لقد أتحفتنا التلفزة الوطنيّة بما سمّته مناظرة تلفزيّة بين المرشّحين للرئاسيّة بعد أن طبّلتْ وزَكّرتْ لهذا الحدث ما يزيد عن عشرين يوما فاستمعنا إلى التحذيرات التي وجّهت للمتناظرين وللتوصيات الصارمة لإحترام المنافس وعدم الخروج عن أخلاقيات الحوار والانضباط الكامل للتعليمات كما قيل لنا أنّ الصحفييّن سيكونون محايدين إلى أقصى الحدود فحتّى تقاسيم وجوههم ستحسب عليهم إذا تغيّرت من منافس لآخر و كذلك العدول المنفّذون الذين سيقدمون تقريرا محايدا لنتائج المخالفات والتجاوزات كلّ هذا كان دعاية كافية للناخبين ليجلسوا على مقاعدهم أمام التلفزة لمواكبة هذا الحدث الذي لم تعرف مثله تونس من قبل حتّى المتيّمون بكرة القدم زهد في المباراة الهامة التي تزامنت مع هذ الحدث حتّى لا تفوتهم فرصة العمر .وقد بان بعد ساعتين من الكلام المقام على السؤال والجواب أنّ كلّ ما قيل حول هذا الحدث ما هو إلّا –كما يقول حمزة البلومي-إلّا «فِشُوشْ» ودعاية وتضخيم للحدث وحلّ الصرّة ما تلقاش حتّى الخيط» وسأوضّح هذا الموقف. أوّلا وقبل كلّ شيء ما شاهدناه ليلة الأحد يمكن أن نطلق عليه ما شِئْنا من الأسماء إلّا كونه مناظرة إذ للمناظرة ضوابطها وأحكامها فهي مقامة على النقاش والتجاذب حول سؤال معيّن يدلي فيه كلّ متناظر بدلوه ويكون هذا الطرح والردّ و الردّ على الردّ في حيز زمني محدّد بالتساوي وعندها فقط يمكن أن نحكم على المتناظرين. أمّا أن يصطفّ المناظرون ونلقي على كلّ واحد منهم سؤالا معدّا مسبّقا ويجيب عنه كمن يستعرض محفوظة من المحفوظات وهو لا يتوقّع ردّا ولا مخالفة من منافسه فهذه العمليّة بعيدة جدّا عن المناظرة بل يمكن تسميتها «إختبر معلوماتك « أو «اعرض محفوظاتك» أو "تكلّم وقل ما تريد فسوف لن تعارض"أمّا أن تكون مناظرة فلا .فنحن نعرف مناظرات تاريخيّة سواء كانت سياسيّة أودينيّة أو أدبيّة وما أبعدها عن ما شاهدناه ليلة الأحد في التلفزة قد يقول البعض أنّنا لا نحسن إلّا التنبير ولا نقدّم البديل ؟ وجوابا عن هذا أقول إنّ أضعف الإيمان ونظرا لكثرة المترشّحين كان يمكن أن يكون في كلّ محور من المحاور التي طرحت ثلاث أسئلة يجيب عنها كلّ المترشّحين حتّى نعرف مواقفهم من مسألة موحّدة لا أن يتلو علينا المرشّح جوابا عن سؤال خاص به وهو متيقّن أنه سوف لن يردّ عليه أحد وقد يقول ما يريد فيستعطف الناخبين ويتجاوز عن جوهر السؤال ويقدّم «خبطة» جميلة ما أبعدها عن الواقع وعن اعتقاده وممارساته التي نعرفها عنه من خلال مناسبات سابقة. والأمثلة على ذلك كثيرة فالمرزوقي تهرّب من السؤال حول الحريات الفرديّة ولم يكرّر ما قاله في مناسبات أخرى خاصة أنّه سيرمي بمشروع قانون الميراث في سلّة المهملات ولم تُعْط الفرصة لمنافسيه لمعارضته وتذكيره بمواقفه السابقة وقد تكلّم عن المياه والبيئة في جوابه عن الحريات الفرديّة أمّا مورو الذي نسي أن يترحّم على روح ابن مرسي فقد انبرى في مغالطة حول موضوع قائمة شهداء الثورة والتعويضات وقد نسي أنّها لم تصدر لأنّه من غير المعقول أن يدرج في قائمة الشهداء ونعوّض لمن خرجوا يومها للنهب والسرقة متستّرين بالفوضى التي عمت البلاد هذا هو المعطّل الأساسي و قد أرجعه باحتشام عبدو إلى الجادة. ثمّ الذي انقذ الحصّة وأضفى عليها نوعا ما من خفّة الروح هو محاولات جلول الابتعاد عن الجدّ وطرح بعض الهزل ولكن لم يجد من يسايره أمّا الذي أضحكنا وأزال عنّا الملل والروتين و جعلنا نقاوم النوم الذي تلاعب بأجفاننا هو المرزوقي بتشنّجاته التي ليس لها أي مبرّر فالرجل يتشنّج بدون إثارة من أي كان فقد ذكّرنا بتشنّجه وهو يخاطب الإرهابييّن الوهمييّن في الجبال بتشنّجه المعهود وفي الختام أقول ما استمعنا إليه البارحة وما سنستمع له هو من النوع القديم المعاد أو هو من نوع «ما تسمعه اليوم تقرأه غدا» والذي جعلنا نستلقي من الضحك هو عندما تحدّث المرزوقي على سيادة الدولة وهيبتها إذ تذكرنا ب «حَمَدْ قطر»و هو يُسَويِ وَقْفة المرزوقي أي قطر تعلّم رئيس جمهوريّة تونس كيف يقف يا لسخف الزمان ورحم الله الباجي قائد السبسي الذي كان دائما يردّ هذا البيت من الشعر: هزُلتْ حتّى بانتْ كِلاهَا *** وسَامها في السوق كلّ مُفْلِسِ يمكن أن يكون هذا البيت موضوع مناظرة عنوانها ما المقصود بهذا البيت؟ نترقّب أجوبة القراء أمّا جوابي فهو «المقصود بهذا البيت هو منصب رئيس الجمهوريّة». الذي تطاول عليه من هبّ ودبّ.