كانت قصتهما حديث المصريين والغانيين فى نهاية الخمسينيات. ! وبوساطة من الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، بدأت قصة ارتباط المصرية القبطية فتحية حليم رزق، والزعيم الغانى كوامى نكروما ورئيس حركة تحرير غانا من الاستعمار البريطانى. ولقد بدأت القصة عام 1957، عندما كان الرئيس الغانى نكروما في زيارة لأحدى الكنائس المصرية، وهناك شاهد فتاة جميلة سمراء اللون، دخلت إلى قلبه منذ الوهلة الأولى مما جعله يقرر على الفور الارتباط بها. كانت فتحية حليم رزق من مواليد القاهرة، فى 22 فيفري 1932، لأسرة مسيحية، وكانت الابنة الثالثة من 5 أبناء لوالدها موظف بمصلحة التليفونات المصرية، والذى توفى وهى فى ال13 من عمرها. نكروما والنساء «كل امرأة في ساحل الذهب هي عروستي»، كلمات عاش بها كوامي نكروما، رئيس الوزراء الأول آنذاك في غانا، الدولة التي كانت تسمى قديمًا ب«ساحل الذهب»، كلمات لم تكن مجرد تعبير مجازي بل أمر واقع افتخرت به الغانيات، فكن يعقدن خصلات شعورهن للإعلان للجميع، «قضيت ليلة أمس في فراش نكروما»، حتى حضرت هذه السيدة، امرأة مصرية لتغير كل شيء على الصعيد السياسي والاجتماعي في الدولة الإفريقية. عام 1958، مر قرابة عام على تولي «نكروما» منصب رئيس الوزراء الأول في بلاده، وشهد شهر جانفي زواجه من عروسة ليست من بلاده، ولا تتحدث لغته، بل لم يرها من قبل، كانت امرأة مصرية تدعى فتحية حليم رزق، عيناها لوزية في غاية الجاذبية، سوداء داكنة. قرر رئيس الوزراء الغاني الزواج من هذه المصرية، وهو ما لقى مباركة من «عبد الناصر»، وأدى إلى تحسن العلاقات الدولية بين مصر وغانا. وبقت فتحية نكروما، التي ولدت في حي الزيتون بالقاهرة، وعملت مدرسة وموظفة ببنك قبل زواجها من الزعيم الغاني، في بلاد زوجها حتى تم إسقاطه لتعود بأولادها ال3 إلى مصر، حتى توفيت عام 2007. ووصفها ابنها «جمال» في مقال له قائلًا: «في أيامها كانت السفيرات النساء نادرات، ولاعتبارات الطبيعة السياسية لزواجها، أصبحت سفيرة غير رسمية لبلدها مصر»، كما روى كواليس زواجها من والده قائلًا: «كان خالي الأكبر قد غادر مصر مع زوجته الإنقليزية حين تقدم والدي لخطوبة والدتي، وكانت جدتي رافضة لفكرة زواج إبنتها هي الأخرى من أجنبي ومغادرة مصر، ورغم أن والدتي حاولت إقناعها بأن نكروما بطل ضد الاستعمار كعبد الناصر، إلا أن جدتي أصرت على الرفض، وعزفت عن الحديث إلى والدتي ولم تعطها مباركتها على الزواج». تدخل عبد الناصر أما «عبد الناصر» فاستدعاها بعد علمه بعرض الزواج من رئيس الوزراء الغاني، «سألها إذا كانت واثقة من رغبتها في قبول عرض نكروما، موضحًا لها أن الزواج من زعيم دولة إفريقية يحارب من أجل الاستقلال من الحكم البريطاني يحمل كثيرا من الواجبات والمسؤوليات والتضيحات والمخاطر». وردت «فتحية» على الرئيس قائلة: «أرغب في الزواج من زعيم مناهض للاحتلال، قرأت سيرته الذاتية وأعرف معاناته خلال دراسته في أمريكا وبريطانيا، ومعاناته في النضال ضد الاستعمار بعد عودته إلى بلاده، ومعجبة به جدًا، لكن فقط عائلتي تقف في