كانت صائفة 1985 على موعد مع الاعلان عن تأسيس المهرجان الدولي للموسيقى السمفونية وقد احتضن المسرح الروماني بالجم أولى دوراته في تلك الصائفة ليصبح تقليدا سنويا بطابعه الابداعي الخصوصي من خلال الانفتاح على الموسيقات الكلاسيكية العالمية. والمسرح الروماني المشهور بقصر الجم أو مدرج الجم مازال شامخا منذ آلاف السنين يحتضن في صائفة كل سنة عروض الموسيقى الكلاسيكية العالمية الخالدة على مرّ العصور. وترجح أغلب الروايات عن تشييده أن الامبراطور الروماني غورديان الثاني الذي قاد انتفاضة على امبراطور روما في ذلك العصر هو من أمر ببناء المسرح سنة 238 ميلاديا ليكون مسرحا رومانيا عظيما يضاهي في العظمة والمساحة نظيره في عاصمة الامبراطورية في روما ويتجاوزه جمالا وروعة وأطلق عليه اسم «كولوسيوم تيسدروس». في أثناء بنائه عالج المصممون كل الأخطاء الهندسية التي وقعت في بناء المدرج الروماني السابق في روما الامر الذي يفسّر بقاء مسرح الجم في نظر علماء الآثار والتاريخ ابداعا معماريا وفنيا من الطراز الأول ويشهد بالرقي لمدينة تيسدروس (الجم) الرومانية. يعتبر هذا المسرح الذي شكّل على مدى العصور ومنذ بداية العهد الروماني مسرحا لأحداث تاريخية عظيمة اذ عاش على وقع العديد من الاحداث التي شكلت منعطفا في التاريخ الانساني هو واحد من أعظم الآثار الرومانية في العالم لعراقته وتاريخه الكبير وجماله الفريد أدرج هذا المسرح الروماني سنة 1979 على لائحة مواقع التراث العالمي من طرف اليونسكو وليفتح أبوابه بداية من صيف 1985 لاحتضان المهرجان الدولي للموسيقى السمفونية. تبلغ مساحة القصر ذي الواجهة الرومانية المرتفعة 148 مترا في 122 مترا، أما أبعاد الحلبة فتبلغ 65 مترا في 33 مترا وتتسع مدارجه لقرابة 35 ألف متفرج ويقع نحت حلبته رواقان يصلهما الضوء من الفتحة الوسطى للحلبة اضافة الى فتحتين من جانبي الحلبة كانت تستخدم لرفع الوحوش من أسود ونمور والمصارعين من أسرى الحرب. كان مسرح الجم حلبة لمصارعة الوحوش ومسرحا داميا تتمزق فيه أجساد العبيد وأسرى الحرب وكبار المجرمين الذين تجاوزوا القانون. كما كانت جدرانه شاهدا على النبلاء الرومانيين الذين أدمنوا الصراعات الدامية وخصصوا لمشاهدتها أغلب وقتهم. مسرح الجم اصبح اليوم فضاء لاحتضان الفنانين العالميين ومسرحا شهيرا لأكبر الحفلات الموسيقية في تونس والعالم من خلال تأسيس اول مهرجان للموسيقى السمفونية في ثمانينات القرن الماضي حيث تضاء الشموع في كل صيف في مختلف أروقته مشكلة لوحة تجمع بين سحر الأثر التاريخي وإبداع الفن المعاصر لتعلن انطلاق دورة جديدة من مهرجان الموسيقى السمفونية بالجم.