عاجل/ أحكام سجنية ثقيلة ضد الطيّب راشد ورجال أعمال    تنبيه عاجل للمسافرين: بعض المسارات الجوية في هذه الدولة مغلقة لساعات محددة!    ميسي يتطلع للمشاركة في كأس العالم 2026 رغم مخاوف العمر واللياقة    غدا.. إنطلاق مهرجان الرمّان في تستور    عاجل/ الإحتلال ينشر فيديو جديد للسنوار قبل أيام قليلة من استشهاده    صفاقس: غدا الانطلاق الرسمي لموسم جني الزيتون    الرابطة الأولى: الملعب التونسي يؤكد التمسك بالمدرب شكري الخطوي    الليغا: نجم ريال مدريد يخضع لتدخل جراحي جديد    عاجل/ إضراب مُرتقب في قطاع الصحة    الحنة والفوائد الصحية: معجزة طبيعية للكبد على حسب الباحثين    الغسالة تضرلك حوايجك ؟ 8 حاجات ما تغسلهومش باش ما تخسرش كل شي    بعد أشهر من الخلاف.. ترامب لماسك: "سأظل أحبه دائما"    تنديد بالإرتفاع المُشط في أسعار اللحوم الحمراء.. #خبر_عاجل    الديوان الوطني للصناعات التقليدية يشارك في معرض دولي بالهند من 31 جانفي الى 15 فيفري 2026    عاجل: تونس تدخل اليوم في الرّوج    سيميوني وبايينا يهزان الشباك وأتليتيكو يعزز سجله الخالي من الهزائم    حكم بالسجن لمغتصب فتاة من ذوي الإحتياجات الخاصة    تجاوزات في السكن والنقل والتأمين.. موسم العمرة يبدأ بالشكوى!    عاجل: ''Ciné Jamil'' المنزه 6 تُغلق أبوابها نهائيًا    صدور الأمر المتعلق بدعوة الناخبين للتصويت على سحب الوكالة بمعتمدية شربان ولاية المهدية بالرائد الرسمي    بمنافس جديد.. إيلون ماسك يتحدى "ويكيبيديا"    "من العين إلى القلب": إكتشاف طبي جديد للتنبؤ بخطورة الأمراض    يا توانسة.. كل شريحة لحم تاكلها تزيد في حرارة الأرض!    طقس الثلاثاء: الحرارة بين 19 و30 درجة مع سحب عابرة ورياح قوية    سعيّد يدعو إلى إصلاح الصناديق الاجتماعية وتطبيق قانون منع المناولة    وزير التجهيز: ينتظر ان تصدر قريبا النصوص التطبيقية لقانون البنايات المتداعية للسقوط    السعودية: 54.5 مليون زائر ومعتمر بالحرمين الشريفين في شهر    عاجل: النجم الرياضي الساحلي يرفض استقالة زبير بيّة    قيس سعيد: الحلول قادمة وسيتنفّس كلّ تونسي هواء نقيّا خاليًا من كلّ أنواع التلوّث    عاجل: عودة الأمطار بداية نوفمبر... وتقلبات منتظرة في الأسبوع الثاني    محاكمة المتهمين بمضايقة زوجة الرئيس ماكرون    وزارة الصحة : اطلاق خطة وطنية لحماية الأطفال من التهاب الشُعيبات    هدية شخصية من اليابان تلامس قلب ترامب    رئيس الجمهورية: القرارات التي يجري العمل على إعدادها لن تُخيّب آمال الشّعب    ترامب يجدد رغبته في لقاء الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ    مدنين: قروض بقيمة 20 ألف دينار لتشجيع الشباب على الاستثمار في السياحة    أولا وأخيرا: خلاص الفاتورة في الدورة    البطولة العربية للكرة الطائرة للسيدات: النادي النسائي بقرطاج يواصل التألق ويفوز على نادي سلوى الصباح الكويتي بثلاثية نظيفة    جبنيانة ..يستدرجون ضحاياهم ل «الحرقة» ثمّ يفتكّون أموالهم    المهدية .. بمشاركة أكثر من 550 مُمرّضا من تونس والخارج ..اختتام الأيام الوطنيّة ال19 للإطارات شبه الطبيّة    اليوم وتحت شعار «روح دار الثقافة في نواديها» ...