طريقي». غادرت «فتحية» وهي على قطيعة مع أهلها إلى غانا للزواج من زعيمها، لتجد نفسها منعزلة عنه بأكثر من حاجز، كما يروي ابنها، «كانت تتحدث القليل من الإنقليزية، وكان عريسها لا يتحدث العربية ولا الفرنسية التي أتقنتها هي، لكن بإصرارها استطاعت أن تلقي أول خطاب لها بالإنقليزية بعد 3 أشهر فقط، وبعدما عشقت بلدها الجديد، نادرًا ما عادت إلى مصر، كانت سعيدة بالهروب من الثقافة المحافظة التي تربت فيها كما أعجبت بحيوية الثقافة الغانية، وكانت مندهشة جدًا من الحرية الكبيرة للمرأة الغانية، وأحب الشعب المرأة القوية التي تحكمت في تجارة القماش، حتى سميت إحدى القطع التي صممت تحديدًا من أجلها (فتحية تستحق نكروما)». السيدة الأولى لم تكن تدري فتحية أن الصدفة سوف تغير حياتها، لتنتقل من عملها كموظفة في أحد المصارف، لتكون السيدة الأولى لجمهورية غانا، بعد أن رآها رئيس الوزراء الغاني آنذاك وأول رئيس للجمهورية بعد ذلك كوامي نكروما، وأعجبها وأصر على الزواج منها. ولدت فتحية بحي الزيتون في القاهرة عام 1932 كما أسلفنا الذكر، وعملت معلمة بمدرسة الراهبات نوتردام، التي تعلمت فيها ثم تركتها لتنتقل للعمل في أحد المصارف وهناك تعرف عليها كوامي نكروما الكاتب والسياسي والمناضل الغاني، الذي شغل منصب رئيس الوزراء ثم انتخب أول رئيس لجمهورية غانا بعد استقلالها عن الاحتلال البريطاني. اعترضت والدة فتحية على زواجها من الزعيم الغاني، خوفًا من أن تترك مصر، كما فعل أخيها، الذي سافر إلى أنقلترا، وأصرت على ألا تتم الزِيجة، لولا تدخل الرئيس جمال عبد الناصر، الذي أقنع والدتها بأن ابنتها ستتزوج أكبر زعيم إفريقي، مضى يقول ليطمئنها إنه سيفتتح سفارة مصرية في غانا، وكذلك خط طيران مباشر، ويمكنها زيارة ابنتها في أي وقت، وبالفعل عُقد القران في عام 1958. لم تكن فتحية، تعرف نكروما، ولكن نضاله ضد الاستعمار، حفزها أن تكون شريكة له في طريقه نحو الحرية والكرامة والاستقلال، فأسفر الزواج عن 3 أبناء، وهم جمال، وسامية، وسيكو. عادت فتحية نكروما، مرة أخرى إلى القاهرة في عام 1966، عندما وقع انقلاب عسكري في غانا، فاستغاثت بالرئيس جمال عبد الناصر، الذي أرسل طائرة خاصة، أحضرتها وأولادها، بينما لجأ زوجها إلى غينيا، وأقامت فتحية وأولادها بقصر الطاهرة لمدة 3 أشهر، لحين الانتهاء من إعداد مسكنهما الجديد بالمعادي. لم تنفصل فتحية رزق عقب الانقلاب عن الأحداث السياسية، بل ساهمت وتفاعلت معها عندما وقعت النكسة في 1967، تبرعت بذهبها لصالح المجهود الحربي. وفي عام 2000 قام الرئيس الغاني جون كافور بزيارتها بالقاهرة،و توفيت فتحية عام 2007، وترأس القداس الذي أقيم على روحها البابا شنودة الثالث، ودفنت في غانا إلى جوار زوجها بعد إصرار الرئيس الغاني وقتها على ذلك وكان نكروما قد توفي عام 1972 في رومانيا بعد صراع طويل مع مرض السرطان. وكتب على قبرها: "الزوجة الحبيبة للرجل العظيم، التي واجهت الأزمات بشجاعة. وأوضح ابنها «جمال» لإحدى الصحف أن «الغانيين لا يزالون يعتبرونها السيدة الأولى لغانا وجنازتها في غانا كانت عظيمة». !