تعتبر فترة فتح إفريقيّة و المغرب من أعسر فترات التاريخ لقدمها و ندرة مصادرها ، بل ونقلها عن بعضها بعضا ، و خاصة اختلاط رواياتها بالأساطير و الكرامات و الموضوعات التي قصد بها أصحابها تعظيم دور بعض الفاتحين و ترغيب المسلمين في فتح بعض المدن كتهويل فتح إفريقيّة في البداية ، ثمّ تمجيد عقبة بن نافع ، فالترغيب في فتح المنستير على أنّه باب من أبواب الجنّة ! وقد تعدّدت روايات فتح إفريقيّة و المغرب و الأندلس . فمن أبرز أعلام الرواية الشرقيّة الواقدي ( ت 208 ه) تلميذ مالك و مؤلّف المغازي التي رواها عن الفاتحين، و نقلها عنه ابن الأثير و البلاذري.أمّا الرواية الإفريقيّة فترجع بعض الأخبار إلى أبي المهاجر دينار الذي يقال حسب أحد أحفاده إنّه وضع كتابا في غزوات إفريقيّة . و تبدو الرواية الأندلسية التي يمثّلها الورّاق ( ت 363 ه) متأخّرة نسبيّا و مزيجا بين الروايتين الشرقيّة و الإفريقيّة ، وهي التي اعتمدها أبو العرب و المالكي و الرقيق القيرواني ( ت 417 ه) و يغلب عليها الإطراء و التمجيد. و قد آثر الباحثون في الموضوع اعتماد الرواية المصرية التي يمثّلها ابن عبد الحكم ( ت 257 ه ) بكتابه « فتوح مصر و المغرب « لموضوعيتها . ففي خلافة عمر بن الخطّاب فتح عمرو بن العاص فلسطين ثمّ مصر سنة 21 ه ، فبرقة سنة 22 ه ، ووصل إلى جبال نفوسة سنة 23 ه ، و عندما فكّر في فتح إفريقيّة استأذن عمر بقوله : « إنّ الله قد فتح علينا طرابلس ، و ليس بيننا و بين إفريقيّة إلاّ تسعة أيّام ، فإن رأى أمير المؤمنين أن يغزوها و يفتحها الله على يديه فعل .» فكتب إليه عمر : « لا ، إنّها ليست بإفريقيّة ، و لكنّها المفرّقة ، غادرة مغدور بها ، لا يغزوها أحد ما بقيت . « ( ابن عبد الحكم، ص 232) . وعندما تولّى الخلافة عثمان بن عفّان عزل عمرو بن العاص ، و نصب مكانه على مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح سنة 25 ه . فكان يبعث إلى إفريقيّة جرائد من المسلمين فيصيبون أطرافها و يغنمون. فاستأذن عبد الله عثمان في فتحها ، فاستشار عثمان الناس . و لمّا اجتمع المجاهدون خرجوا إلى إفريقيّة سنة 27 ه بقيادة عبد الله بن سعد بن أبي سرح في جيش العبادلة السبعة الذي يضمّ عشرين ألف مقاتل ، بعضهم من الصحابة . و في سبيطلة انتصر المسلمون على جرجير ، و يقال إنّ قاتله هو عبد الله بن الزبير ، فعقد مع البربر صلحا مقابل ثلاثمائة قنطار ذهبا ، و عاد إلى مصر سنة 28 ه ، دون أن يولّي عليهم أحدا. ويذكر ابن عذاري في « البيان المغرب « ( تح . كولان و بروفنسال ، ط . ليدن 1948 ) أنّ عبد الله بن سعد غزا إفريقية ثانية سنة 33 ه، إثر نقض البربر الوعد. ومن تلك السنة إلى سنة 45 ه توقّفت الفتوحات بسبب الفتنة الناشبة إثر مقتل عثمان، و بقي العالم الإسلامي ينتظر نتيجة الصراع حتّى آلت الخلافة إلى معاوية بن أبي سفيان ، فأرسل معاوية بن حديج الكندي لفتح إفريقيّة، فانتصر على نجفور بسوسة ، و فتح حصن جلّولا. و كان أوّل من اختار قيروانا ( بمعنى معسكر) عند القرن، قرب قيروان اليوم. وفي سنة 50 ه عزل معاوية بن أبي سفيان معاوية بن حديج، وولّى عقبة بن نافع الفهري قيادة الفتوح. و قد كان فاتحا في نواحي فزّان ، فدخل البلاد مباعدا الساحل ، و لم يجد مقاومة . و لمّا لم يعجبه قيروان معاوية سار حتّى نزل بقيروان اليوم و قال : « إنّ إفريقيّة إذا دخلها إمام تحوّموا بالإسلام ، فإذا خرج منها رجع من كان أسلم بها و ارتدّ إلى الكفر . و أرى لكم يا معشر المسلمين أن تتخذوا بها مدينة تجعلوا بها عسكرا و تكون عزّ الإسلام إلى آخر الدهر.» ( حسين مؤنس : فتح العرب للمغرب . – القاهرة ، 1947 ، ص 157 ) . و ركز رمحه و قال: «هذا قيروانكم». ( ابن عبد الحكم : 265).وكان هذا التأسيس سببا لعزل عقبة في السنة الموالية من قبل مسلمة بن مخلد والي مصر والمغرب، و تعويضه بمولى هو أبو المهاجر دينار الذي أصبح أميرا على إفريقية من سنة 55 ه إلى سنة 62 ه . و قد أسلم على يديه كسيلة و عدد كبير من البربر . و كان أوّل من أقام بها ( ابن عبد الحكم: 266).و لمّا أساء عزل عقبة ، خلافا لما أوصي به ، اشتكى عقبة إلى يزيد بن معاوية ، فردّه واليا على إفريقية ، فزجّ بكسيلة و بأبي المهاجر في الأصفاد و حملهما معه في غزواته في طنجة و السوس سنة 61 ه إلى أن كاد له كسيلة بتهودة سنة 63 ه ، فتوجّه إليه زهير بن قيس في السنة الموالية فقتله ( ابن عبد الحكم : 269 ) . يتبع