دار الثقافة سبيطلة تفتتح موسمها الثقافي الجديد    ملتقى حول الشيخ الطاهر بن عاشور    40 دينار للعلوش و32 للبقري... منظمة الدفاع عن المستهلك تدق ناقوس الخطر    الوسلاتية: ضبط شاحنة محمّلة ب21 رأس غنم مسروقة من ولاية منوبة    جندوبة: افتتاح الدورة الأولى للمهرجان الدولي للأثر البيئي بجامعة جندوبة    صدور مجلة "جيو" الفرنسية في عدد خاص بالتراث التونسي    عاجل/ حالة إحتقان بهذه الجهة بعد حادث مرور قاتل    قبلي: حجز واتلاف كمية من الاعلاف الحيوانية وتنظيف خزانات ومحطات تحلية المياه    تنشط بين ليبيا وتونس.. تفكيك شبكة إجرامية دولية في مجال ترويج المخدرات    عاجل/ زبيّر بيّة يستقيل من رئاسة النجم الساحلي    نابل: توقعات أولية بإنتاج القوارص في حدود 270 ألف طن ودعوة لاتخاذ إجراءات لتيسير عملية ترويج المنتوج    بالفيديو : صوت ملائكي للطفل محمد عامر يؤذن ويقرأ الفاتحة ويأسر قلوب التونسيين...من هو؟    كأس الكاف: قائمة الفرق المتأهلة إلى دور المجموعات    رسالة من صاحبة "أكبر شفاه في العالم"    برنامج "The Voice" يعود من جديد.. ومفاجأة في تشكيلة لجنة التحكيم    كيف سيكون طقس الاثنين 27 أكتوبر؟    مصر.. تعطل الدراسة في 38 مدرسة حرصا على سلامة التلاميذ    زحل المهيب: أمسية فلكية لا تفوت بتونس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معهم في رحلاتهم..إعداد أحمد الحمروني
نشر في الشروق يوم 28 - 08 - 2019

نحاول بهذه الحلقات من أدب الرحلات إمتاع القارئ بالتجوال في العالم رفقة رحّالة وكتّاب شغفوا بالترحال وأبدعوا على اختلاف الأنظار والأساليب في وصف البلدان، سواء انطلقوا من هذا القطر أو من ذاك، مع العلم بأنّ أكثرهم من المغرب الكبير ووجهاتهم حجازيّة لأولويّة مقصد الحجّ وغلبة المشاغل العلميّة والثقافيّة على آثارهم باعتبارهم فقهاء وأدباء، على أنّ الرحلة تكون ممتعة أكثر مع آخرين جالوا في قارات أخرى.
إدريس (الرشيد): 2711917 / 592009
وفي بشاور ساحة كساحة باب سويقة كان له فيها خطاب ومفاجأة . قال : « جئت للاجتماع بعد أن أدّيت معهم ( أي الباتان) الصلاة في مسجد البلدة. وهو مسجد من طابقين لا يكاد الإنسان يجد فيه شبرا فاضيا من شدّة اكتظاظه بالمصلّين . وتمكّنت مع مرافقي بعد جهد من إيجاد فجوة بين المصلّين في الطابق الثاني . وألقى الإمام خطبة الجمعة بالأردية أو الباشتو والدعاء بالعربية . وبعد أداء الصلاة وتلاوة الفاتحة والدعاء انتشر المسلمون في الأرض، وكثير منهم قصدوا موقع الاجتماع . ولمّا جاء دوري في الكلام ألقيت خطابي مشيدا بالأخوة الإسلاميّة التي تربط بيننا، وشارحا وضع بلادنا وكفاحها ومحنة المغرب العربي الإسلامي . وكان أحد الإخوان يترجم فقرة فقرة ما كنت أفوه به. وقد تأثر القوم عظيم التأثر فالتفّ حولي الكثيرون منهم بعد أن انقضى الاجتماع يعبّرون عن عطفهم واستعدادهم لمناصرة إخوانهم المكافحين في أقصى الأرض» (ص 29). وأضاف: «وإثر هذا الاجتماع بحثت عن العلم التونسي الذي كنت أحمله معي وقد رفع على المنصّة فلم أجده، وعدت في اليوم التالي أبحث عنه لدى منظّمي الاجتماع ولكنّي لم أظفر به . وكم كانت دهشتي عظيمة عندما صارحني الإخوان بأنّهم احتفظوا به للبركة « (ص 29).
العاصمة الثانية لباكستان هي لاهور. وهي كما وصفها: «مغوليّة النشأة، ذات آثار عظيمة تشهد بمجد تليد زاهر، مسجدها ما أوسع رحابه! وفي صحنه الفسيح أقيم ضريح الشاعر إقبال. وقصورها شاهقة، وقباب أبراجها مذهّبة، وحديقتها حبس عنها الماء بسبب مشاكل كانت قائمة بين الهند وباكستان» (ص 30).
