطافون الذين يحاصرهم الوقت والذين لديهم التزامات مهنية عديدة تمنعهم من ابتياع ما يحتاجونه من بضائع قبل أن يقصدوا الشطوط للاصطياف هم الضحية الأولى لهؤلاء الباعة المؤقتين وغير القارين المنتشرين على جوانب الطرقات في مختلف أنحاء الجمهورية. أول ما يلاحظه الراغب في شراء سلعة من سلع هؤلاء الباعة المتجولين هو غلاء الأسعار وممارستها للقفز العالي. فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد ثمن الكرسي الصغير في حدود 20 دينارا وثمن الطاولة في حدود 50 دينارا وثمن " الباراسول " في حدود 45 دينارا وهي أسعار تختلف عن تلك الموجودة في السوق العادية. أما بالنسبة للغلال الموسمية ك"الكرموس" والهندي" والعنب فقد تتفاجأ بأن نصف كلغ من هذه المواد يباع بخمسة دنانير أو أكثر. وتجد ثمن السمك بجهة بنزرت أكثر بخمسة دنانير من الذي تجده في السوق المركزية وغيرها من الأسواق والتعلة هو أنه "فرشك" ومن "بحرو". هذا دون نسيان ثمن المأوى الذي ارتفع إلى حدود 2000 و2500 مليم في بعض الأماكن. بالإضافة إلى احتلال الشواطئ من قبل عدد من أصحاب المضلات والكراسي والذين لا يتركون المجال للتونسي بوضع مضلته الخاصة به بدعوى أن المكان محجوز من طرف البلدية فيضطر المصطاف إلى كراء طاولة ومظلة وكراسي بأسعار تتفاوت بين شط وآخر ولكنها جميعا ليست أقل من 25 دينارا في كل الحالات. سلع فاسدة ومضرة مطب آخر يمكن أن يسقط فيه المصطاف إذا سولت له نفسه شراء سلعة من إحدى "النصب" الموجودة على الطريق يتمثل في شرائه لسلع فاسدة وغير قابلة للاستعمال والتي لا يكتشف أعطابها بالعين المجردة وإنما بعد أن يحاول استعمالها مثل المبردات"غلاسيار" و"المراوح" أو الكراسي التي لا تصمد طويلا أمام طول الجلوس عليها في الشاطئ فتنكسر. في هذه الحالة سوف لن يجد الحريف فرصة لمعاتبة البائع أو محاولة الحصول على تعويض على الضرر المادي الذي حصل له باعتبار أن البائع سوف يتبخر ولن تجد له أثرا إذا أدرك أنه روج سلعا مغشوشة وغير صالحة للاستهلاك. الشيء نفسه يمكن أن ينطبق على باعة الغلال والخضر الذين يعرضون بضائعهم تحت أشعة الشمس الحارقة وتكون عرضة للأتربة والغبار. والتي من الممكن أن تتسبب في تسممات غذائية خطيرة توصل صاحبها إلى أسرة المستشفيات وأقسام الاستعجالي. وهنا نقف لنتساءل عن الغياب الكلي لفرق المراقبة الاقتصادية والصحية التي من المفروض أن تقوم بحملات على هؤلاء وتجبرهم على عرض سلعهم في أماكن مهيأة لذلك ولا تسبب أضرارا للمستهلك الذي عادة ما يقع ضحية شهواته ورغبته في شراء بعض الغلال التي من المفروض أن تكون طازجة وبيولوجية وغير ضارة. ويغيب عن ذهنه مدى الساعات الطويلة التي ظلت فيها هذه المواد الغذائية الحساسة معروضة تحت أشعة الشمس الحارقة وعرضة للغبار والأتربة وعوادم السيارات. أبرز الشواطئ غير صالحة للسباحة أريانة: قنال خليج رواد حي الحكام بن عروس: 100 متر جنوب واد مليان الزهرة -100م جنوب شط مروان رداس-قبالة الحماية المدنية رادس- مصب الزهراء- وادي مليان برادس. بنزرت: شاطئ البعالي بمنزل جميل، ومرفأ الصيادين، وسيدي الحشاني بمنزل عبد الرحمان، وقنال 2 بجرزونة نابل : قرب القطب التكنولوجي جمال/ شاطئ دار شعبان سوسة: شاطئ سيدي عبد الحميد 2 قابس: 4 شواطئ : شاطئ واد الطين غنوش -شاطئ السلام -الضفة اليمنى للقنال بقابسالمدينة- مصب الوادي القديم. مخاطر السباحة في الشواطئ الملوثة ما لاحظناه أن عددا من التونسيين وربما يصل عددهم للآلاف يسبحون في الشوطئ التي أعلن أنها غير صالحة للسباحة معرضين بذلك أنفسهم إلى عدد كبير من المخاطر والأمراض التي يمكن أن تكون خطيرة وقاتلة. وفيما يلي نستعرض المخاطر الصحية التي يمكن أن تنجر عن السباحة في مياه البحر الملوثة. من المهم الإشارة إلى كيفية قياس نسب التلوث، حيث تعتمد على مؤشرين من "التلوث البرازي" لتقييم واقع المياه، وهما: مياه الصرف الصحي الآتية من المنازل وفضلات الحيوانات أولاً والنفايات السائلة التي يتم تصريفها في مياه البحر ثانيا. وبما أننا نتحدث على المقياس التونسي، فمن الطبيعي وجود هذين المؤشرين في مياه الشواطئ، ولسنا بحاجة إلى إيراد أدلة عن كيف تحوّل البلديات مياه صرفها الصحي نحو البحر ولا عن النفايات المطمورة في البحر. هذه المؤشرات ستقود بلا شك إلى تأثيرات كبيرة على صحة الإنسان. فكلما كان وجود هذه المؤشرات عالياً، كلما زاد احتمال وجود الجراثيم بشكلٍ أكبر في مياه السباحة. وتتنوع ما بين العدوى الجرثومية مثل "السالمونيلا" و"الشيجيلا"، والعدوى الفيروسية مثل "الفيروسات المعوية"، وهي الأكثر شيوعاً هنا و"التهاب الكبد الفيروسي A"، والتي تؤدي بشكلٍ عام إلى التهاب المعدة والأمعاء والالتهابات الفطرية. وثمة أعراض أخرى تسببها المياه الملوثة منها اضطرابات العين والأنف والحنجرة والتهاب الجلد. هذا في المجمل أما ما يمكن تفصيله هنا، فيمكن الحديث مطولاً عن أضرار ومخاطر المياه الملوثة على صحة الإنسان، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: تسمم الأحياء المائية الموجودة في المياه نتيجة تزايد كمية المواد الكيميائية الملوثة. تناقص الأوكسجين المذاب في المياه، الأمر الذي يؤدي إلى تناقص الأحياء المائية نتيجة التلوث من الصرف الصحي والكيماويات الصناعية والزراعية. ازدياد وكثرة الطفيليات والبكتيريا يجعل هذه المياه غير صالحة للسباحة أو الري أو حتى التنظيف. صعوبة اختراق الضوء لسطح المياه نتيجة تغطية السطح بالملوثات يؤدي إلى تضرر الأحياء المائية تحته. ظهور الكثير من الأمراض الناتجة من التلوث مثل الربو والحساسية في الصدر وأمراض السرطان والأمراض الجلدية وأمراض العيون واضطرابات المعدة وتضخم الكبد وفقدان الذاكرة والخمول والتبلد والنزلات المعوية والتيفوئيد والإسهال والجفاف والكوليرا والتسمم. ظهور أطفال مشوهين بسبب تدمير خلايا الوراثة. زيادة احتمال وجود العناصر التي تؤثر على الدم والمخ والعظام ومنها الرصاص والزئبق والزرنيخ والحديد والكلور والفلور والكاديوم والأمطار الحمضية والمفاعلات النووية والمواد الكيماوية والنفط ومياه الصرف الصحي والمبيدات الحشرية والبلاستيك. زيادة نمو الطحالب والنباتات المائية في المسطحات المائية كالبحيرات الملوثة بالصرف الصحي يؤدي إلى انتهاء الأوكسجين مما يقضي على الأسماك والكائنات البحرية. هذه عينة مما قد تحمله لنا المياه الملوثة. عينة تكبر يوماً بعد يوم في مياه الشواطئ التونسية التي باتت مطامر للنفايات. ويستوجب كل هذا المعالجة السريعة، وهو ما نعجز عنه نحن. ويبقى السؤال عالقاً: من يحمي أطفالنا من مياه بحرنا الملوث؟