وفي عقرا بالهند أعجب بالفنّ المغولي من خلال تاج محل. قال: «عدنا إلى التاج ننعم بفنّه البديع ونطوف به في حديقته البديعة ونهر «القانج» يمتدّ إلى بعيد، وعلى سواحله بشر يتطهر وبقر يقدّس! وتابعنا زيارة المعالم القريبة فطفنا بالمدينة المهجور المبنيّة من حجارة حمراء. وهي قائمة كما بنيت منذ قرون بقصورها وبيوتها وأسواقها، ولم يستقرّ بها بشر، فقد لعنها القدر إلى الأبد ! ووقفنا ننظر إلى «التاج» من نافذة قصر عظيم في الغرفة التي سجن فيها الملك «شاه جهان» باني التاج ضريحا لزوجته «نور جهان. وقد سجنه ابنه بعد أن افتكّ منه الملك. وما «التاج محل» سوى ضريح فريد من نوعه أقامه لزوجته فخلّد به الحبّ والوفاء. وكان من النافذة ينظر إليه وهو سجين، ن ولعلّه كان يذكر ويعتبر. وفي قصر الوزير اعتماد الدولة القريب شاهدنا آية أخرى من آيات الفنّ المغولي البديع، ونعمنا برقّة النقش على الرخام، وقضينا في ذلك القصر برهة وكأنّنا في قصر مسحور. فقد نقشت جدرانه وعرصاته بلطيف النقش، فكان بناء شفّافا يسحر النفوس برقّة فنّه البديع « (ص 37).
بعد مهمّات في القاهرة وعواصم أوروبيّة تخلّلتها زيارات قصيرة لتونس كلّف الرشيد إدريس بالسفارة التونسيّة بواشنطن. وهاهو يفاجئه ولده بخبر عاجل : اغتيال مرتن لوثر كنق. « كان ذلك مساء الرابع من أفريل 1968 وكنّا جالسين نتحدّث في إحدى قاعات السفارة فتحوّلنا إلى ناحية جهاز التلفزة نتطلّع إلى حقيقة الأمر ونتثبّت في صحّة هذا النبإ الخطر ونقدّر ما عسى أن يترتّب عنه من تقلّبات. فقد كان مرتن لوثر كنق من أشهر زعماء الزنوج وأقواهم حجّة لبلاغته وقوّة تأثيره. وهو يتمسّك بقاعدة عدم العنف في كفاحه. تلاقينا مرّات في واشنطن، وكانت إحدى الفرص بمناسبة محاضرة ألقاها في جامعة هوارد شرح فيها قضيّة السود في أمريكا . وتتبّعنا رحلته الأخيرة لمنفيس واستمعنا إلى خطاباته المؤثّرة . وقد امتدّت يد مجرمة لاغتياله. وسرعان ما انتشر خبر الجريمة فأحدث ردّ فعل عنيف من قبل الأقلّية السوداء بأهمّ المدن الأمريكية، وعمّ الاضطراب بعض أحياء العاصمة واشنطن التي يسكنها حوالي 70 % من السود. وأحرقت متاجر وخرّبت دكاكين وعمّت الفوضى حتّى اضطّرت السلطة إلى إعلان حالة الطوارئ» (ص 72).
ذاك يوم حزين.. وهذا يوم يسرّ: «يوم لا ينسى من أيّام الألعاب الأولمبيّة بمكسيكو سنة 1968 وكنت يومئذ سفيرا للجمهوريّة التونسيّة بواشنطن ومعتمدا غير مقيم لدى دولة المكسيك. انتصر القمّودي في سباق الخمسة آلاف متر، واعتززنا بانتصاره أمام دول العالم، وغمرنا شعور الفرح والسعادة عندما ارتفع العلم التونسي على الميدان الأولمبي وعزفت الموسيقى نشيدنا القومي وسلّمت الميداليّة الذهبيّة للفائز . وفي المساء جمعتنا حفلة تكريم أقامها على شرف القمودي قنصلنا الشرفي بالمكسيك بأحد المطاعم الفاخرة « (ص 76).
وفي جولة عبر أمريكا الجنوبيّة زار الرشيد إدريس المكسيك ولاحظ أنّ «المكسيكيين من أصل هندي أو إسباني يشبهون التونسيين كما أنّ ملابسهم المزركشة تشبه في ألوانها ما يوجد في أريافنا. وفي المدن جدران مكسوّة بالزليج وجدران بيضاء وأقواس وأسوار تذكّر بالفنّ العربي الأندلسي، وفي ذلك ما يقرّب على بعد المسافة واختلاف اللغة والدين . يضاف إلى هذا أنّنا كلّنا في صراع مع الحياة، ومعركتنا في سبيل التنمية رهان عسير» (ص 88).
ثمّ زار البرازيل فأعجب بعاصمتها برازيليا الحديثة كما خطّطها رئيسها السابق كوبتشاك (ص 101) . ثمّ زار البيرو، وفوجئ في ليما بالشمس التي لا يظهر قرصها بل ترسل أنوارها خافتة من وراء حجاب كأنّها مكسوّة بضباب، وأعجب بطريقة دفن الإنكا لموتاهم قاعدين وبوفرة الذهب (ص 121). ثمّ زار بوليفيا محاذرا في لاباز خطر الارتفاع على القلب، وملاحظا لباس النساء لقبّعات مستديرة . وبالمناسبة استحضر في عجالة تاريخ الثورات في ذلك البلد وصولا إلى اغتيال الزعيم شي غيفارة، وسجّل أثر الأزمة الاقتصادية من التضخّم المالي إلى ارتفاع الأسعار (ص 123). ونفس الخطر على دقّات القلب دقّ جرسه في كيتو عاصمة الإكواتور وفي مكسيكو عاصمة المكسيك (ص 126).
في قريت فالس بولاية منتانا حلّ الرشيد إدريس بصفته الديبلوماسيّة ضيفا على عائلة شفيتزر في ضيعة للفلاحة وتربية البقر . وكان الحديث حول علاقة اتّحاد المزارعين بالحكومة، وحول تونس التي لا يعرف الأمريكيّون عنها غير حنّبعل قديما وبورقيبة حديثا (ص 154) .
وفي ضيافة عند رئيس قبيلة من بقايا الهنود أصيلي أمريكا قدّم له، ولمن معه، طعام تقليدي يشبه الطعام التونسي في « القدّيد» ويختلف عنه في حساء من عصير الفراولة (ص 165). ثمّ زار معرضا لتحف ورسوم تمثّل حياة الهنود (ص 175). ولشدّما أعجب، وهو في مدينة وليامسبورغ بولاية فرجينيا، بما بذلته أسرة روكفلر من أموال لإعادة بناء المدينة على الصورة التي كانت عليها أيّام الاستقلال سنة 1776 م بدكاكين الخبّاز والنجّار والحدّاد مع ترميم قصر الحاكم الأنقليزي ومجلس النوّاب. شعر فيها بالاطمئنان إذ منع فيها مرور السيّارات وفسح المجال للعربات تجرّها الخيل، وتذكّر زيارة بورقيبة لها في ماي 1968 (ص 180) .
وتنفيذا لبرنامج الرحلة شارك الرشيد إدريس مع مرافقيه الدبلوماسيين نزول النهر الأخضر – أحد فروع الكولورادو – انطلاقا من لودور في سبعة زوارق بالتجديف مع محطّات استراحة وتخييم ووصولا إلى مرسى مجاور لحديقة الديناصورات . وخصّ هذه التجربة بعدّة صفحات تخلّلتها ذكريات الطفولة ومغامرات الكفاح (186 – 237).
ثمّ زار سان فرانسيسكو المشهورة بإعلان ميثاق الأمم المتّحدة في 26 جوان 1945 وبالزلزال العظيم سنة 1906 . قال إنّ الناس فيها يخشون كوارث أخرى، وفي نفس الوقت يشيّدون ناطحات السحاب (ص 241 – 245 ).
وأخيرا عاد السفير إلى بيته بنيويورك، في الشارع الخامس بمنهاتن، ليفكّر ويكتب... إلى أن استقرّ «السندباد» بقرطاج لبقيّة الحياة.
التعليق : بصفته مناضلا وديبلوماسيّا من زعماء الحركة الوطنيّة وأعضاد بورقيبة في المسار التحريري وبناء الدولة جمع الرشيد إدريس بين مهامّه كسفير وبين نشاطه على هامش السياسة بما في ذلك السياحة . وبأسلوب لطيف دوّن بصفته الأدبيّة، أيضا، ملاحظات وأحداثا ومواقف ومشاعر تفيد المؤرّخ وتمتع القارئ. ومن خلالها بدا مسكونا بحبّ تونس، لا ينقطع عنها مهما ابتعد وانشغل، ولا ينفكّ عن التذكّر والمقارنة، على غرار جيله المكافح، معبّرا بنفس النعوت والصور غالبا.
(انتهى)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.